بقلم : الأسير الأمني ، أحمد أبو جابر :
ندرك حجم معاناتكم وتضحياتكم الجسام التي قدمتموها وما زلتم كوالدين حنونين ورفيقين لابن بار قد أختار طريق العزة والكرامة
تستحضرني إحدى المحطات الفكرية والقيادية التي سجل فيها كريم أرقى معاني وسمات المناضل القائد والمفكر الذي يتحلى بالجرأة والصدق مع الذات ومع الآخرين وهذه من خصال الرجال العصاميين
همسُ جمرٍ من جذوة غضا...شتان ما بين راعي التَيْمَه (الشاه) وراعي التيما (الفكرة ) ....فالأول يعلفها كي يضحي بها ويقتات بحليبها وبلحمها وبدمها . أما الثاني فيغذيها ويضحى من أجلها بلحمه وبدمه لكي تعيش وتبقى .
لذلك نجد أن مُلاّك التِيَمْ كثر أما أصحاب التيمات فهم قلائل ، إن لم يكونوا معدودين على الأصابع . وهم أولئك الحاضرين دوما في الذاكره الوطنية ومتواجدين دوما في خضم الفعل النضالي .
أرقى معاني وسمات
لكن للأسف جزء منهم غائب ، أو بالأحرى مغيب في غياهب السجون .
وأحد هؤلاء الرجال هو الأسير والمناضل والقائد كريم يونس ، ابن قرية عاره في المثلث الشمالي ، الذي مضى على اعتقاله قرابة ثلاثة عقود ، وهو من أوائل الأسرى القدامى وعميد أسرى الداخل من أراضي ال- 48 .
إن اسم كريم لا يتردد فقط كاسم لشخص أو أسير أو فقط مناضل ، بل أيضا كاسم لفكر ولطرح ولموقف قد ترسخ في أذهان كل الذين عرفوا كريم واحتكوا به بالتجربة في ساحات الفعل الوطني والإعتقالي والمعايشة اليومية .
وفي هذا السياق تستحضرني إحدى المحطات الفكرية والقيادية التي سجل فيها كريم أرقى معاني وسمات المناضل القائد والمفكر الذي يتحلى بالجرأة والصدق مع الذات ومع الآخرين وهذه من خصال الرجال العصاميين .
تمثلت تلك المحطة التاريخية بالرأي والتحليل للواقع الفلسطيني والإقليمي والدولي في حينه عندما طرح كريم بأنه : لن يطول الزمان حتى تعترف منظمة التحرير الفلسطينية بدولة إسرائيل ، إن لم تخني الذاكرة كان ذلك عام 1987 وذلك قبل اندلاع الإنتفاضه الأولى .لكن كان هذا الإستقراء للواقع مخالفا لكل التوقعات في حينه ، وقد جر على كريم اللوم والانتقاد الشديد آنذاك من قبل أخوة القيد ورفاق الدرب . وقد كان في نظر البعض محدث قد حاد عن جادة الخط السياسي الرسمي لحركة فتح و م.ت.ف .
أحضان الأمهات الصابرات
ومع ذلك قد أخطأ الذين انتقدوه ... وصدق كريم ... فأعترف له الجميع بذلك فيما بعد ، عندما جاءت اتفاقيات أوسلو عام 1993 وحملت في طياتها الاعتراف المتبادل ما بين م.ت.ف. .
كنا معا يا كريم ، وكنت من أوائل الأسرى المؤيدين والداعمين لمسيرة السلام ، ليس لمجرد التأييد والدعم ، بل لمجرد تحقق رؤية سياسيه واقعيه طالما ناضلنا وحلمنا بها ، وهي قيام كيان فلسطيني مستقل على أي بقعة تحرر من أرض فلسطين .
لكن هذا الحلم وأده الطرف الأخر بتعنته ورفض السلام المنشود ودفع استحقاق هذا السلام ... هكذا بقوة الحدس المستند لمعطيات الواقع كان كريم صاحب النظرة الثاقبة والفكر البراغماتي ، فأثار حفيظة كل المبتدئين ومتحجري الفكر من المثاليين الحالمين .
