تراجع ملحوظ في نسبة الشباب البدو الذين ينخرطون في صفوف الجيش وخاصة بعد أحداث أكتوبر 2000
السياسة التي تتبعها الدولة تجاه بدو النقب من مصادرات الأراضي وهدم المنازل والتوطين بالقوة هزت كيانهم الاجتماعي والاقتصادي
الكثير من أبناء البدو يقطعون مسافات طويلة يومياً من أجل الوصول إلى المدارس وقد تحول مسارهم اليومي للمدرسة لمشقة ومعاناة يتحملون خلالها حر الصيف الشديد وقسوة الشتاء الصحراوي
تراوح عدد سكان البدو في النقب عشية قيام دولة إسرائيل عام 1948 بين 70 حتى 90 ألف نسمة، ومع نهاية الحرب وإعلان الهدنة بين طرفي القتال ونكبة الجيوش العربية انقلبت الآية رأساً على عقب حيث تحول السكان العرب في غضون فترة قصيرة من أكثرية إلى أقلية ومن حكام إلى محكومين يعيشون تحت نظام الحكم العسكري الذي فرضته عليهم الدولة حديثة العهد.
سياسة الدولة
لقد كان البدو في النقب من أكثر الشرائح تضرراً جراء نكبة عام 48 حيث تقلص عددهم إلى 11 ألف نسمة وتم مصادرة مساحات واسعة من أراضيهم التي سكنوها منذ فترات بعيدة والتي بغالبيتها أراضي مراعي تعتبر مصدر أساس في معيشة العائلات البدوية في النقب. وفي ظل هذه الضغوطات التي تعرض ويتعرض لها البدو في النقب قررت بعض العائلات البدوية ترك النقب بهدف تحسين معيشتهم فهاجروا وسكنوا في المدن المختلطة مثل اللد، الرملة وحيفا.
إن السياسة التي تتبعها الدولة تجاه بدو النقب من مصادرات الأراضي وهدم المنازل والتوطين بالقوة هزت كيانهم الاجتماعي والاقتصادي، فنرى أن البطالة في النقب من أعلى النسب حيث تصل إلى 20%.
التربية والتعليم
لكن إذا تحدثنا عن التربية والتعليم نرى أن الدولة بدأت تطبق قانون التعليم الإلزامي والذي يسري أيضاً على أهل النقب ألا أن بين سن القانون ومدى تنفيذه هناك فرقاً شاسعاً، حيث أن الكثير من القرى البدوية في النقب مصنفة كمجمعات غير قانونية أي قرى غير معترف بها، ولذلك تمتنع الدولة والمؤسسات الحكومية عن تقديم الخدمات لها.
طريق المدرسة... مشقة ومعاناة
الكثير من أبناء البدو يقطعون مسافات طويلة يومياً من أجل الوصول إلى المدارس وقد تحول مسارهم اليومي للمدرسة لمشقة ومعاناة يتحملون خلالها حر الصيف الشديد وقسوة الشتاء الصحراوي لذلك نرى أن نسبة المتسربين من مقاعد الدراسة في جيل مبكرة عالية جداً، فضلاً عن ذلك، نرى أن في القرن الـ21 لا زالت دولة إسرائيل تستخدم غرف الصفيح كغرف دراسية لأبناء البدو في النقب، فهذا التمييز جعل من مستوى التعليم عند البدو من أكثر المستويات أن لم يكن الأكثر انخفاضاً في المجتمع العربي والدولة على حد سواء.
التحولات والتغييرات
من الجدير ذكره أن التغيرات التي طرأت على المجتمع البدوي في النقب طالت كافة مجالات الحياة، ولعل التغييرات التربوية والثقافية هي إحدى أهم وأبرز المجالات التي تأثرت بهذه التغييرات وذلك كون المجتمع البدوي بشكل عام يفتخر ويعتز بثقافته، عاداته وتقاليده ويحافظ عليها فتنتقل من جيل لآخر كالجينات الوراثية، إلا أن التحولات التي طرأت على المجتمعات طالت المجتمعات التقليدية أيضاً ومن بينها المجتمع البدوي. فإذا تطرقنا إلى التحولات التي طرأت على العائلات البدوية التي تركت الحياة في البادية وانتقلت للعيش في أطراف المدن الساحلية، فعملية الانتقال هذه هي ليست تغيير الموقع الجغرافي فحسب بل أنه سيجر خلفه تغييرات جذرية في العادات والتقاليد والمفاهيم الاجتماعية وخاصة لدى الأجيال الناشئة.
