الهدف الذي يفكر به اليوم هو كيفية بناء مختبرات في البيوكيميا في البلاد
نعامنة ينصح الشباب بان يعملوا بجهد واجتهاد ومثابرة ويجب ان لا يسمحوا لليأس ان يتسرب الى نفوسهم
د شكري شاب خجول في هدوئه وفي ثورته وفي ابداعه، مثل حي حقيقي صادق في الكفاح والعصامية والانطلاق من الصفر
تم اعتقاله وشبان عرب آخرون من قبل الشرطة الألمانية بتهمة تخريب سيارة، وبدلاً من أن يحزن فقد فرح نعامنه لأن لقمة طعامه والمبيت وتعلم اللغة الألمانية سيتوفر في السجن
الدكتور شكري محمد نعامنة ابن الاربعين ربيعاً من بلدة عرابة البطوف، هذه البلدة العربية الوادعة على سفوح جبال البطوف الشرقية صاحب قصة خيالية بدأت عندما خرج من بلدته فتى يافعاً متزوداً بكثير من الايمان والاصرار وتذكرة طائرة الى المانيا بالرغم انه يحمل في قلبه حب دفين ومتدفق لبلدته ولابنائها، توهج بريق غريب في عينيه وهو يتحدث عنها وعن ذكرياته في ازقتها وحاراتها، ويرق صوته بحنان كبير وهو يستذكر ايام طفولته الاولى فيها حتى تكاد تشعر بتسارع نبضات قلبه
د
شكري نعامنة
شاب عربي طموح وعصامي
فهو شاب خجول في هدوئه وفي ثورته وفي ابداعه، مثل حي حقيقي صادق في الكفاح والعصامية والانطلاق من الصفر ومن تحت الصفر احياناً وصولاً الى اعلى قمم النجاح، بنظافة كف وطهارة عمل وصدق وشرف واخلاص، حتى بات اليوم من ابرز العلماء ورجال الاعمال العرب والاجانب في المانيا، فهو شاب عربي كباقي الشبان الطامحين الذين انهوا دراستهم الثانوية واستشعر ظروف عائلته المادية الصعبة والتي لا تختلف عن باقي العائلات العربية الاخرى التي بالكاد ان تجمع كفاف يومها ، وكيف اذا كانت مكونة من 17 نفراً بينهم 13 اختاً، الأمر الذي ألزمه أن يتوجه للعمل من أجل أن يكفي نفسه بنفسه فكانت وجهته مدينة طبريا تلك المدينة التي كان يرغب طيلة ايام شبابه ان يمتع شبابه في مياه بحيرتها، فلجأ الى صاحب مطعم للعمل لديه فلم تسعفه أي خبرة فإنضم لعدد آخر من الشبان للعمل في مطبخ مطعم السمك كمنظف للصحون وغسلها، واستمر ذلك عدة أشهر وما كان يدغدغ مشاعره الشمس الساطعة التي تخترق جبال الجولان صباحاً وتتلألأ مع موجات البحيرة، وبعد نهاية كل يوم عمل كان يمر من أحد شوارع المدينة متوجهاً لمنزل العمال فكان يقف امام سيارة سبورت تعود ملكيتها لاحد موظفي هيئة الامم المتحدة وكم كانت امنيته أن يقود مثل هذه المركبة وقد افشى سره لصاحب العمل الذي اكد له انه لن يتمكن في حياته ان يركب بمثل هذه السيارة الفارهة ما دام يعمل بجلي الصحون، وهذا الأمر أغاظه وعندها أكد نعامنة له أنه قد أنهى عمله في المطعم وسيسافر للخارج للدراسة الامر الذي لم يرق لمعلمه اليهودي
جلي الصحون مرة اخرى في المانيا
سافر نعامنة سنة 1989 الى المانيا للدراسة الجامعية الا ان الأمر الذي لم يرق لاحد من العائلة حيث توقع الجميع منه البقاء الى جانب شقيقاته الـ 13 واخيه الصغير كونه الأخ الذكر الأكبر بالرغم أنهن يكبرونه فأكد لهم أنه مصمم على وجهته ولا يمكن أن يثنيه أحد عن رغبته تلك ، ومنذ ذلك اليوم بدأت إمتحانات الحياة والتي واجهها بتحدي واصرار ان كان ذلك مادياً او اجتماعياً
