الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 13 / نوفمبر 01:02

المحامي جريس بولس:تصديرُ الديموقراطيّة والمسألة السوريّة

كل العرب
نُشر: 24/07/11 08:15,  حُتلن: 14:33

جريس بولس في مقاله:

لبنان يفتقر الى بعض المقوِّمات الأساسية للديموقراطيّة من مثل التمثيل النيابي الصحيح ووجود آليات فاعلة للمساءلة والمحاسبة

يجب ان نقف في هذه اللحظة التاريخية الهامة مع القوميّة والمقاومة والممانعة من دون التنازل عن المطالبة باستمرار الاصلاح الحقيقي

ديموقراطيات العالم يمكن أنْ تساعد على تنمية الديموقراطيّة في عالمنا العربي بتجسيد المثل الصالح، بالحرص على أداء دور القدوة الحسنة

الإدارة الأميركية تتجاهل هزال التجربة الديموقراطية أو انعدامِها في أقطار عربية معروفة بتحالفها معها أو ولائها لها كما في اقطار تستغل الدولة العظمى خيراتها

عندما لا تكون الدولة العظمى راضية عن بلد من بلدان العالم، فإنها ترميه بانتهاك حقوق الانسان وغياب الممارسة الديموقراطية وانحباس الحريات فيه، مثل سوريا

الحديث عن دور خارجيّ في إقامة الديموقراطيّة في العالم العربي يستثير جملة تساؤلات، منها كيف يكون التدخّل؟ وهل يكون بوسائل سلميَّة مشروعة؟ وهل يكون التدخل مجرَّداً من أي غرض أو مأرب لدى صاحبه؟ أم ان التدخل يهدف في نهاية التحليل الى إلحاق البلد المستهدف بدائرة نفوذ أو سيطرة القوة المتدخّلة؟ ثم في الأساس، هل الديموقراطيّة مادة للتصدير والاستيراد حتى يكون للحديث عن دور خارجي في إشاعة الديموقراطيّة معنى؟

تنمية الديموقراطيّة
يمكن لديموقراطيات العالم أنْ تساعد على تنمية الديموقراطيّة في عالمنا العربي بتجسيد المثل الصالح، بالحرص على أداء دور القدوة الحسنة. فهي بذلك تشد الشعوب العربية الى الاقتداء بها وتلقّن الدروس من تجاربها. وذلك لن يكون بالامر المتعذَّر مع تطور وسائل المعلومات والاتصال والمواصلات والنقل في العصر الحديث. إلا أن ديموقراطيات العالم الاكثر تقدّماً لم تكن يوماً المثل الصالح أو القدوة الحسنة خارج أراضيها. هذه الحقيقة من شأنِها الحد من احتمال ان تغدوَ الديموقراطيّة مادة للإستيراد والتصدير عبر القارات والدول. من هنا كانت سياسات الدول الاكبر في العالم وممارساتها داعياً ليس الى تعزيز التيارات الديموقراطية في سائر ارجاء العالم، بل الى تنمية الوعي الدينيّ وإطلاق التيّارات الأصوليّة وتأجيج نزعات التطرف على اشكاله. وكانت قبل ذلك، في عهد الاتحاد السوفياتي، مُحَفِّزاً لاطلاق الحركات والتيارات اليسارية والاشتراكية والشيوعية. من المسلَّم به ان أميركا من اعظم ديموقراطيات العالم. قد تكون كذلك داخل حدودها، إلا انها قوة إستبدادية بأمتياز خارج اراضيها. فإن كانت الديموقراطيّة حكم الشعب لنفسه، فأميركا تحكم العالم، أو هي تسعى، إذ تملي على شعوب الارض الأصغر والأضعف مصائرها عبر ممارسة سياسة الهيمنة أو عبر حملات عسكرية.

انتهاك حقوق الانسان
عندما لا تكون الدولة العظمى راضية عن بلد من بلدان العالم، فإنها ترميه بانتهاك حقوق الانسان وغياب الممارسة الديموقراطية وانحباس الحريات فيه، مثل سوريا. واذا كانت راضية عن الحكم في بلد ما، فهي تسكت عن خضوعه لحكم اوتوقراطي أو لحكم الفرد فيه، وتغضي عن انتهاكات فادِحة لحقوق الإنسان. هكذا تتجاهل الإدارة الأميركية هزال التجربة الديموقراطية أو انعدامِها في أقطار عربية معروفة بتحالفها معها أو ولائها لها كما في اقطار تستغل الدولة العظمى خيراتها، كما في دول الخليج. وهكذا رأينا ان الإدارة الأميركية امتدحت بلسان أرْفع المسؤولين فيها، لبنان بما يتمتَّع به من حريّات وفيرة، وهذا صحيح، ولكنها أشادت ايضاً بالممارسة الديموقراطية وبحكومة السنيورة "المنتخبة ديموقراطياً" وهذا غير دقيق.

