الحاجة ريمة لا تزال تعيش أدق التفاصيل التي تذكرها منذ ولادتها في قرية صفورية حتى ايام النزوح في شهر رمضان عام 1948
في كفرمندا حيث كانت المشاعر تفوق الوصف بلقاء الشقيقتين ريمة ورسمية، على أرضِ فلسطين بعد 64 عامًا
هي قصة نكبة شعب، ذلك الشعب الفلسطيني الذي عانى وما يزال يعاني ويلات التهجير والشتات ويكاد المشهد يتكرر يوماً بعد يوم في كل بلدة من بلداتنا العامرة بأهلها الفلسطينيين الذين صمدوا على أرضهم بالرغم مما حيكت بحقهم من المؤامرات لترحيلهم منذ العام 1948 مثلهم مثل البلدات العربية التي تم تهجير أهلها قسراً بعد أن ارتكبت بحقهم ابشع المحاولات بهدف قلعهم منها وهدم منازلهم.
ولكن السنين لم تحبط من عزيمة الفلسطينيين في الشتات، من حلم العودة واللقاء بالأهل، ففي كفرمندا ولدى عائلة حلومة التي هجرت من بلدة صفورية القريبة من الناصرة، تسكن (أم عادل) ريمة أبو صلاح - حلومة التي لم تر شقيقتها رسمية عبد الحميد منذ 64 عاماً والتي سكنت في احدى مخيمات اللجوء في لبنان وبعدها انتقلت للعيش في المانيا بعد ان تقطعت بها السبل بعد وفاة زوجها قبل (20 عاماً) وبدأت رحلة البحث عن اهلها وشقيقتها بعد ان جاءت المنية لتقطف شقيقيها في لبنان، فبقيت وحيدة الا من أمل يلازمها بأن تعثر على شقيقتها، حيث بدأت تعد الأيام في ألمانيا حتى تستطيع الحصول على الجنسية الألمانية التي ستمكنها من العودة الى مسقط رأسها صفورية وجميع مناطق فلسطين، وهذا ما تحقق مساء اليوم الثلاثاء، عندما اصطف اهالي كفرمندا وافراد عائلة حلومة مرحبين بها بعد أن وطأت رجليها ارض وطنها بعد غياب اكثر من ستة عقود، وعندما وقفت على مدخل منزل عائلة شقيقتها بدأت تقبل كل من تراها أمامها، وفي كل مرة تقبل إحدى النساء يخبرونها بانها ليست شقيقتها وتقبل الأخرى ويقولون لها بانها ليست شقيقتها حتى وصلت الى شقيقتها التي تجهل شكلها الخارجي فحضنتها والبكاء والصمت كانا سيدا الموقف في لحظة لا يمكن لاحد تواجد في المكان ان ينساها، وكل من حولهما قد خذلتهما القوة واجبروا على ذرف الدموع الحارقة التي يشعر بها كل مهجر من ابناء شعبنا الفلسطيني.
أدق التفاصيل ما زالت في ذاكرة الحاجة ريمة
فالحاجة ريمة لا تزال تعيش أدق التفاصيل التي تذكرها منذ ولادتها في قرية صفورية، والتي اجبر اهلها للنزوح عنها في ليلة ظلماء كانت في شهر رمضان الكريم عام 1948، والعائلات في صفورية يفترشون الارض بانتظار صوت الآذان الا انه وبدلاً من أن يسمعوا الآذان سمعوا صوت القنابل التي كسرت السكون وسقط العديد من الشهداء فاجبر اهلها وتحت ضربات القوات الاسرائيلية بان ينزحوا عن بلدهم وكانت وجهتهم لبنان كغالبية العائلات الفلسطينية التي هجرت من بيوتها في الجليل والساحل فالقوات الاسرائيلية وبعد مهاجمة البلدة هددوا اهلها بالقصف وتدمير المنازل فوق رؤوس الاطفال كما حدث مع القرى المجاورة.
وفي كفرمندا حيث كانت المشاعر تفوق الوصف بلقاء الشقيقتين ريمة ورسمية، على أرضِ فلسطين بعد 64 عامًا من الحنين والشوق، وعناق شقيقةٍ وجدت ضالتها التي طالما بحثت عنها، هي نفس العبرات من الشوق والحنين ولكن بعد فارق من الزمن 64 عاماً فكانت من قبل حزناً على الفراق واليوم هي عبرات الفرح بعد غياب طال كثيراً وما استعدوا له.
وعندما سألناها عن الشعور الذي ينتابها في هذه اللحظات ردت رسمية: " انا استنشق رائحة شقيقتي ريمة والتي تكبرني 11 عاماً حيث عادت هي الى فلسطين وانا بقيت في لبنان مع اهلي على امل ان نعود الا ان العودة طالت والكبار قد داهمتهم المنية واحد تلو الآخر فتوفيت الوالدة والوالد ثم الأشقاء وكانوا جميعهم يوصونني ان ارجع الى فلسطين وان اوصل الامانة الى شقيقتي ريمة واليوم الكون لا يسعني من الفرحة بأن منّ الله علي بان ازور فلسطين واشم رائحتها والتقي مع شقيقتي واقبل يديها الشريفتين واتحسس رأسها وانا أدرك الألم الذي شعرت به كل هذه السنوات بلا اب ولا ام ولا اخ ولا اخت يمسح مسحة الرحمة والحنان على رأسها غير انني وجدت من حولها ابناء وبنات اهل بلد طيبون بارك الله فيهم وانا كلي أمل أن يبقيني الليلة على الحياة حتى اكون فجراً هناك حيث مسقط رأسي بلدة صفورية، ملعب الطفولة حيث بقيت احلم كل هذه السنون وانا اضم كل شجرة ونبتة في صفورية ، وكلي ثقة بالله ان يطيل عمري حتى اصلي ركعتين في المسجد الاقصى الشريف مسرى رسول الله الكريم، وأحمد الله ان من علي بهذه النعمة التي محروم منها الملايين من ابناء شعبنا الفلسطيني النازح والمهجر في الشتات".
مقابلة كاملة مع الحاجة رسمية عبد الحميد تتابعونها في عدد يوم الجمعة من صحيفة كل العرب