الوزيرة ربيحة ذياب سامرت السجون الإسرائيلية حيث اعتقلت لأول مرة في عام 1968 إثر تظاهرها
معالي الوزيرة ربيحة ذياب:
لا زلت أرى أمامي الدبابات وقوات الجيش والمجنزرات تمر من أمام منزلي
وزارة شؤون المرأة تطمح لبناء أرض متينة وخلق نقاش حضاري حول القانون وأهميته
إذا لم تأخذ المرأة الفلسطينية حقها في القيادة الآن، فلن تأخذ حقها لاحقاً وستعود مرة أخرى من حيث أتت
المرأة الفلسطينية زرعت في ابنائها حب فلسطيني عميق، فعرفوها عن ظهر قلب، حتى بولادتهم في الشتات
عيون سمراء حلمت بمداعبة خيوط الشمس في طفولتها خلف قضبان الحديد التي سيّجت زنزانتها لأول مرة عندما كانت في ربيع الثانية عشر والنصف، فقط لأنها تظاهرت ضد قوات الجيش الإسرائيلي التي عاثت أرض فلسطين فساداً عام الـ 1968.
طفلة فلسطينية رغبت أن يكون النضال جزءً من طفولتها الشاقة، فتاة فلاحة من قرية فلسطينية جانب مدينة رام الله، حلمت بالتحرر، بالفرار لعالم مثالي، حلمت بالغضب والثورة التي ستنفر نارها في قلب من اغتصب كيان أرضها. ابنة الثانية عشر والنصف.. نبض قلبها ليكون الأقرب على حلم العيش كما أطفال العالم، لكن بدايتها لم تمنحها النبأ السار.
ربيحة ذياب وزيرة شؤون المرأة الفلسطينية
أسيرة سابقة وقائدة ميدانية
ولدت مناضلة، بكفة يدها الخشنة غرست الشجاعة وأبت أن يموت داخلها النابض بالحرية، ورفضت التخلي عن أرضها وشعبها وحلمها الأبي. اعتبرت نفسها جذعاً صامداً من جذوع الأشجار الصلبة في أرض والدها، هي ربيحة ذياب وزيرة شؤون المرأة الفلسطينية، والأسيرة السابقة، والقائدة الميدانية للإنتفاضة الأولى في الضفة.. صنعت تجربتها النضالية ضد الوجود الإسرائيلي ما تفخر به كل امرأة فلسطينية رضعت ملحمة تلو أخرى، وأرضعت شهيداً تلو آخر. حاورت كل محطات تجمهر الحجارة التائهة التي تبحث عن بناء سقف ليحمي ابن فلسطين.
إعتقالات
الوزيرة ربيحة ذياب سامرت السجون الإسرائيلية حيث اعتقلت لأول مرة في عام 1968 إثر تظاهرها، واعتقلت مرة أخرى في يوليو عام 1976 حيث حكم عليها بالسجن 3 سنوات، مرة أخرى اعتقلت في 15.08.1981 وحكم عليها بالسجن لمدة 5 سنوات، قضت منهم 4 سنوات، وبعد ذلك عاشت بكل حواسها تفاصيل الإنتفاضة الأولى حيث اعتقلت على خلفية الأحداث 4 مرات وتلك كانت مجرد تحقيقات، وبعدها خضعت للإقامة الجبرية مرتين وكل مرّة كانت مدة 6 شهور. خُتمت هوية المناضلة الوزيرة ربيحة ذياب بـ7 أختام إسرائيلية ومن هنا تبدأ مشقتها حيث لا نهاية.
كبت الحرية
تبادلت الوزيرة ذياب زنزانة كبت الحرية مع زوجها، فكانت العلاقة عكسية تماماً، عند اعتقال المناضلة ربيحة، يتم الإفراج عن زوجها.. وعندما يُعتقل الزوج.. يتم الإفراج عنها، ولم تقف الأحداث عند تبادل الزنزانات، إنما تعرضت المناضلة الفلسطينية آنذاك لتهديداتٍ تسحق الأمومة، حيث قال لها أحد الضباط آنذاك:"سنسلب منك طفلتك لنعطيها للمستوطنين"، وهذا كجزء من الضغط الممارس على المناضلين الفلسطينيين حينها. وتذكر الوزيرة المناضلة انها اعتقلت مرتين خلال حملها، ومرتين خلال إرضاع طفلتها.