اليوم ، وبمناسبة وصول كريم عامه التاسع والعشرين في الأسر ، في هذه المناسبة المرة والقاسية والتي تجسد تضحيات ومعاناة الإنسان والمناضل كريم ، وتضحيات ومعاناة والديه وكل أسرته وذلك بعد ما تم نسيانه أو التخلي عنه وعن رفاق دربه من الأسرى القدامى الذين يبلغ عددهم ثلاثة مائة وأربعون أسيرا ممن اعتقلوا قبل اتفاقية أسلو . في هذه المناسبة أتوجه لهذا المناضل باسمي وباسم والديه وأسرته وباسم كل الشرفاء من رفاق دربه وأقول :أيها الأخ الحبيب والصديق العزيز ، أيها الإنسان تحيه وألف تحية لك أيها الصامد ، أيها القابض على الحجر رغم الجرح النازف ، رغم الألم والأسى والحزن ، رغم مشوار العذاب والمعاناة الطويلة .
السنين المريرة
في كل عام هناك عيدان ، ونحن عيدنا يوم عَوْدَتُنَا إلى أحضان الأمهات الصابرات والأعزاء على القلوب ، إلى روابي وربوع الوطن الذي إنجبلنا بترابه وارتشفنا من سلسبيل ينابيعه روح العطاء ، واشتعلت فينا من جذوته شعلة الفداء .
في هذا الصدد أتوجه أيضا إلى الوالدة الغالية أم كريم والوالد العزيز أبو كريم وكل أسرته وأقول :لقد أنجبتم طفلا ليكون لكم ابنا ، وفي نفس الوقت أنجبتم ابنا لهذا الوطن ليكون رمزا من رموزه ورفيق درب لنا ، وأخا شاءت الأقدار والدرب الواحد أن نلتقي به ونتعرف إليه بين جدران السجون الظالمة فعرفنا من هو المناضل كريم يونس .
ندرك حجم معاناتكم وتضحياتكم الجسام التي قدمتموها وما زلتم كوالدين حنونين ورفيقين لابن بار قد أختار طريق العزة والكرامة . فبرغم المشقة والعناء اللذين كانا من نصيبكما على مدار ثمان وعشرين عاما بالتراكض خلف كريم من سجن لآخر ، من نفحه في الجنوب حتى سجن شطه وجلبوع في الشمال ، رغم الأسى والحزن وما تعانونه في ظل غيابه طيلة هذه السنين المريرة ، رغم كل ذلك فإن كريم يستحق كل هذا ، ليس فقط لكونه ابنكم ، بل لأنه أيضا الإنسان الذي يعطي ولا يأخذ ، يقدم ولا ينتظر حتى كلمة شكر .
كل هذا بالإضافة إلى أغلى سنين عمره التي أفناها في الأسر من أجل مبدأ هدف وهوية . فمن أنجب هذا المناضل الأغر ، يستحق أن يرفع رأسه شامخا وصوته عاليا ويقول : هذا ابننا ابن فلسطين ، نعتز ونفتخر به .. وأنتم أيها الوالدان أكثر المستحقين بكل فخر واعتزاز ، لأنكم أولا والدا كريم ، وثانيا والدا كل أخوة ورفاق درب كريم .
وفوق كل هذا الأمل ، الأمل الذي لم ينقطع يوما باحتضان كريم وعساه قريبا إنشاء الله . إليكم وإلى كريم وكل الأحرار و الشرفاء أقدم هذه ألقصيده .
كريم ، يا كريم الطبع ....
قم يا أخي ،
وأنفض عنك وعنا غبار المستحيلْ
ما ثنت عزائمَنا
أغلالُ القيد ولا سلاسل التنكيلْ
قم يا رفيقي
حان الموعد بعد الغياب الطويلْ
خذ بيدي يدَك
نقتفي أثر الجراح هو الدليلْ
يوم سقطت الشعارات
وتشتت الشعب في نكبة الترحيلْ
انتفض طائر العنقاء
من رماد النكسة والوطن الذليلْ
أعلت سواعدُ الأحرار
بيارقَ عزةٍ فأتبعنا السبيلْ
سِرنا على نهج الكفاح
على نهج الأوائل الياسرِ والخليلْ
كريم يا كريم الطبع
الصبر مروءة من شيم الأصيلْ
من اثر شهامه الأحرار
وأختار سبل الهدف النبيلْ
لا بد أن يكون نبراسا
ومنارةً لكل جيل وجيلْ
لا بد للقيد أن ينكسر
ولا بد أن تنجلي حلكة الليل الكليلْ
الأسير الأمني أحمد أبو جابر / كفر قاسم
سجن جلبوع
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر.
لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co.il