الشيخ حمّاد أبو دعابس في مقاله:
قسّما خريطة العالم العربي والإسلامي "بالمسطرة" وأطلقا على تلك الأقسام أسماء دولٍ عربيّة وإسلاميّه
صراع بين العودة إلى الأصول الثقافية، الفكرية والدينيّة للأمّة العربيّة الإسلامية، ولاءً وثقةً وانتماءً وتربيةً وتطبيقاً
نستورد من الغرب كلّ نواحي الحياة، من مأكل وملبس، ورقص وغناء، ووسائل إعلام تروّج للرذيلة والقيم الهابطة بمقابل ذلك ، فإنّ لدينا في الإسلام أغنى منظومة عقائديّة
الأمة العربية والإسلامية لا تتحرّك في فراغ. بل هي جزءٌ لا يتجزأ من العالم الكبير، ومنظومته الدوليّة. هي جزء من موازين القوى. تؤثر نوعاً ما ولكنّها تتأثر أكثر بآلاف المرات. وهي جزء من حركة الاقتصاد العالميّ ، والإعلام العالميّ والإنتاج الثقافي والفكريّ والتاريخيّ في هذا العالم.
ثوابت الأُمّة
إنّ كل أثر ايجابيّ وإثراء للعالم تقدّمة الأمة العربيّة،مَرَدُّه إلى ثوابت الأُمّة، إلى ثقافتها المنبثقة عن كتاب ربّها وسُنّة نبيّها. إلى تاريخها العريق وحضارتها المجيدة. فالأُمّة الإسلامية، كانت عبر التاريخ أُمّة واحدة كبرى، انصهر في بوتقتها العربيّ والفارسيّ ، التركيّ والكرديّ ، الأبيض والأسود، وكُلُّها تُكنُّ للعروبة المكانة المحترمة والريادة والتكريم ، ثُمّ جاء التغريب وأعنى به في هذه المرحلة، اثر التدخل الغربيّ في حياة الأمة العربيّة والإسلامية. جاء في البداية عابراً عن طريق الغزو الصليبيّ، وكان أثره هامشيّاً. إذ أنّه لم يؤثّر في نسيج الأمة الإسلامي والعقدي، الاجتماعي والسلوكي .
التغريب المعاصر
أمّا التغريب المعاصر والذي دخل بقوّة بعد الحرب العالميّة الأولى، فقد ترك بصماته في كل شيء. حتّى أصبح الكلام غربيّاً ، واللباس ، والثقافة والعادات والسلوكيّات كلُّها متأثرةً بالغرب . والأنكى من كل ذلك والأشد هو خضوع الأنظمة في ظل الاستعمار للإرادة الغربيّة. دُول شتّى وحدود وأعلام وممالك وجيوش ولكنّها فاقدةٌ للإرادة الحُرّة ولا تتحرك إلّا بإشارةٍ من العمّ سام.
الغرب وسخافاته!
الأمر نفسه انعكس على الشعوب والأفراد كما الدول والحكومات . إنّه صراع بين العودة إلى الأصول الثقافية، الفكرية والدينيّة للأمّة العربيّة الإسلامية، ولاءً وثقةً وانتماءً وتربيةً وتطبيقاً. وبين أن تكون ريشةً في مهبِّ الريح . نستورد كل ما يصدّره لنا الغرب من سخافاتٍ. ونقلّده التقليد الأعمى في هوامش حياته. ونترك للغرب تَفُوَّقهم الصّناعي والعسكري والتنظيمي.
،اتفاقيّة سايكس بيكو
كان من أول آثار الحرب العالميّة الاولى ،اتفاقيّة سايكس بيكو وهي على اسم دبلوماسيين أوروبيين ، قسّما خريطة العالم العربي والإسلامي "بالمسطرة" وأطلقا على تلك الأقسام أسماء دولٍ عربيّة وإسلاميّه. ثمّ تقاسمتها الدول الاستعماريّة الغربيّة ،فنهبت خيراتها ،وزرعت بذور الفتنة في كلّ مكان وكل مجال من مجالات الحياة . فالحدود مدار خلاف ،وأنظمة الحكم مصطنعة ،ومهجّنه ، ومناهج التعليم غريبة عن روح الأمّة . وبعد خروج الاستعمار جسداً من معظم الدول العربيّة والإسلاميّة ، ظلّ يتحكّم عن بُعد ويُمسك بمعظم الخيوط ، ولا تجرؤ معظم الدول العربيّة أن تقرّر ما تزرع ، وما تصنع ،وما تستورد ، ومن تُصالح ،ومن تُحارب ،وما تُعلِّم أبناءَها ، وما تحذف من مناهجها الدراسيّة . كُلُّه بيد الغرب.