فدائية.. ذاكرتها تأبى الموت
لا زالت الدبابات والمجنزرات.. الزيّ الرسمي لقوات الجيش الإسرائيلي جزءً من ذاكرتها التي تأبى النسيان.. فتقول ذياب:"لا زلت أرى أمامي الدبابات وقوات الجيش والمجنزرات تمر من أمام منزلي".
وأعلنت الوزيرة ربيحة ذياب في حينها ان تكون فدائية لأول مرّة، بعد أن قرأت كتابات جميلة ابو حيرد المناضلة الجزائرية التي أفرج عنها بعد ان تدخلت الحركات الإنسانية لتعرقل قرار إعدامها. لم تشبع من تأثرها بها الاّ بعد أن قررت أن تكون فدائية. درست الوزيرة ذياب في الأكاديمية موضوع علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية والذي يحصل طلابه على اللقب في السنة الثالثة، الاّ أن المناضلة الفلسطينية حصلت على اللقب بعد 25 عاماً، كما ودرست التاريخ في العاصمة بيروت.
ولم تكتفِ المناضلة ذياب في النضال الميداني، الا انها استمرت في نضالها الوزاري حيث تم تعيينها وزيرة لشؤون المرأة الفلسطينية في مدينة رام الله، لتقود الوعي النسائي والنضال الفلسطيني الأنثوي من خلال إرادتها الصامدة وحلمها الجارف بإستعادة أحلام الصبا.
المرأة مجتمع كامل التفاصيل
وتقول وزيرة شؤون المرأة الفلسطينية المناضلة ربيحة ذياب عن المرأة الفلسطينية انها المجتمع بأكمله.. فالمرأة درع فتاك لا يقوى عليه سلاح آخر، جدير بالنضال والعناد والمقاومة، عزيمة قوية وصامدة ليست كأي امرأة، للمرأة الفلسطينية دور مهم في استمرارية النضال الفلسطيني والدفاع عن الذاكرة التي تأبى أن تموت.. رغم المنفى والشتات.
المرأة الفلسطينية زرعت في ابنائها حب فلسطيني عميق، فعرفوها عن ظهر قلب، حتى بولادتهم في الشتات.. هذا بفضل المرأة الفلسطينية التي حافظت على منزلها، أبناءها، اسرتها.. حتى لو استشهد زوجها أو غاب... أو اعتقل حتى في ربيع عمرها، فهي الدرع الواقي لكيانها وكيان اسرتها ومنزلها.
تواصل ثقافي وبناء أسري
المرأة الفلسطينية حافظت على التواصل الثقافي والبناء الأسري للعائلة الفلسطينية وللمجتمع الفلسطيني، وهنا تكمن أهمية المرأة الفلسطينية ودورها في المجتمع الفلسطيني، علماً بأنها اقتحمت بجدارتها وذكاءها وارادتها القوية مجالات متعددة في المجتمع الفلسطيني، حيث فرض عليها النضال دوراً أساسياً في بناء المؤسسات، في صنع القرار الفلسطيني، فلم تعد المرأة الفلسطينية عنواناً لتقديم الخدمات، وهذا الانقلاب او التحول الإيجابي وصلت له المرأة خلال الحديث حول انشاء الدولة الفلسطينية.
حق المرأة الفلسطينية
وتضيف معالي الوزيرة الفلسطينية:" إذا لم تأخذ المرأة الفلسطينية حقها في القيادة الآن، فلن تأخذ حقها لاحقاً وستعود مرة أخرى من حيث أتت". وبالتالي حققت الكثيرات من النساء الفلسطينيات هدف القيادة وتحملن المسؤولية، وكنَّ الرائدات والسباقات حتى في تشغيل المناصب السياسية، سن وتشريع القوانين.
