جيفري روبرتسون محامي في مجال حقوق الإنسان:
استخدام القوة القاتلة من أجل تفريق مظاهرة لمرة واحدة، مثل يوم الأحد الدامي (في ايرلندا الشمالية) ليس جريمة دولية
يجب ألا تلجأ الجيوش والشرطة إلى القوة القاتلة إلا في حالة "الضرورة القصوى" خلال الدفاع عن أنفسهم أو غيرهم في حالة التهديد بالموت
الهجوم الوحشي المستمر على حركة احتجاجية يرقى إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية وذلك وفقا للمادة السابعة من معاهدة محكمة الجنايات الدولية
فرض الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع، بعد الولايات المتحدة، عقوبات ضعيفة –حظر سفر، تجميد أموال وما شابه- على حفنة من رجال الرئيس السوري بشار الأسد، ولكن ليس على الأسد نفسه
نشرت صحيفة "ذي اندبندنت" البريطانية يوم امس الجمعة مقالا للقاضي البريطاني السابق لدى الامم المتحدة المحامي في مجال حقوق الإنسان جيفري روبرتسون يدعو فيه الى جلب الرئيس السوري بشار الاسد امام العدالة الدولية بسبب مسؤوليته عن اعمال قتل المواطنين المتظاهرين سلمياً في بلاده حالياً ومنذ اكثر من شهر. وهنا نص المقال: "فرض الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع، بعد الولايات المتحدة، عقوبات ضعيفة –حظر سفر، تجميد أموال وما شابه- على حفنة من رجال الرئيس السوري بشار الأسد، ولكن ليس على الأسد نفسه. لن يساهم ذلك في تغيير سياسة نظامه بقتل المتظاهرين السلميين. كما فرضوا حظرا على الأسلحة، وهو ما ليس من شأنه سوى منع المتظاهرين من الدفاع عن أنفسهم".
بشار الاسد
وجاء في المقال ايضا: "استخدام القوة القاتلة من أجل تفريق مظاهرة لمرة واحدة، مثل يوم الأحد الدامي (في ايرلندا الشمالية) ليس جريمة دولية. لكن شهرا كاملا من الأيام الدامية، كما حدث في سوريا وتسبب بمقتل أكثر من 800 شخص حتى الآن- هو أمر مختلف. فذلك يعتبر جريمة ضد الإنسانية، وحان الوقت الآن ليقوم مجلس الأمن بإحالة الرئيس الأسد وأعضاء معينين في عائلته على محكمة الجنايات الدولية.
الثورة ضد النظام السوري ليست مؤهلة للحمايات الدولية بموجب قانون الحرب: فهي لا تعتبر نزاعا دوليا مسلحا (رغم ما يقال عن أن إيران كان تعلمهم كيف يقمعون الحركات الاحتجاجية)، ولم تبلغ بعد الحد الذي يمكن عنده أن تعتبر حربا أهلية. تصرفات الحكومة لا تتطلب القيام بواجب التدخل لوقف الإبادة العرقية، كما ادعت جماعة الإخوان المسلمين السورية، لأنها موجهة ضد المعارضين السياسيين، وليس إبادة الأعداء على أساس العرق أو الأقلية. لكن الهجوم الوحشي المستمر على حركة احتجاجية يرقى إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية، وفقا للمادة السابعة من معاهدة محكمة الجنايات الدولية، إذا وقعت تصرفات عديدة من القتل أو الاضطهاد، وفقا لسياسة الدولة "كجزء من هجمات واسعة أو منظمة ضد أي سكان مدنيين". القرار المتعمد باستخدام الدبابات، والأسلحة الرشاشة والقناصين ضد حشود غير مسلحة بشكل متكرر خلال سبعة أسابيع، يعد دليلا واضحا على ارتكاب هذه الجريمة بالتحديد".
التحدي الديموقراطي
واضاف المقال ايضا: "الرئيس بشار الأسد يتحمل المسؤولية المباشرة عن هذا القتل، واستثناؤه من العقوبات أمر سخيف. لا فائدة الآن من أن يدعي (وزير الخارجية البريطاني) ويليام هيغ بأنه إصلاحي في مواجهة متشددين. كما أنه ليس "طبيب العيون الاعمى" (وظيفته السابقة) الذي جرته الأحداث. لقد قرر وقف المظاهرات من خلال القوة القاتلة من أجل حماية سلطة أسرته وثروتها من التحدي الديموقراطي. شقيقه الأصغر ماهر، الذي يقود الفرقة الرابعة الميكانيكية من الجيش التي ارتكبت الجرائم في درعا، هو مسؤول رئيسي آخر إضافة إلى أقارب يديرون شرطته السرية (المخابرات) وغيرهم من الأقلية العلوية ضمن الدائرة المقربة منه. حتى زوجته العطرة، خريجة كلية "كوينز كوليج" (هارلي ستريت) الأنيقة أسماء الأسد، تستحق التحقيق معها لأنها جزء من تلك الدائرة. كان الصحافيون السذج في المجلات النسائية يشيدون باعمالها الخيرية وتعاطفها، لكنها تبقى في سوريا، تمنح المساعدة والراحة لزوجها. (في القانون الجنائي الدولي، زوجة قيصر ليست فوق الشبهات)".