وبعد هبوطه من الطائرة بساعات معدوده تم اعتقاله وشبان عرب آخرون من قبل الشرطة الألمانية بتهمة تخريب سيارة، وبدلاً من أن يحزن فقد فرح نعامنه لأن لقمة طعامه والمبيت وتعلم اللغة الألمانية سيتوفر في السجن وتوقع ان مدة السجن ستكون ستة اشهر ويكون عندها قد اتقن اللغة الألمانية بشكل جيد ، ولكن سرعان ما خيبت الشرطة ظنه وبعد اعتقال دام يومين تبين انه ليس المقصود وانهم القوا القبض على الجاني فأطلقوا سراحه ليخرج لمعاركة الحياة بكل جدية وأول ما بحث عنه أضافة لتعليمه الجامعي هو مكان للعمل ، فعمل في جلي الصحون في المطاعم ومن ثم سائقاً لسيارة أجرة
نعامنة يلتحق معهد الابحاث الذرية
درس الدكتور نعامنة موضوع الهندسة الوراثية واستمر بالعمل وقد حصل على الدرجتين الجامعيتين الأولى والثانية في البيوكيميا، وأكمل مشواره بالدراسة لينال الدكتوراة إذ تقدم لمنح دراسية عديدة في موضوع تكنولوجيا الإنزيم وعلم الجينات في معهد "يوليخ" واستطاع الحصول عليها واكمل المشوار في "معهد الأبحاث الذري" وفي العام 2001 نال شهادة الدكتوراة واكمل دراستة لموضوع الإقتصاد في الكيمياء
نعامنة يتفوق على الآلاف ويحصل على الجائزة
وفي سنة 2002 حصل على المركز الثالث بين المبادرين وحصل على جائزة الإبتكار للشركات الناشئة الألمانية بقيمة 25
000 مارك ألماني وكان قد تقدم الى هذه الجائزة 6
800 مبادر وجامعي، وفي سنة 2004 جائزة بمبلغ 40000 يورو على ابتكار لطريقة لفصل الD
N
A وكان يستثمر هذه الجوائز في تكوين الشركة
"شعرت في كل خطوة ان هناك قدرة تدعمني "
ويقول نعامنة :" قررت أن أنشئ شركة خاصة بي في مجال التعليم والدراسة التي درستها واستثمار اختراعي الخاص في الإنزيم وان يكون مصدر رزقي عوضاً عن التوجه للعمل الاكاديمي والتدريس في الجامعات، والمشكلة التي واجهتني هي مصدر الاستثمار في المشروع الا أن حصولي على 25 الف مارك كان مبلغ للبدء فيه بالرغم انه كان بمثابة مجازفة ، وقد واجهني الكثير من الصعوبات وسرعان ما كنت أجد الحلول وأشعر أن الله موفقني وأشعر أن هناك من يشد ازري ويدعمني وهذا كله بفضل الله ومن ثم دعاء الوالدين والأخوات وافتتحت الشركة وبدأت العمل بمساعد لي واحد, وبفضل الله تطورت الشركة الى أن أصبح لدينا اليوم اكثر 25 من خيرة الشباب واغلبهم حاصلي على شهادات الدكتوراة في مجال البيوكيميا وتعد الشركة اليوم من أقوى الشركات الألمانية في مجال الانزيمات المساعدة على صناعة الأدوية"
تسجيل براءة ثلاثة اختراعات
ويضيف نعامنة : "سجلت ثلاث براءات لاختراعات في مجال تكنولوجيا الإنزيم وصاحب شركة "إكس – زايم للبيوتكنولوجيا – X- Zyme – biotechnology " بالكامل في مدينة دوسلدورف الألمانية، وصاحب بنسبة 40% من شركتي multibind ومن مؤسسي شبكة bioriver للبيوتوكنولوجيا وحاصل على جائزة الإبتكار للشركات الناشئة الألمانية من الرئيس الالماني"
اختراعات نعامنة مصدر اعتزاز له ولشعبه