تشكيل أطر نسوية
وتحدثنا الوزيرة ربيحة ذياب عن الأطر النسوية:" تنوعت النشاطات النسائية في المجتمع الفلسطيني قبل إنشاء السلطة، إضافة الى النشاطات السياسية النسوية في الأحزاب فمن هنا كان لا بد من تشكيل أطر نسائية تستوعب النشاطات النسائية". كان للأطر النسوية دوراً مهماً خلال الإحتلال، ولها استمرارية إيجابية وقيادية في الإنتفاضة، علماً ان الإنتفاضة طالت الجميع، فكان للمرأة دوراً متوجاً بالفعالية، فأعطت المرأة مجتمعها الفلسطيني بكل ما لديها من طاقة حيث انها أذهلت العالم، ووازنت بالتالي الكفين الإجتماعي والسياسي.. فلم تبخل على الاستشهاد، الاعتقال، التعذيب في سبيل فلسطينها.
المرأة الفلسطينية لم تبع نفسها
وتفتخر الوزيرة كونها فلسطينية وتقول:" كمرأة فلسطينية أفتخر بأنه على مدار مئة عام لا تزال تحافظ المرأة الفلسطينية على نفسها، فلم تبع نفسها في أنحاء العالم لتملأ الفراغ الذي يحيطها، الفلسطينية قادرة على السيطرة على بيئتها بكل حواسها وقواها. قدست حرمة منزلها بعد استشهاد زوجها وحافظت على أسرتها بأسنانها وقلبها! وهذا ما لا نجده عند المرأة في مجتمعات أخرى! هذه الحقيقة يجب ان تلقن تلقيناً لأبنائنا ليفخروا بالمرأة الفلسطينية.
"نؤمن بالشباب"
فنحن بالتالي لا نملك بترولاً ولا تكنولوجيا ولا موارد، الا اننا نملك إرادة، فنحن نؤمن بالشباب الفلسطيني الذي سيمنح مستقبله لأجل شعبه، هم مخزننا الإستراتيجي والذي عليه نبني طموحنا.
وتقول معالي الوزيرة ربيحة ذياب في حديثها لمراسلة موقع العرب وصحيفة كل العرب عن المرأة في شقها الإجتماعي معربةً عن أسفها أننا مجتمع ذكوري وبهذا تكون المرأة قد ظلمت مرتين، المرة الأولى كونها عربية فلسطينية والمرة الثانية كون مجتمعها يتبنى الأفكار الذكورية.
رصد قضايا
وعن دور وزارة شؤون المرأة تحدثنا الوزيرة الفلسطينية بقولها ان الوزارة كعمل ومنهج وإنشاء هي جديدة، وجاءت بعد جهد المؤسسات النسوية ودورها يُحدد في الرقابة والتنفيذ، حيث تدخل المرأة في جميع الميادين. وتضيف:" ترصد الوزارة العديد من القضايا كالقتل على شرف العائلة مثلاً.. وهي قضية شائكة، حيث تم رفع طلب الغاء مادتين متعلقين بالقضية واللتان يحللان القتل، إحداهما في القانون الأردني والأخرى في القانون المصري، وهنا انوه ان السلطة الفلسطينية تعتمد في قوانينها على كوكتيل من القوانين بحكم الفترات والظروف التي مررنا بها، وبعد نقاش طويل حول طلب الإلغاء، فعلاً، تم إلغاء المادتين بعد موافقة المجلس بالإجماع! ووافق بالتالي الرئيس التوقيع على الإلغاء علماً ان هناك جهات معينة تحثه على عدم التوقيع بحجة ان الإلغاء يمنح المرأة حرية تفوق المقياس الطبيعي وتشجعها على الخيانة".
وتؤكد معالي الوزيرة انه وبعد جلساتها مع المستشار القضائي للرئيس الفلسطيني، اتضح انه لم تثبت أي حالات خيانة منذ إلغاء المادتين وهذا مؤشر أخلاقي جيد.