التغريب وآثاره القاتلة
واليوم أموال العرب مُكدّسة في البنوك الأوروبيّة والأمريكيّة لا يستطيع العرب التصرّف بها . هم مُفرَّقون ولا يستطيعون جمع كلمتهم ، والنفط في بلادهم تستخرجه الشركات الغربيّة، وتقرّر سعره وتفرضه على أصحابه. بل تشتريه منهم خاماً وتبيعه لهم مكرّراً في كثير من الأحيان. فقدوا الإرادة ولم يعودوا قادرين على قول " لا " في وجه أمريكا والغرب وإسرائيل . هذه بعض وجوه التغريب وآثاره القاتلة في حياة الأمة.
إسلامُنا بين النظريّة والتطبيق
وبمقابل ما نستورده من الغرب ، وما يُؤثر علينا به في كلّ نواحي الحياة ، من مأكل وملبس ، من رقص وغناء ، ووسائل إعلام تروّج للرذيلة والقيم الهابطة . بمقابل ذلك ، فإنّ لدينا في الإسلام ،أغنى منظومة عقائديّة ،فكريّة ،ثقافية، روحيّة وتشريعيّة . فالقرآن والسنّة واجتهادات علماء الأُمّة على مدار تاريخها العريق ، لم تترك شاردةً ولا واردةً ، إلاّ وفيها الإسهام الحضاري الإسلامي المشرِّف ، حتّى أنه لا يكاد يختلف اثنان على أن الموروث الحضاري والفكري الإسلاميّين يُغنيان عن استيراد أي بديل عنهما من الخارج . ولكنّ السؤال المطروح ، كم تتجلّى هذه الأفكار وهذه النظريات في حياة المسلمين، وواقعهم المرير ؟
أين نحن من قول الله تعالى : " واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا ".
المسلمون أكثر من خمسين دولة وما يزال الانقسام مرشَّح للزيادة . وفي كل دولةٍ أحزاب وطوائف وملك واديان . " كلّ حزب بما لديهم فرحون " . وحتّى الحركات الإسلاميّة باتت شتاتاً مُفرّقاً ، متطرّفون ومعتدلون ، منهم من يكفّر الأنظمة ويحاربها ومنهم من يسير في ركبها ويدافع عنها. ومنهم من يتعاون مع غير المسلمين ويجد القواسم المشتركة معهم ولكنّه لا يجدها مع إخوانه واقرب الناس إليه عقيدةً وتاريخاً وفكراً .
لا تقتلوا النفس التي حرّم الله
أين نحن من قوله تعالى :" ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلّا بالحقّ" ، وقول النبي الكريم صلّى الله عليه وسلّم : " لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ". لقد أصبح القتل في المسلمين والعرب ، ديدناً ، وخبراً عاديّاً يوميّاً . يقتل الرجل لأتفه الأسباب .وتُقتل النساء والشيوخ والأطفال . وعمليّات التفجير في المساجد والأماكن العامّة . القاتل يقول : " الله اكبر " ويفجّر نفسه. والضحايا يقولون : "الله اكبر ، ولا اله إلا الله " وبعضهم يلفظ أنفاسه الأخيرة . لا يدري القاتل لِمَ قَتلَ ولا المقتول فيمَ قُتِلَ.
العنف بدل المحبة والتسامح
أين نحن من قول النبي صلّى الله عليه وسلّم : " مَثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد ،إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسّهر والحُمّى ". حيث حلّ العنف بدلاً عن التسامح ، والحقد والتباغض بدل الأخوة والمحبّة .
إنّ المسلمين اليوم حملةٌ لأعظم رسالةٍ ولكنّهم بعيدون جداً عن تطبيقها . هم أهل أعدل قضيّة ولكنها بأيدي محامين سيئين.
قشور الإسلام
وما لم يتحوّل المسلمون عن قشور الإسلام ، وشعاراته الجميلة العظيمة إلى لُبّ الإسلام والى تطبيقه السليم في واقع حياتهم .وما لم يعش المسلمون دينهم حياةً وروحاً ودماً يسري في عروقهم فيمتثلوا لنصوص القرآن وهتافات السُنّة ونداءات العلماء، ما لم يبلغوا ذلك فسوف يظل التغريب ، والهيمنة الأجنبيّة، فوق رؤوسهم ، وقد ضُرِبَت عليهم الذلّة والمسكنة التي وُعِد بها غيرهم فسبقوهم إليها . وكل ذلك حتّى يعودوا إلى منهج ربّهم وسُنّة نبيّهم ، ولو بعد حين .
والله غالب على أمره