خلال مسيرته العلمية ، سجّل نعامنة عدداً من الانجازات العلمية التي تعتبر أنها تُشكّل إضافته المتواضعة الى عالم العلوم، فهو في الوقت الذي يبدو فيه انسان متواضع فهو يعتبر انجازاته بأنها موضع فخر له شخصي ولشعبه ومجتمعه وللعلم ومؤكداً ذلك بالقول :"أنا أعتز كثيراً بما حققته في بلاد الغربة من اختراعات واكتشافات وبحوث علمية، وضعت أسمي في سجلات الدولة الالمانية والعواصم الغربية
وهذا جزء يسير مما يمكن ان يعوض علي مرارة الغربة وقسوة البعد عن الاهل والوطن وما يواسيني انني قدمت هذه الانجازات خدمة للعلم والانسان راجياً ان يستفيد منها العالم بأسره العربي والاسلامي والدولي مشيراً إلى انه لم يقطع التواصل مع اهله وشعبه الفلسطيني وبلدته مسقط رأسه عرابة البطوف التي يزورها مرتين الى ثلاث بالسنة "
"الخال" لم يتوانى عن مساعدة أحد قصده من الطلاب
ويقدم نعامنة والذي يعرف في مدينة ديسلدورف الالمانية بـ"الخال" العديد من الخدمات الجليلة لابناء الوسط العربي وشعبه الفلسطيني الذين يتعلمون في المدينة حيث يقيم وذلك من خلال احتضانه الطلاب الذين يقصدونه بهدف المساعدة حيث يتبنى المقولة الصينية "إن كان لك صديق لا تهديه السمك بل علمه الصيد" ولذلك فإنه يعمل على كفالتهم امام السلطات الالمانية ويجد لهم أماكن للسكن والعمل ويلبي مساعدة كل من يقصده وكل من يقع في ضائقة ، كما ويتواصل معه العديد من الطلاب العرب عبر الانترنت ، كما وعبر الدكتور شكري نعامنة عن موافقته باستضافة كل طالب عربي في مجال البيوكيميا ليتدرب في إحدى شركاته لفترة تدريب كجزء من ايمانه بالشبان العرب وتشجيعه لدراسة المواضيع التكنولوجية الهندسية الجديدة، ويعتبر أن مشروعه الأهم هو إحراز ما هو جديد للمجتمع الذي منه خرج ونجح وذلك نوع من رد الدين والجميل الذي ينبغي تسديده ، كما وان الهدف الذي يفكر به اليوم هو كيفية بناء مختبرات في البيوكيميا في البلاد وهو مشروع مهم بالنسبة له ويعمل على تحقيقه ويعتبر ان هناك اهمية في بناء دفيئات تكنولوجية وعلمية في مجالات علمية مختلفة وجلب المستثمرين للبلاد وعندها يمكن ان تكون مساهمة طيبة، فمن خلال تجواله في البلاد قد تعرف على عدد من الخبراء الذين لهم باع طويل بالمجال وجهد طيب فقد زار جمعية الجليل وشاهد مختبراتها والتقى بالدكتور صبحي بشير الذي عمل على تأسيس الابحاث في الانزيمات هناك ، وعدد آخر ممن يعملون في مجالات الرياضيات والابحاث، فالجميع يعرف أن الدولة لا تفسح المجال أمام الطلاب العرب بالانتساب والعمل ضمن مراكزها العلمية الهامة الامر الذي يلقي على المنتبهين لبناء مؤسسات تجيب على تلك المجالات وفتح ابواب الشركات للابحاث
مسيرة كفاح وابداع خارج الوطن
ولعله لنا في ابناء شعبنا المغتربين قدوة حسنة وآيات كفاح وابداع نتزود منها بأملٍ يعيننا على الانتظار، هؤلاء المغتربين الذين نهضوا وكافحوا وتعبوا بعيداً عن ارض الوطن فحققوا نجاحاً تنحني له الرؤوس والهامات، نجاحاً كانوا ليحققوه في الوطن ايضاً لو اننا نعيش في وطن بعيد عن العنصرية ومنح الفرص المتساوية للجميع
شركة فريدة من نوعها في العالم
وعن عمل شركته يقول نعامنة :" شركتي تبني وتهندس الإنزيمات وليست هناك أية شركة في العالم العربي وحتى دول العالم تقوم ما تقوم به الشركة فالبراءات الثلاث هي براءات اختراع مسجلة على اسم الشركه واهمها ايجاد الانزيم الذي يدخل في استعمال الادوية والمواد الغذائية، الأمر الذي لم يتوصل اليه أحد من قبل
