ما يحدث للآباء أمر طبيعي يواجهه كل والدين في حالة اليأس وسط عناد الأطفال وأنينهم وانسياقهم وراء تصرفاتهم السلبية
علينا، لكي ينمو أطفالنا أصحاء نفسيّاً، أن نقاوم مشاعر الإنتقام ونحن غاضبون عليهم، لأن هدفنا الرئيسي هو تطوير سلوكهم لا خلق صراع مؤلم بيننا وبينهم سنجد أنفسنا بعده أكثر قلقاً وضيقاً
عندما نغضب على أطفالنا، نثور عليهم، وقد نحقرهم بعباراتنا فنجرح مشاعرهم أو نعاقبهم، لأنّهم يدفعوننا بسوء سلوكهم وعنادهم إلى الشعور بالضعف وعدم القدرة على مواجهة الموقف الناتج عن تصرفهم السلبي. إلا أن علينا، لكي ينمو أطفالنا أصحاء نفسيّاً، أن نقاوم مشاعر الإنتقام ونحن غاضبون عليهم، لأن هدفنا الرئيسي هو تطوير سلوكهم لا خلق صراع مؤلم بيننا وبينهم سنجد أنفسنا بعده أكثر قلقاً وضيقاً. وقد نخاف من مشاعر غضبنا نحو أبنائنا، لأنّها صادرة منّا نحو أعز الناس إلى قلوبنا، بل ونلوم أنفسنا لأننا انسقنا وراء العبارات الجارحة، التي وجهناها إليهم ونظن أن هناك خطأ ما في نفوسنا يجعلنا ننفجر غاضبين هكذا.. لكن الواقع هو أن ما يحدث للآباء أمر طبيعي يواجهه كل والدين في حالة اليأس وسط عناد الأطفال وأنينهم وانسياقهم وراء تصرفاتهم السلبية.
ولا يعلم بمدى ما يعانيه الآباء من أنجب أبناء وأدرك خطورة المسؤولية الملقاة على عاتقه، الأمر الذي يدفعه إلى البحث عن الوسائل السليمة في تربيتهم لكي ينشئوا أصحاء نفسياً.
ترى، ما هي هذه الوسائل البديلة لذلك الغضب السلبي؟
سنستعرض طرق بديلة، مع عرض بعض النماذج العملية التي تساعدنا على تطبيقها مع أطفالنا.
تتلخص في التعبير عن مشاعرنا لأطفالنا وقت الغضب بدلاً من توجيه اللوم إليهم، وتتطلب هذه الطريقة من الآباء أن يستخدموا عبارات قوية ومختصرة فيقول الأب الغاضب لإبنه مثلاً:
* أنا غاضب جدّاً من تصرفك ليلة البارحة عندما جئت متأخراً.
ويستطيع الأب أن يضيف جملاً أخرى عما يتوقعه من ابنه فيقول له:
* كنت أتوقع منك أن تدرك الوقت المناسب للعودة إلى البيت مثلما حددته لك من قبل.
وعندما تذكر مشاعرك وما تتوقعه من ابنك، لا تذكر أي شيء يتعلق بشخصيته مثلما يفعل بعض الآباء، عندما يصرخ على ابنه غاضباً.. "تعال يا دب" أو "لماذا تأخرت يا كلب" أو "أنت حمار لا تفهم".
ولنستعرض مثالاً يوضح لنا مساوئ الأسلوب السلبي، وكيفية معالجة نفس الموقف بالطريقة الإيجابية التي ذكرتها.
صرخت الأُم في وجه ابنتها ليلى:
* انظري إلى الفوضى التي في غرفتك.. إنها أشبه بحظيرة للخنازير.. إنّك تزدادين فوضى وقذارة مع الوقت، لماذا لا تعلقين ملابسك، لن أشتري لك أي ثياب أخرى، إذا كنتِ ستلقينها بإهمال حولك هكذا.
ردت ليلى مدافعة عن نفسها قائلة:
* لماذا لا تنتقدين أخي خالد، إن غرفته أكثر فوضى من غرفتي، أنتِ لئيمة ولا تحبينني.
صفقت الأُم الباب بغضب وهي خارجة من الغرفة.. مهددة ابنتها أنها لن تشتري لها أي ملابس أخرى.
ربما تكون الأُم محقة في غضبها، لكن مواجهتها للموقف بهذه الثورة العارمة لا تعد طريقة إيجابية تساهم في تطوير سلوك ابنتها ليلى مستقبلاً.. فهي أوّلاً هاجمتها قائلة:
* إنّ غرفتك أشبه بحظيرة للخنازير، إنّك تزدادين فوضى وقذارة مع الوقت.
ثمّ هددتها بأن قالت لها: إنّها لن تشتري لها ثياباً أخرى.. وانتقل غضبها إلى ابنتها، فأصبحت هي الأخرى غاضبة، ولم تسمع الرسالة التي كانت أُمّها تريد إيصالها لها وهي تنظيف غرفتها.. ولو اختارت والدة ليلى جملاً عبرت من خلالها عن شعورها إزاء غرفة ابنتها الغير مرتبة.. لكانت طريقتها أكثر إيجابية في تحسين سلوكها، إذ تقول مثلاً:
* أنا متضايقة من ملابسك المنثورة في أنحاء الغرفة.
وحتى لو لم تضمن الأُم تماماً أن ابنتها ستنهض فوراً لتنظف غرفتها، إلا أنّها لن تدافع عن نفسها قائلة:
* لماذا لا تنتقدين أخي خالد.. إن غرفته أكثر فوضى من غرفتي.
وستفكر بعد خروج أُمّها في وضع خطة تمكنها من جعل غرفتها أكثر نظاماً مما يجعلها تتفادى غضب والدتها مرّة أخرى.
إنّنا بذلك الأسلوب نستخدم أكثر طاقتنا الغاضبة بطريقة إيجابية، كما أنّنا من الأفضل أن نبدأ تعليقنا بكلمة "أنا" أو "دمي يفور عندما" بدل أن نستخدم كلمة "أنت".. لأنّه سيصبح وكأنّه هجوم على شخصية الطفل.. وسيكون رد فعله قائماً على إحساسه بأنّه مجروح ومقهور وغير راغب في حل المشكلة.. كما أن من الأحسن إستخدام الجمل القصيرة بدل الطويلة لأنّها أكثر تأثيراً على الطفل.. إذ أنها توحى بالسلطة التي يمثلها الوالدان.