الشيخ حمّاد أبو دعابس:
الجيش والأمن والشرطة تتحول مع مرور الزمن الى أجهزة لحماية النظام المتمثل بشخص الرئيس
الثورة الليبية أماطت اللثام عن رذالة وخساسة العقيد ألقذافي، والذي بدت صورته كأوضح وأضخم مثال للطاغية السيء واللئيم
على إثر سقوط نظام الرئيس التونسي المخلوع بعد أربعة أسابيع من المظاهرات، ثم سقوط مبارك بعد ثلاثة أسابيع، أصبحنا نستبطئ نتائج الثورة الليبية,ونستغرب فداحة ما تحصده من أرواح
كلّ ذلك مع أن الثورة الليبيّة لم تكمل بعد شهرها الأول
وهذا هو التحرك الجدِّي الكبير الأول الذي تواجهه هذه الأنظمة منذ قيامها
رحيل الإستعمار
حريٌّ بنا أن نتذكر أن هذه الأنظمة الآسنة، قائمةٌ على حالها منذ رحيل "الاستعمار" الأجنبي عن البلاد العربية في منتصف القرن الماضي، وهنالك بعض الأسر الحاكمة في وطننا العربي تتوارث الحكم منذ ما يربو على قرنٍ كامل من الزمان بل بعضها جاوز القرنين من الزمن
فهي أنظمة تعودت الركود الذي يؤدي إلى العفن
لم تبادر بتطوير نفسها على القدر الذي يتماشى مع متطلبات العصر وتطوُّراته
ولم تكن للشعب طوال هذه الفترات المؤسسات الحقيقة التي تعبر عن إرادته الحرَّة، والكفيلة بإجراء تغييرات سلسة وتطوير مطَّرد لأدوات النظام
مما نتج عنه ثورات الغضب التي نشهدها تعبيراً عن احتقانات دامت عبر عقود عديدة، وقد تكون قروناً وأزمنة مديدة
صعوبة التغيير
حيال هذه الحقائق كلها ينبغي لنا ألاَّ نستغرب صعوبة التغيير وعظم تكاليفه
فتغيير نظام عمره ستون عاماً في عشرين يومٍ، هو أمر أسرع من كل تصوُّراتنا
وحتى لو صَمَد نظام ألقذافي أربعين يوماً أو يزيد لتغيير الواقع الآسن منذ اثنين وأربعين عاماً فهو نسبياً انجاز عظيم
وإذا طمعنا بتغيير أنظمة متوارثة منذ قرن أو قرنين من الزمان، فينبغي لنا أن نحبس أنفاسنا، ويتسع صبرنا حتى نرى النتائج المرجَّوة ولو طالت شهوراً، وربما سنين
الدولة ملك للنظام، والشعب يتيم على مائدة اللئام
كلما طالت فترة جلوس الحاكم على كرسي السلطة، ازداد تحكُّمه بزمام أمور الدولة، فتصبح الدولة كلها بمقدراتها ومؤسساتها ومرافقها وأرضها وثرواتها وشعبها ملكٌ شخصي له ولحاشيته كما يتصور
فلا يعود هناك فرق بين مُلك عام للدولة وملك خاص للرئيس
ولا فرق بين ميزانية الدولة وميزانية الحاكم
اللهم إلا أن الديون الخارجية على عاتق الدولة، أما المكتسبات فهي للرئيس الذي هو الدولة والدولة هو
الجيش والأمن والشرطة تتحول مع مرور الزمن أجهزة لحماية النظام المتمثل بشخص الرئيس، ومهمتها قمع الشعب إذا تجرأ يوماً ليطلب حقاً، أو يشكو ظلماً
الأنظمة الملكية في بعض البلدان العربية سمَّت الدولة على اسم العائلة الحاكمة، دليل على عقلية ملكية الدولة للعائلة وليس مجرد حكمها
وعليه فإن المالك يعتبر دائماً من يجلس في بيته أو "مزرعته" ضيفاً أو ابناً أو عبداً
ثم " تطوَّر" الحال بالملوك والرؤساء ليروا في الشعب مجرد عبيد ومتسوِّلين يأكلون من خيرات النظام مما يوجب عليهم التسبيح بحمده، والتمجيد والتهليل له صباح مساء
أما إذا تجرأ ليخرج في مظاهرة، فهو ولا شك ناكر للجميل، خائنٌ عميل، يستحق السحب والسحل والسحق، وكل مفردات القمع والتنكيل
ألقذافي نموذج مُضخَّم للطاغية العبيط
الطواغيت بشكل عام لا يرون شعوبهم، ولا يحتكون بهم
فهم يتنقلون بين الجلسات الرسمية مع الحاشية والوزراء والكبراء، أو المؤتمرات الصحفية والاحتفالات التي لا يدخلها إلا المدعوّون الرسميون
ولا يتحرك إلا تحت الحراسة المشدّدة