دعوة للشباب لطرق مجالات الابحاث والعلوم
ويتطرق نعامنة الى قناعات الشباب من أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل داعياً إياهم للإنطلاق نحو قرع جميع المواضيع التي يمكن من خلالها تقديم ما هو مفيد لمجتمعهم ولشعبهم وللانسانية من خلال الابحاث في مجالات الرياضيات والكيمياء والفيزياء والاقتصاد ، وإن المواضيع والمجالات التي أدمن عليها الأجداد والآباء مهمة ولكنها ليست آخر المطاف فإن الطبيب والمحامي والمهندس والمعلم هو امر مهم وحيوي في المجتمع ولكن يجب رفع الستار والانطلاق لعالم ارحب واوسع ، ومقارعة المجالات العلمية والبحث العلمي في كل سبيل
كفى للتقليد وفاءً للآباء والوطن
ينصح الشباب بان يعملوا بجهد واجتهاد ومثابرة ويجب ان لا يسمحوا لليأس ان يتسرب الى نفوسهم وان يعلموا ان النجاح ليس وليد صدفة او ضربة حظ ولا يأتي بين ليلة وضحاها، بل هو نتاج التعب والالتزام والشرف والايمان واحترام الناس ككل ، ويجب البحث عن المواضيع العلمية ومن ثم المشاريع الملائمة، ويجب الابتعاد عن التقليد والتكرار ، وان الهدف من النجاح لا يجب ان يكون تضخيم الثروة لوضع الاموال في البنوك، بل يجب ان يكون للاستثمار في الانسان ولافتتاح المزيد من المصانع والشركات وخلق عشرات فرص العمل الاضافية امام الشباب الطامحين اصحاب الشهادات العليا في مجالات العلوم، وهو جزء من رد الجميل الذي لا نستطيع الوفاء به للوطن الذي تربينا على ثراه وزرع الآباء فينا معاني الوطنية والمحبة
بدأت من الصفر ولكني أحن لعرابة وفيض حنانها
ويضيف:"لا زالت ذكرياتي تدغدغ احلامي ومشاعري وتبعث في نفسي دفئاً غريباً، تركت ذكرياتي واصدقائي واحلامي الهاربة بين الازقة القديمة وما زلت احتفظ بالكثير من الاغراض الخاصة التي احضرتها من عرابة حتى اليوم ولا اتخلى عنها ابداً ولها في نفسي دلالات وذكريات وعلامات في مسيرة شقاء وتعب وكفاح، وانا اروي هذا لاول مرة واعتز كثيراً اني بدأت من الصفر، فاحب في عرابة طيبة قلوب ابنائها وحنانهم، وهنا اخبرك انني عندما ازور عرابة واتجول في شوارعها اشعر بإحساس غريب ومشاعر متدفقة لا اشعر بها في اي مكان آخر رغم انني قد زرت عشرات المدن والبلدان حول العالم، واكثر ما يحزن قلبي هو فراقها لدرجة اني أحاول قدر الإمكان أن أشحن قلبي وعقلي بهذا الفيض من الحنين والشوق والدفأ الذي لا يمكن تعويضه الا بين الاهل والخلان، فمعتاد أن يزور مسقط رأسه بصحبة زوجته الالمانية وابنيه وخلال تواجده يعمل على لم شمل العائلة بجميع أفرادها من شقيقاته وازواجهن واولادهن والاحفاد من خلال تقضية أيام جميلة في منتجعات البلاد ، وبنفس الوقت لا ينسى ان يعرج الى طبريا للوقوف قبالة مطعم السمك حيث كانت الانطلاقة الاولى حيث بدأ الإصرار والتحدي من هناك حيث لم ينسى تلك السيارة التي كان يقف قبالتها وبعد ان أمن الأسس والركيزة المالية الثابتة لشركته وشراء بعض البيوت لتأمين مستقبله ومستقبل عائلته قام بشراء سيارة شبيهة لها كرمز لتحقيق ما طمح اليه رغم ما مر صعوبات ومعيقات