التمثيل النيابي الصحيح
فلبنان يفتقر الى بعض المقوِّمات الأساسية للديموقراطيّة من مثل التمثيل النيابي الصحيح ووجود آليات فاعلة للمساءلة والمحاسبة. وتتحكم بنتائج الانتخابات في لبنان عوامل لا ديموقراطيّة من مثل المال السياسيّ، الذي جعل من الصوت سلعة تُشرى وتُباع الى حدِّ ملحوظ، وجعل للإعلام والإعلان الانتخابييْن وللقابضين عليهما دوراً حاسماً في صُنع نتائج العملية الانتخابية. وحكومة السنيورة في لبنان لم تنتخب ديموقراطيّاً كما تُصوّر الإدارة الأميركية، فهي تسمّى عند تشكيلها وتحوز الثقة من مجلس النوَّاب. ثم إن الدولة العظمى تحتضن ربيبتها إسرائيل وتحميها من أيِّ انتقاد أو إدانة أو عقاب على الصعيد الدولي، مع ان الدولة العبريَّة تُمارس أفظع أشكال التنكيل بالشعب الفلسطيني، ولا ترعوي عن ملاحقة اللاجئين حتى في مخيِّماتهم في الجوار العربيّ. مع ذلك تسمّى إسرائيل ديموقراطيّة. وعندما مارس الشعب الفلسطينيّ حقَّه الديموقراطيّ في انتخاب سلطة له، جاءت الحصيلة لصالح حركة مُناوئة للإحتلال والاستيطان الإسرائيليين، وشهد العالم أجمع بعدالة العملية الانتخابيّة وسلامتها، فلم تتورع الدولة العظمى ومعها إسرائيل عن تجييش العالم وفرض حصار مادّيّ وسياسيّ على السلطة المنتخبة، حتى التجويع لشعب فلسطين، بحرمانه من الدعم الماليّ الذي كان يتلقّاه من الخارج.
هكذا تلتزم الدولة العظمى القيم الديموقراطيّة داخل بلدها وتتنكَّر لتجربة ديموقراطيّة ويخوضها شعب صغير في منطقتنا، وتمارس عليه ألوان العسف بلا حدود. فهل بقي لاحتمال التأسِّي بأميركا ديموقراطياً اي معنى أو مضمون؟  وكما في فلسطين كذلك في العراق. فلقد احتلّت الدولة العظمى العراق بدعوى إنقاذه من حكم إستبدادي بعد ان ثبت بطلان ذريعة امتلاك العراق اسلحة دمار شامل كما ذريعة علاقة الحكم العراقي بتنظيم القاعدة. فإذا بالعراق يُساق الى واقع أسوأ من الاستبداد: واقع الفرز الإثنيّ والمذهبيّ، واقع التذابح بين فئات الشعب الواحد على أوسع نطاق وابشعه على مرأى من الدولة الديموقراطيّة العظمى وحلفائها وتحت رعايتها.

 الحرب الغاشمة
وقس على ذلك ما وقع من مآسٍ وفواجع في اماكن اخرى من العالم. هاك ما حَلّ بأفغانستان، وما حَلّ بلبنان من جرَّاء الحرب الغاشمة التي شنَّتْها عليه إسرائيل في صيف العام 2006، فقتلت ودمَّرت وهجّرت بلا حساب، كل ذلك والمسؤولون في الدولة العظمى لم ينبسوا ببنت شِفَّة، لا بل كان المندوب الأميركي الدائم في الامم المتّحدة هو الذي عَطَّلَ ثلاثّة مقترحات لوقف النار في مجلس الأمن، لا بل إن الادارة الأميركية لم تتورَّع خلال تلك الحرب عن الإعلان رسميَّاً انها قرَّرت تزويد إسرائيل بالاسلحة الذكيَّة فيما كان لبنان يتعرّض لقصف همجيّ. فأين هي العدالة في ديموقراطية الدولة العظمى؟ هكذا دَلَّ مسلسل الاحداث على ان الديموقراطيّة ليست مادَّة للإستيراد والتصدير بين قطر ينعم بفيض منها وقطر يفتقر الى الحد الادنى منها. لا بل دلَّت التجارب على ان شعارات الحرية والديموقراطيّة وحقوق الانسان ما كانت إلاَّ ذريعة للاستغلال والتدخُّل الذي بلغ احياناً كثيرة مبلغ التسبّب بكوارث إنسانية.