سلطة وطنية فلسطينية غير مكتملة السيادة
وترد معالي الوزيرة على التساؤل حول مسالة الوقت بشأن توقيع طلب إلغاء المادتين من قبل الرئيس، بحيث اننا في عام 2010 ولا زال هنالك تشاورات حول ما إذا سيتم التوقيع على الإلغاء أم لا، فتقول:" أنا لا أرى ان الوضع مأساوي، لأننا سلطة وطنية فلسطينية غير مكتملة السيادة فهي على طريق إنشاء كيانها". وتضيف:" في انجازاتنا من الممكن تحقيق خطوة بجهد جهيد، ونعود عشرة للوراء دون جهد! ونحن كسلطة فلسطينية غير مكتملة السيادة نسعى لتحقيق السيادة، لكن في الوقت ذاته، نزور بلاد الخارج ونفتخر اننا موجودون في هذا التقدم، ونفتخر بما لدينا من إحرازات".
وتتحدث معالي الوزيرة عن النساء الأكاديميات في المناصب القيادية، حيث انهن وصلن لمرحلة حيث تشغل المرأة منصب محافظ رام الله والبيرة على سبيل المثال، ومنصب كهذا لم يكن لمرأة من قبل. هذا عدا عن القاضيات، المحاميات، وغيرهن.. فتلخص حديثها قائلة:" نحن نضع المرأة الصحيحة في الأمكنة الصحيحة".
تبني توعية الرجل والمرأة
وزارة شؤون المرأة تتبنى توعية المرأة والرجل على حد سواء، ليتعادلوا بالتالي في المستوى الثقافي. وتؤكد الوزيرة ذياب ان وتيرة تغيير النمط الثقافي لدى النساء هو من العقبات الجدية التي تواجه الوزارة كحاضن لمشروع التوعية، حيث انه وبمرحلة ما ستقف امرأة ضد قانون يعمل لصالحها وذلك يعود لعدم تثقيفها، وهذه مسؤولية الوزارة، فالوزارة تطمح لبناء أرض متينة وخلق نقاش حضاري حول القانون وأهميته".
تعمل الوزارة مع عدة جهات ووزارات من أجل خلق لغة مشتركة ثقافية وواعية، ومن هذا المنطلق وجود وزيرة تُعنى بشؤون المرأة هو غاية في الأهمية، لأن مجلس الوزراء يناقش تفاصيل قضايا الشعب الفلسطيني والمرأة جزء لا يتجزأ من هذه التفاصيل. كما وأن الوزارة تعمل على رفع نسبة النساء الفلسطينيات العاملات نسبةً لنسبة الأكاديميات في الجامعات، فبالتالي أقول وأؤكد ان المستقبل لنا نحن النساء، فنحن نمر في ثورة علمية غير طبيعية، والإثبات على ذلك ننا نرى اليوم نساء يتعلمن في الجامعات الى جانب بناتهن، أي ان من فاتها قطار التعليم في الماضي، صعدت لقطار يعوضها عما مضى.
المرأة والإعلام
وحول المرأة وتمثيلها في الإعلام تشدد المناضلة الوزيرة ربيحة ذياب:" ان من أهم القضايا التي من الممكن ان نركز عليها هي الأعلام والمرأة، وصورة المرأة في الإعلام، فنرى ان الإعلام كثيراً ما يقف الى جانب المرأة الى انه وفي بعض الأحيان وبطريقة عفوية يطرح قضيتها بصورة خاطئة مما يجعله يقف ضدها بكل المعاني".
وحول تفادي هذه الأخطاء وللحرص على المرأة في الإعلام، تقول:" نقوم بشكل عام بجمع وسائل الإعلام في الوزارات المختلفة، لتقديم الإرشادات والتدريبات، فالمرأة مركز قيادي.. إجتماعي، ثقافي وسياسي ويجب ان تقدم بصورتها النضالية الحقيقية".