خرج أعرابي قد ولاّه الحجّاج بعض النواحي فأقام بها مدةً طويلةً. فلمّا كان في بعض الأيام، وَرَدَ عليه أعرابيٌّ من حَيّه فقدّم له الطّعام وكان إذ ذاك جائعًا، فسأله عن أهله وقال: ما حال ابني عُمَير؟
قال: على ما تحبّ قد ملأ الأرض والحيّ رجالاً ونساءً.
قال: فمَا فَعَلَت أم عُمَير؟
قال: صالحة أيضًا.
قال: فما حال الدّار؟ قال: عامرةً بأهلها. قال: وكلبنا أيقاع؟ قال: قد ملأ الحيّ نباحًا. قال: فما حال جَملي زريق؟ قال: على ما يسرّك.
التفتَ عندها إلى خادمه وقال: إرفع الطّعام. فرفعه ولم يسمع الأعرابي. ثم أقبل عليه يسأله، وقال: يا مبارك النّاصية، أعد عليّ ما ذكرت. قال: سل ما بدا لك. قال: فما حال كلبي أيقاع؟ قال: مات. قال: وما الذي أماته؟ قال: اختنق بعظمةٍ من عظام جَمَلك زريق، فمات. قال: أَوَمات جملي زريق؟ قال: نعم. قال: ما الذي أماته؟ قال: كثرة نقل الماء إلى قبر أم عُمير. قال: أَوَماتت أم عمير؟ قال نعم! قال: وما الذي أماتها؟
قال: كثرة بكائها على عُمير. قال: أَوَمات عُمير؟
قال: نعم. قال: وما الذي أماته؟ قال: سَقَطَت عليه الدّار.
قال: أَوَسقطت الدّار؟
قال: نعم. فقام له بالعصا ضاربًا فولّى هاربًا!