محمود صالح عودة:
من الطبيعي أن يكون موقف المجلس الأعلى للقوات المسلّحة موقفًا مسؤولاً
اطمئنان إسرائيل يعني قلق مصر، وكل تصريح يصدر عن مسؤول مصري يرضى به الإسرائيليون وراءه مفسدة للشعب المصري
خلال مقابلة أجرتها معه قناة "أيي بي سي" الأمريكية حول التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط، صرّح وزير الدفاع الإسرائيلي إهود باراك بأنه لا يخشى على العلاقة بين إسرائيل ومصر.
توافق تصريح الطنطاوي
سبق هذه المقابلة اتصال باراك بالرئيس المؤقت لمصر، المشير محمد حسين الطنطاوي، ذلك بعد أن باءت محاولة نتنياهو للاتصال به بالفشل بحسب عدّة مصادر، إذ كانت المكالمة بين وزير الدفاع الإسرائيلي والرئيس الحالي لمصر قصيرة، وقد أبدى فيها الطنطاوي احترام بلاده لمعاهدة السلام مع إسرائيل وفق مصادر إعلامية.
توافق تصريح الطنطاوي مع ما جاء في البيان رقم 4 للمجلس الأعلى للقوات المسلّحة المصرية، حيث تعهّد فيه الناطق باسم المجلس بالتزام جمهورية مصر العربية بكافة الالتزامات والمعاهدات الإقليمية والدولية، وهو ما شكّل رسالة طمأنة لإسرائيل أكثر منه توضيح موقف النظام من الدول الأخرى، إذ رحّب رئيس الوزراء الإسرائيلي بالتصريح لاحقًا، وأكّد على أهميته البالغة بالنسبة لإسرائيل.
الواجهة السياسية
من الطبيعي أن يكون موقف المجلس الأعلى للقوات المسلّحة موقفًا مسؤولاً، إنما مع الأوضاع الجديدة إزاء الثورة الشعبية في مصر، على موقف المجلس أن يكون إلى جانب الشعب ومطمئنًا له أكثر منه إلى أي جهة أخرى، وليس من حقّه أن يبعث رسائل طمأنة لإسرائيل وأمريكا كونهما رعايا نظام مبارك المخلوع، ذلك لتجنّب تزوير الإرادة الشعبية؛ فقد توضّح في البيان الثالث لحركة شباب 25 يناير - وهي الواجهة السياسية لائتلاف شباب الثورة - الاستياء من موقف المجلس الأعلى للقوات المسلحة، خاصة بخصوص الالتزام بكل المعاهدات الإقليمية والدولية، مع تركيز الحركة في البيان على أن مشكلتها لم تكن مع الرئيس المخلوع في ذاته، إنما خلافها الرئيسي مع النظام الفاسد والعميل لأمريكا وإسرائيل، مؤكدة أن الشرعية للثورة والسلطة للشعب، وأن بيانا المجلس الأعلى الرابع والخامس لم يقتربا من مستوى طموحات الجماهير الثائرة.
فساد وقمع وارهاب
لقد كانت إسرائيل أكبر مستفيدة من نظام المخلوع حسني مبارك، ولم تبالي إسرائيل بفساده وقمعه وإرهابه على المستوى الداخلي، بل صرّح بعض القادة الإسرائيليين عن قيامهم باختراقات سياسية وأمنية واقتصادية وعسكرية في أكثر من موقع بمصر تحت نظام مبارك، وكانت إسرائيل الداعمة الوحيدة لمبارك في بداية ثورة 25 يناير، لا مبالية بما قامت به ميليشيات نظامه من جرائم قتل وإعدام وتعذيب بحق الشعب المصري. أضف إلى ذلك كون نظام مبارك جبهة إسرائيل في العالم العربي، وسندها العربي البارز في مشاريعها الإقليمية، وعونها في الحرب على الفلسطينيين و"المتطرّفين".
اطمئنان إسرائيل يعني قلق مصر
لذا فإن اطمئنان إسرائيل يعني قلق مصر، وكل تصريح يصدر عن مسؤول مصري يرضى به الإسرائيليون وراءه مفسدة للشعب المصري، فالإسرائيلي لن يرضى بحرية الشعوب العربية، لأنه يعتقد بأن الشعوب العربية ليست مؤهلة وجاهزة للحرية، لأن من شأن هذه الحرية أن تأتي بأنظمة تسير بطريق لا يحبه الإسرائيلي ولا يرضى عنه.
الأولى من بعث رسائل تطمئن إسرائيل وأمريكا، هو أن يوضّح المسؤولون في مصر وفي الدول الثائرة أننا أمام نهاية عصر وبداية عصر؛ نهاية عصر الاستبداد والوصاية والتبعية العمياء لأهواء أمريكا وإسرائيل وما ينتج عنها من مفاسد، وبداية عصر إرادة الشعوب الحقيقية، المطالبة بالحقوق والحرّية والعدل، لتصلح ما أفسدته الأنظمة السابقة، ولتقرّر مصيرها بذاتها.