رغم الجرح المفتوح والجريمة التي بقيت بدون عقاب نجحت هبة أكتوبر في إسقاط مشروع المواطنة الإسرائيلي بشكله المؤسساتي وبتطور وعي يجمع ما بين الواقع الحالي والزمان التاريخي الذي استبق النكبة
تعتبر هبة أكتوبر من أهم الأحداث المأساوية والمُؤسِسة في حياة الفلسطينيين في إسرائيل، ورغم مرور عشر سنوات على تلك الأحداث الدامية بقيت الجريمة بدون عقاب، بل ونشاهد تصعيدا خطيرا في السياسيات الإسرائيلية العنصرية واستمرارا لقتل مواطنين فلسطينيين بيد قوات الشرطة. من منطلق المسؤولية ومحاولة المساهمة العملية في مراجعة تلك الأحداث ومحاولة استشفاف إسقاطاتها على المجتمع الفلسطيني واستخلاص العبر، خصص مدى الكرمل، المركز العربي للدارسات الاجتماعية التطبيقية، العدد الحالي (الثامن) من مجلة "جدل" الدورية، لهذا الموضوع. وقد أشرف على تحرير هذا العدد د. أمل جمّال، مدير عام مؤسسة "إعلام" والمحاضر في جامعة تل أبيب.
تبلوُر الوعي
"إن هبّة الجماهير العربية الفلسطينية في أكتوبر 2000، وردة الفعل المؤسساتية القاسية، هما صدام مع أبعاد وتبعات مركبة من الصعب الوقوف على كل مقوّماتها. ومع ذلك، من الممكن الإجمال بالقول إن لهذه الهبّة - بالرغم من تراجيدية نتائجها الشخصية والعامّة- تبعاتٍ مهمّةً على تبلوُر الوعي العربيّ في السياق الإسرائيليّ على مستويين اثنين على الأقل: المستوى الأول يتعلق بسقوط مشروع المواطنة الإسرائيليّ، بشكله المؤسّساتي، وتبلوُر بديل جوهريّ وعميق يطالب بتفكيك الهيمنة واستبدالها بمبدأ التعددية المتساوية؛ المستوى الثاني يتعلق بتطور وعي يجمع ما بين الواقع الحالي والزمان التاريخي الذي استبق النكبة، ويُمَأسس لترابُط عضوي بين الحقبتين على مستوى الحقوق، وعلى مستوى العلاقات مع سائر تجمعات الشعب الفلسطينيّ المنكوب"، هذا بعض ما جاء في افتتاحية العدد الثامن من مجلة "جدل".
إسقاطات هبة أكتوبر
كما تشير الافتتاحية إلى ضرورة عدم التغاضي عن إسقاطات هبة أكتوبر وإلى واجب الترقب والدفع في الاتجاه المراد ، "لعلنا نؤثّر في دفع عجلة التاريخ إلى المنحى المأمول والذي تحدّدت معالمه في وثيقة حيفا، الأكثر دلالة وتبشيرًا للمراد الجمعيّ العربيّ والمعبّر عن قدرة بعض القيادات على تجاوز الآنيّ للاستثمار في المستقبليّ".
المجتمع الفلسطيني
يقدم لنا د. أمل جمال في مقاله التحليلي تفكيكا نظريا لأسباب اندلاع هبة أكتوبر، ويحاول أن يرسم تصورا حول الاسقاطات الممكنة لأحداث أكتوبر. على المستوى التحليلي في معالجة هبة أكتوبر يعرض جمال لمعسكرين نظريين، مفضلا المعسكر التحليلي الذي يعتمد على فرضيات أساسية واقعة في نظرية "البراكسيس"، ويقول أن هذه النظرية تضفي على أحداث أكتوبر بُعدًا اجتماعيًّا سياسيًّا أكثر عمقًا، وتعزو مزيدًا من العقلانيّة للجمهور العربيّ الفلسطينيّ في إسرائيل، وتُحوّله إلى وكيل سياسيّ مستقلّ يطمح إلى التأثير على الواقع السياسيّ الذي في داخله. أما المعسكر التحليلي الآخر فتقوم ادعاءاته على نظرة أداتيّة- وظائفيّة، تعتمد بتفسيرها على مفاهيم مثل "خيبة الأمل"، "الجبل البركاني"و "السلوك الجماهيري غير المنظم"، ويفسر هبة أكتوبر على أنها ردة فعل عفوي. ينتقد جمال هذا التوجه الذي لا يتعامل مع المجتمع الفلسطيني كوكيل اجتماعي تاريخي، ويرى أن هذا النموذج يرسخ مفهوم "الأقلية المحاصرة والهامشية المزدوجة"، وأن هذا النموذج "لا يتساوق مع تطوّرات الوعي والسلوك السياسيّ لهذه الفئة السكّانيّة في العقود الأخيرة".
أربع وجهات نظر
يتضمن العدد الحالي من "جدل" أربع وجهات نظر: يتناول البروفيسور إيليا زريق مسألة عنف دولة إسرائيل واستخفافها بحياة الفلسطينيين، وما يجري من تجريد للفلسطينيين من صفاتهم الإنسانية في الخطاب الإسرائيلي الرسمي والجماهيري. ويكتب زريق في مقاله أنه منذ تأسيس دولة إسرائيل وهي تتعامل مع حياة مواطنيها العرب باستخفاف "كوجود محتمل لكنه غير قابل للتطور". ويقول أن أفضل الطرق لرصد الحياة في إسرائيل هي من "المنظور العرقي حيث الإثنية والعرق يتحكمان بتعامل الدولة مع مواطنيها. وكما في الأنظمة العنصرية، تشكل الأرض والسكان المركبين الأساسيين اللذين يشغلان المستعمِر، وإسرائيل ليست استثناء لهذه الحالة. يشكل هذان المكوّنان حجر الأساس للصهيونيّة المعاصرة".
القانون الدولي الإنساني
وتستعرض سونيا بولص التطورات في القانون الدولي الإنساني، مشيرة إلى نظرية القضاء الخلاّق للمحكمة البين-أمريكية لحقوق الإنسان. وتدعو إلى استغلال تجربة هذه المحكمة في مجال توفير الإنصاف القانوني المدني لضحايا العنف بهدف تحصيل حقوق ضحايا أكتوبر وعائلتهم. أما د. محمود يزبك فيتهم الشرطة ألإسرائيلية بالقتل المتعمد، ويقول أن السياسة الإسرائيلية العنصرية والعدائية تجاه المواطنين الفلسطينيين في حالة تصاعد متواصل؛ في حين يشير د. أسعد غانم إلى أن هبة أكتوبر كانت تعبيرا عن نضوج جماعي للمواطنين الفلسطينيين وقناعة بعدم جدية إسرائيل في مساعي المصالحة التاريخية. ويقول أنه من أجل التعامل مع انجازات أكتوبر يجب أن تكون لدى الفلسطينيين في إسرائيل "قيادة جماعيّة قادرة على تحمُّل تبعات مواقفها وغير قابلة للهروب من المواجهة - في أيّ اتّجاه - بعد أقل امتحان". ويؤكد غانم على ضرورة تجاوز بعض المعيقات الاجتماعية في مجتمعنا مثل العنف الداخلي والاستهتار بالنظام العام ومعالجة حالة الفوضى والخواء الأخلاقي. في باب الأوراق المعلوماتية تقدم لنا الناشطة جنان عبده والمحررة المساعدة لمجلة "جدل" ملخصا لتسلسل أحداث أكتوبر ولأهم النقاط المفصلية.