ورغم ذلك، فمن الصعب تحديد إيجابية أو سلبية التغييرات التي طرأت على المجتمع البدوي، فمن ناحية نرى أن نسبة الأكاديميين والتعليم بشكل عام في تزايد مستمر لكن في المقابل نرى أن هنالك بعض العادات والتقاليد لا زالت منتشرة مثل زواج الأقارب (أبناء العم) والزواج المبكر وخاصة لدى الفتيات (قاصرات في بعض الأحيان) وتعدد الزوجات وغيرها.
صراع الأجيال
إن التغيير الذي طرأ على المجتمع البدوي هو تغيير له عدة أوجه فمثلاً العائلات البدوية التي اختارت أن تسكن في المجمعات والقرى البدوية المعترف بها من قبل المؤسسات الحكومية نراها قد تأثرت أكثر من العائلات التي اختارت أن تعيش حياة البادية والمتعارف عليها والمتوارثة عبر أجيال كثيرة ومن بين المجالات التي طرأت على المجتمع البدوي نرى أنه كباقي المجتمعات الأخرى هنالك صراع أجيال بل أن صراع الأجيال داخل المجتمع البدوي هو صراع أكثر سخونة واضطراباً كونه مجتمع يُعظم ويُبجل كبير السن ويوليه مكانة اجتماعية مرموقة ألاّ أن عصر العولمة قد ترك أثراً عند الجيل الصاعد الذي انكشف للعالم الخارجي وتغذى بأفكار يعتبرها كبار السن عادات وتقاليد دخيلة على مجتمعهم، وفي الغالب لا تتماشى مع الأفكار والتقاليد التي يؤمن بها كبار السن، وهذا ما يؤدي إلى احتكاك بين الطرفين أو ما نسميه بصراع الأجيال الذي ينبع من عدم تناسق الأفكار بين كبار السن والأجيال الشابة التي لا تكترث بالمعايير الاجتماعية التي يحددها لهم كبار السن والتي توارثاها عن آبائهم وأجدادهم من قبلهم.
البدو والانخراط في الجيش
اختار البدو الانخراط في صفوف الجيش الإسرائيلي رغم أنهم غير ملزمين بالتجنيد وذلك منذ قيام الدولة في عام 1948، وقد اقتصرت خدمتهم ضمن وحدات قصاصي الأثر.
إلا أنه قد حدث تراجعاً ملحوظاً في نسبة الشباب البدو الذين ينخرطون في صفوف الجيش وخاصة بعد أحداث أكتوبر 2000 حيث تعاطفت العائلات البدوية مع الشارع العربي في دولة إسرائيل وعلى الساحة الفلسطينية في حدود السلطة الوطنية الفلسطينية.
بالإضافة إلى ذلك فإن البدو المجندين منهم والمسرحين قد أصابتهم خيبة أمل من سياسة الدولة تجاه البدو، إذ أن الجندي البدوي أصبح يشعر أن الدولة تنظر إليه على أنه مواطن من الدرجة الثالثة وذلك على الرغم من تأديته واجباته تجاه الدولة فأخذ خط العودة عن الخدمة العسكرية. كما أنه لا يمكن غض النظر عن تعاظم نفوذ الحركة الإسلامية وتكثيف جهودها داخل المجتمع البدوي وخاصة عند بدو النقب حيث استغلت الحركة الإسلامية العلاقة المتوترة بين البدو والدولة خاصة في كل ما يتعلق في سياسة مصادرة الأراضي وهدم المنازل وغيرها.