فلا يرى إلا حراسة أو رفقاءه او مستقبليه من الرسميين والمعروفين بهوياتهم الشخصية أو المفحوصين امنياً
أما مواطنيهم فهم في نظرهم مجرد أرقام وربما أصفار
لا يخطرون على بال الطاغية ولا يشعر بهم، ولا يحسبهم بين أصحاب الحقوق عليه، إلاّ في تصريحاته الجوفاء التي يتعالى فيها عليهم أو يتبجح بحبهم والحرص عليهم
ولقد أماطت الثورة الليبية اللثام عن رذالة وخساسة العقيد ألقذافي، والذي بدت صورته كأوضح وأضخم مثال للطاغية السيء واللئيم
فتصريحاته تؤكد انه لا يرى شعبه كمواطنين لهم حقوق أو بشر من الناس لهم أحاسيس واحتياجات
فقد أكثر من وصفهم بالجرذان والحشرات
ووصفهم بالخونة والمرتزقة والإرهابيين
قتَّل منهم الآلاف وهو يقول لم نطلق النار بعد
يحصد شعبه بالطائرات والمدفعية الثقيلة،ويقول :" أنا كل الشعب الليبي يحبني، ومستعد للتضحية دفاعاً عني "
لا يرى شعب ليبيا إلا بضعة ألاف احتشدوا في الساحة الخضراء، ويقول ها هم الملايين، ويطالبهم بالزحف على أولئك (أي شعبه الموصوفين سابقاً) شبراً شبراً، وبيتاً بيتاً إلى آخر هذرماته
جمع ألقذافي كل التناقضات، واستعمل كل الأكاذيب ونزل إلى أسوأ المستويات من البذاءة والعباطة والهمجية
ولكنه حتماً سيرحل أو يُقتل, ولكن على ما يبدو, فإنّ رحيله أو زواله سيكلِّف تضحيات لا حصر لها وشلالات دم لا تتوقّف,وحريق يأكل الأخضر واليابس
إسرائيل والغرب
نفاقٌ وسباق مصالح
لطالما تغنَّت إسرائيل والدول الغربيّة بديمقراطيتها,ورعايتها لحقوق الإنسان
وصنَّفت دول العالم بناءً على ذلك
بل خاضت الحروب في أطراف المعمورة تحت إدعاء حماية الشعوب من قمع حكّامها,تحت هذه الذريعة دمّروا العراق, وتحتها كذلك حرّضوا مراراً وتكراراً ضدَّ السلطات في إيران, والصين وميانمار وغيرها
ولكن عندما ثارت الشعوب العربيّة ضدَّ الأنظمة الدكتاتوريّة القمعيّة, باتت إسرائيل والغرب يحسبونها بلغة المصالح, وآثروا الدكتاتوريّة العربيّة "الصديقة" على الديمقراطيّة وحريّة الشعوب العربيّة التي قد ينتج منها أنظمة وحكومات لها كرامتها ولا تنجرّ بسهولة وراء سراب الغرب ووعوده العرقوبيّة
أمريكا وأوروبا بالطبع لم يتنبئوا الثورات العربيّة قبل وقوعها, ولم يجهّزوا السيناريوهات المناسبة للتدخل لحماية مصالحهم بما يتناسب مع سرعة الأحداث في العالم العربيّ
ولذلك فإنهم متثاقلون في التحرُّك لإنجاد الشعب الليبي من بطش الطاغية المجرم, مع علمهم أن كل يوم يمضي يحصد معه أرواح المئات أو الآلاف
الأمر الذي يكشف حقيقة الغرب وشعاراته الزائفة
إنه يحسبها بالمصالح والمكاسب, فالغرب كذلك لا يرى الشعوب العربيّة شعوباً ذات قيمةٍ وكرامةٍ, ولها حقوق إنسان, وتستحقّ دفع الظلم والقهر والطغيان عن كواهلها
بل ينظر إلى العرب كأمَّةٍ تمتلك ثروات طبيعيّة, وموقع جغرافي إستراتيجي مهم وخطير لا يستأهلونه
إن ارض العرب بالنسبة للغرب مجرّد مطمع ومكسب
يخوضون الحروب من اجل السيطرة على نفط العرب وثروات بلادهم,ولتأمين مصالحهم
ولكنهم يتلكئون ويتباطئون لنصرة الشعوب العربيّة إذا ما تعرّضت للتنكيل والقمع من قبل الأنظمة الدكتاتوريّة " الصديقة"
ينبغي للغرب أن يغلق سوق الشعارات التي أشبعونا بترديدها
فلا تطيق الآذان السويّة ولا العقول الواعية سماع شعارات حقوق الإنسان والديمقراطية والعالم الحُرّ, التي تسوّقها لنا أمريكا والغرب كل يوم
كفُّوا عنا نفاقكم فقد ظهر المستور وانكشفت سوءات الأنظمة العربيّة والغربيّة على حدٍّ سواء
والله غالب على أمره