حالة التهديد بالموت
وذكر روبيرتسون في مقاله ايضا: "قوانين وقواعد استخدام القوة والأسلحة النارية أثناء اعتقال مدنيين تمت تسويتها من قبل الأمم المتحدة عام 1990: يجب ألا تلجأ الجيوش والشرطة إلى القوة القاتلة إلا في حالة "الضرورة القصوى" خلال الدفاع عن أنفسهم أو غيرهم في حالة التهديد بالموت أو الإصابة الخطيرة. وعليهم واجب العمل لتجهيز أنفسهم بأسلحة غير قاتلة مثل المدافع المياه واستخدامها أولا. وعليهم الحفاظ على الحياة الإنسانية واحترامها – على سبيل المثال من خلال توفير العلاج الطبي الفوري للمصابين ومعاقبة المسؤولين عن القتل التعسفي. تقول قواعد الأمم المتحدة أن "الاضطرابات السياسية الداخلية لا يمكن ان تستخدم لتبرير أي مخالفة لهذه القواعد الأساسية، التي تنطبق في حالة تفريق التجمعات غير القانونية وغير العنيفة". وحتى في حالة المظاهرات العنيفة، يمكن استخدام القوة القاتلة فقط "حين يتعذر تماما تجنبها من أجل حماية الأرواح".
وقد ترافق هذا الخرق الواضح لتلك المبادىء الاساسية من جانب السلطات السورية مع اشكال جديدة من السلوك الشرير تتتطلب التنديد الدولي. وكما في البحرين، فان اعتقال الاطباء والممرضات والممرضين لادائهم واجبات ابوقراط بمعالجتهم للجرحى امر يستحق الشجب بصورة خاصة. وينطبق الامر نفسه على تكتيك ترك جثث القتلى في الشوارع كي يثني منظرها ورائحتها عزيمة الآخرين. كذلك ينبغي شجب اطلاق النار على او اعتقال مدنيين لالتقاطهم صوراً لوحشية الجيش بهواتفهم الجوالة او كاميرات اليد- على امل تقديم دليل، من دون شك، الى محكمة دولية. وقد اعتقل حتى الآن نحو سبعة آلاف مواطن واودعوا السجون التي يزعم ان التعذيب فيها امر روتيني.
وفرض نظام الحكم حظراً على دخول كل وسائل الاعلام الاجنبية الى البلاد – وهو تكتيك استخدمته في الآونة الاخيرة الحكومة السري لانكية لضمان عدم وجود شهود عيان محايدين على مذبحتها ضد التاميل. وسمح للصليب الاحمر بالوصول بصورة محدودة، مثلما هو الحال في سوريا، ولكن فقط لتعهده الاكيد بابقاء كل ما يلاحظه سراً مكتوماً – ما يثير تساؤلاً خطيراً بشأن قيمته في حماية المدنيين والسجناء".
الجرائم ضد الانسانية
وجاء في المقال ايضا: "وفي ظل هذه الظروف ونتيجة مواصلة الجرائم ضد الانسانية، فان من واجب مجلس الامن ان يحيل الوضع في سوريا على مدعي محكمة الجنايات الدولية مثلما فعل بالنسبة الى دارفور، واخيراً بالنسبة الى ليبيا بمقتضى القرار رقم 1970. اذ ليس للعقوبات تأثير يذكر، كما ان مجلس حقوق الانسان الدولي (الذي يضم اعضاء من كوريا الشمالية وايران وكوبا وباكستان اضافة الى روسيا والصين) رفض طلبا من المفوضية العامة لحقوق الانسان لاجراء تحقيق دولي على نطاق شامل. وبدلا من ذلك فانه سيرسل لجنة "تقصي الحقائق" وليس اكثر من ذلك، لان الواقعية السياسية تفترض ان الاسد، الطاغي السوري، هو أكثر امنا حيث هو من التطورات غير المتوقعة التي قد تنشأ في حال الاطاحة. ومن غير المحتمل ان يجد "الباحثون عن الحقائق" (الذين لن يكون من بينهم محققون او مدعون مهنيون) الكثير ممن يجرأون على ابلاغهم بالحقائق خشية ان ينضموا الى ثمانمائة قتيل وسبعة الاف سجين.
انه رد الارادة الواهنة التي تنتهك "مسؤوليات الامم المتحدة لحماية" الميثاق. فلا احد يطالب "بارسال قوات برية" الى دمشق. وفي المرحلة الحالية، تعني الاحالة على محكمة الجنايات الدولية الحصول على ادلة من محققين مهنيين، الذين يمكن ان تؤدي اعمالهم الى قيام مدعي المحكمة بالحصول على الموافقة لتوجيه الاتهام الى الاسد وقادة قواته.
ان قيام المحكمة الدولية بالتحقيق سيضغط على النظام لاستبدال سياسة "اطلاق النار بقصد القتل"، وفي حال اقرار القضاء للاتهام فانه سيفتح الباب امام سابقة مهمة تجاه حق الاحتجاج السلمي، الذي يواجه المخاطر حاليا في اليمن والبحرين واماكن اخرى. وقد لا يقف الاسد في قفص الاتهام في لا هاي في وقت قريب، ولكن اذا صدر الاتهام ضده فقد يتردد الى اضافة المزيد الى رصيده. فهناك امكانية ان تردع احتمالات العدالة الطاغية الدموي اكثر من حظر السفر على بضعة من اقرانه".