القدوة الحسنة
حُكم الشعب لنفسه وبنفسه هو الديموقراطيّة. فكيف تأتَلِفْ هذه المقولة مع محاولات الكبار في العالم فرض سياساتهم واهوائهم وأنماط حياتهم على الصغار في العالم؟ اين هو المثل الصالح واين هي القدوة الحسنة من جانب ديموقراطيات العالم الاكثر تطوراً؟ لقد اظهرت تجارب العالم في العصر الحديث ان المصالح هي التي تتحكّم بعلاقات الكبير والصغير من الشعوب، ولا مكان للمثاليات الديموقراطيّة أو الاخلاقيّة أو السلوكيّة في تلك العلاقات. كانت لهذه الممارسات اسماء مغايرة في العصور البائدة: كانت تُسمى "استعماراً" أو "انتداباً" أو "وصاية"، وهي في واقع الحال استغلال واستئثار وابتزاز. والمفارقة في العصر الحديث انَّ مثل هذه السياسات والممارسات إنما تنفّذ تحت عناوين حضاريَّة مصطنعة من مثل: التحرير والديموقراطيّة وصون حقوق الانسان. وتمارس أبشع الجرائم الانسانية في معتقل غوانتينامو على الساحل الكوبيّ وسجن ابو غريب في بغداد باسم مكافحة الارهاب.

وفي هذا الخضم التحليليّ تتبادر الى الذهن المسألة السوريّة؟
كلّّنا يتمنى ان تكون في سوريا تعدّديّة حزبيّة وأن يقود سوريّّا حزبٌ وطنيّ وقوميّ وديموقراطيّ بالمعنى الكمالي (اوتوبيا) بدل النظام الحاليّ لكن من يضمن لنا ذلك؟ ولا ننسى أن سوريّّا هي دولة وطنيّة، حاضنة للمقاومات: الفلسطينيّة واللبنانيّة والعراقيّة كما أنها وقفت وتقف سدّاً منيعاً في وجه المشروع الصهيوني – الاميركي الامبريالي الذي يغزو المنطقة كالسرطان وسوريّّا بشعبها هي بلد الممانعة وبلد المقاومة. كما وهناك تدخل اميركي وصهيوني ولدول اخرى ذات مصالح بشكل سافر في الشأن السوري وان لا، فكيف تفسر الاعتداءات المسلَّحة على الجيش والمواطنين وتدمير الممتلكات العامَّة والبنية التحتيّة وبالتالي استشهاد أكثر من 300 ضابطا وجنديا وغيرها من قبل عناصر قد تدربت جيداً على السلاح وزوّدت به على يد ايدي آثمة لا تريد الخير لسوريا ولشعبها. وكيف يفسر ايضاً تدخل السفيرين الاميركي والفرنسي وتواجدهما في حماة في خضم الاحداث لإشعال الفتنة هناك.

ممارسة الحريات
لا احد منا يعترض على الاصلاح وممارسة الحريات وتعدد الاحزاب والديموقراطيّة في سوريّّا، كما ونرفض الاعتداء وقتل اناس أبرياء يشاركون في مظاهرات سلميّة ونؤكد على حق المواطنين في التظاهر حول أية قضية مطروحة على الساحة السوريّة، ولكن الاصلاح والحوار الوطني قد بوشر بهما ويجب اعطاء فرصة لذلك حتى ولو جاء الامر متأخرا دون التخلّي عن دور سوريّّا في الممانعة والمقاومة.
ولهذا يجب ان نقف في هذه اللحظة التاريخية الهامة مع القوميّة والمقاومة والممانعة من دون التنازل عن المطالبة باستمرار الاصلاح الحقيقي واشاعة الديموقراطيّة بشتى معانيها. إننا نبقى من دعاة الديموقراطيّة في البلاد العربية بلا ادنى تردد أو تحفّظ. ولكننا لا نرجو خيراً من تدخل خارجي. فالعمل الدؤوب والمنهجيّ على التطوير الديموقراطيّ ينبغي ان ينبع من إرادات محليَّة حُرَّة في بلادنا مع الحرص على الافادة من تجارب الاخرين واستخلاص الدُّروس والعبر منها.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر.لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co.il   

مقالات متعلقة

.