زياد شليوط في مقاله:
ما ذنب جوليانو مير- خميس حتى يلقى هذا المصير التراجيدي؟
اليوم كثيرون يقسمون بأن يتابعوا طريق جوليانو، رغم الخسارة الفادحة والمأساة الكبيرة والضربة القاصمة
المرحوم صليبا خميس، أحد مؤسسي لجنة الدفاع عن الأراضي وسكرتيرها وأحد قادة "يوم الأرض" الأول البارزين
ذنب جوليانو أنه حمل دمه على كفه منذ مطلع شبابه، منذ أن اختار موقعه وموقفه الى جانب شعبه الفلسطيني المطارد والمظلوم، منذ أن اختار درب الفن والمسرح وقال كلمته بجرأة وقدم دوره باستفزاز
جريمة بشعة.. دنئية.. لئيمة.. جبانة.. يمكن أن نطلق المزيد من الصفات المستنكرة والمستكبرة لجريمة الغدر التي طالت الفنان التقدمي والانساني جوليانو مير- خميس، أمام "مسرح الحرية" الذي أقامه في مخيم جنين، يوم الاثنين الماضي (4/4)، قام بتنفيذها أداة رخيصة من حملة السلاح العبثي ومأجوري الدولار وعديمي الضمير وبالتالي عديمي الحس الانساني، والتي وقف وراءها عقل خبيث مدبر وجسم اجرامي ممول ورغبة انتقامية وحشية.
هل من ذنب؟
ما ذنب جوليانو مير- خميس حتى يلقى هذا المصير التراجيدي؟ خرجت علينا وسائل الاعلام وخرج المحللون وغيرهم بوجهات نظر مختلفة وكل يحلل من وجهة نظره الضيقة. ذنب جوليانو أنه حمل دمه على كفه منذ مطلع شبابه، منذ أن اختار موقعه وموقفه الى جانب شعبه الفلسطيني المطارد والمظلوم، منذ أن اختار درب الفن والمسرح وقال كلمته بجرأة وقدم دوره باستفزاز. ذنبه أنه رافق والدته الراحلة المناضلة آرنا مير- خميس الى مخيم جنين، ورآها وهي تحتضن أطفال المخيم من أيتام وفقراء وأبناء شهداء، عاش تجربتها الانسانية حتى النخاع، فقام باخراج فيلم وثائقي عنها "أولاد آرنا" كشف فيه وحشية الاحتلال باسلوب فني- انساني مقنع دخل عقول وضمائر الغرب. ذنبه أنه كان ابن المناضل العريق المرحوم صليبا خميس، أحد مؤسسي لجنة الدفاع عن الأراضي وسكرتيرها وأحد قادة "يوم الأرض" الأول البارزين. ذنبه أنه اختار الاقامة في جنين بعد الانتفاضة الثانية، ورغب باكمال مسيرة والدته واقامة مسرح "الحرية" االذي جمع فيه أطفال المخيم وخدمهم بامكانياته الضئيلة أضعاف أضعاف ما قدمه الآخرون. ذنبه أنه كسر القواعد والقوالب الجاهزة عن "انسانية" الاحتلال، وغير كثيرا من المفاهيم سواء كانت على هذا الجانب أو على ذاك الجانب.
مير أحرج السلطة الفلسطينية بجرأته
ذنبه أنه تحدى أوامر الاحتلال ودخل الى الأراضي الفلسطينية المغلقة المحاصرة، ووقف الى جانب أبناء شعبه غير مكترث بخطر الاعتقال أو الاغتيال. ذنبه أنه أغضب بعض القوى السلفية، حيث ساهم في تحطيم بعض القوالب والآراء المسبقة داخل المجتمع الفلسطيني في جنين، والخروج عن المسلمات والغيبيات. ذنبه أنه أحرج السلطة الفلسطينية بجرأته التي "خرجت عن حدها"، وفي خطوته هذه يذكرنا بالفنان الفلسطيني الشهيد ناجي العلي. ذنبه أنه كان مستفزا للجميع، ولم ينافق أو يجامل.
قاتل رائد الحلم سيقتل الحلم نفسه
حلم آخر تحاول قوى الشر تحطيمه.. غباؤهم يصور لهم أن قتل رائد الحلم سيقتل الحلم نفسه.. لم يتعلموا من تجارب الشعوب الأخرى.. قتلوا رائد تحرير العبيد في الولايات المتحدة المناضل مارتن لوثر كينغ.. قتلوه بأسلوب مشابه حين وجه لصدره أحد القناصة رصاصة قاتلة وضعت حدا لحياته، وهكذا قتلوا جوليانو، فهل توقف حلم تحرير العبيد؟ أم أن الحلم تحول الى حقيقة لأنه بدل لوثر واحد ظهر "لوثرات" من المناضلين. وقتلوا الفنان الفلسطيني المناضل المستفز ناجي العلي في لندن.. وظنوا أنهم يخرسون القلم الناقد والريشة الفاضحة.. صحيح أنهم قتلوا الرسام لكنهم ما قتلوا الرسومات، بل انتشرت أكثر وازداد تأثيرها بعد اغتيال صاحبها، وازداد المؤمنون بهذا الطريق. مسلسل الاغتيالات طويل، قتلوا غاندي (محرر الهند) وسلفادور الليندي (رئيس تشيلي المنتخب)، وما قتلوا المباديء والمثل والحياة، بل شبه لهم.
من الحطام يخرج الأمل
واليوم كثيرون يقسمون بأن يتابعوا طريق جوليانو، رغم الخسارة الفادحة والمأساة الكبيرة والضربة القاصمة.. لن يقضوا على حلم جوليانو وان تمكنوا من صاحبه.. ربما يتأخر الحلم، ربما يتوقف لوقت ما، ربما تتعثر مسيرته، لكنه لن يتوقف ولن يسقط وإن تحطم، فمن الحطام يخرج الأمل.