الخبيران الإسرائيليان في العلاقات الدوليّة، ألون ليفين وبوفال بستان:
أنقرة حاولت في السنوات الأخيرة العودة لاحتلال الصدارة في المنطقة بعد قرن من سقوط الإمبراطورية العثمانية
الموقف العربيّ المتشدد من النظام السوريّ ربّما سيفتح الباب على مصراعيه أمام التدخل العسكريّ الأجنبيّ في سوريّة، وسيمنحه الشرعيّة، ومن هنا تكمن قوتّه
أردوغان تحول لواحد من أبرز منتقدي الأسد، وفتح الحدود، وأقام المخيمات للسوريين الفارِّين من مناطق القمع، والسماح بإدارة حملة الدعاية المضادّة للأسد من اسطنبول
التحالف التركي مع سورية الذي مهّد لأنقرة الطريق للانفتاح على العالم العربي أصبح يشكِّل عبئاً على كاهل أنقرة منذ اللحظة التي أقدم فيها النظام السوري على قمع الاحتجاجات الشعبية بوحشية
لم يعد أمام تركيا إلاّ مواصلة الصراع مع إيران في الميدان السوري، وربّما الكردستاني، ووجود إسرائيل واستقرارها في المنطقة، يمكن لتركيا استخدامه كورقة ضغط على النظام السوري وحزب الله
رأى الخبيران الإسرائيليان في العلاقات الدوليّة، ألون ليفين وبوفال بستان، في ورقة عمل نشراها على موقعهما على الإنترنت أنّه بعد مرور أكثر من ستة أشهر على بداية موجة الثورات العربية في الشرق الأوسط، فما زالت التداعيات آخذة في الظهور، ومنها توجه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان للتخفيف من وتيرة انتقاده لإسرائيل على عكس الآونة الأخيرة، واهتمامه أكثر بما يحدث على حدوده، فحرب الاستنزاف المتصاعدة داخل سورية تهدِّد بإمكانية اصطدام نظام الرئيس بشار الأسد مع تركيا بشكل مباشر، ما سيعود بالسلب على علاقات الأخيرة بإيران. ولفت الخبيران إلى أنّ أنقرة حاولت في السنوات الأخيرة العودة لاحتلال الصدارة في المنطقة بعد قرن من سقوط الإمبراطورية العثمانية، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف اقتربت من الدول العربية، وتخلّت عن علاقاتها الإستراتيجية السابقة مع إسرائيل، وعملت على تحقيق نموّ اقتصادي مكّنها من إدارة ظهرها للغرب.
إضافة للجهود التركية، فقد وقعت حوادث سهلّت على تركيا احتلال مركز الصدارة في المنطقة، ومنها: سقوط نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، الذي أبقى على قوّة عسكرية عربية وحيدة في الشرق الأوسط وهي مصر، لكنّها تحت قيادة الرئيس السابق حسني مبارك لم تستطع قيادة المنطقة. مع انسحاب القوات الأمريكية من العراق لن تكون هناك قوات أجنبية في المنطقة، ما يحصر الصراع على الهيمنة بين الأتراك والإيرانيين، الذين بدؤوا يُقسِّمون بينهما مناطق النفوذ في الشرق الأوسط.
تحذير إيران لتركيا وإسرائيل
وتابعا أنّه في هذا السياق، تحوّلت سورية ولبنان إلى دولتيْ تماس بين القوّتين الإقليميتين، وهدفاً للنفوذ والتأثير من كليهما، وأشارا إلى أنّ الانتفاضة ضد نظام الأسد أضعف دور سورية كدولة تماس، وخلال فترة زمنية قصيرة، وعندما بدأت تتوالى التقارير عن قتل الجيش للمتظاهرين في عدّة مواقع، تحوّل أردوغان لواحد من أبرز منتقدي الأسد، وفتح الحدود، وأقام المخيمات للسوريين الفارِّين من مناطق القمع، والسماح بإدارة حملة الدعاية المضادّة للأسد من اسطنبول.
وبحسبها، فقد أوشك الصدام بين البلدين في مرحلة معينة للتحوّل لمواجهة عسكرية رغم هشاشة الجيش السوري وضعفه بالمقارنة مع نظيره التركي، واقتربت قواتهما من الحدود المشتركة، ما زاد من حدّة التوتر في المنطقة، خاصّة بعد تحذير إيران لتركيا وإسرائيل من التدخّل فيما يحدث في سورية، مع العلم أن التحالف التركي مع سورية الذي مهّد لأنقرة الطريق للانفتاح على العالم العربي، إضافة لابتعادها عن إسرائيل، وأسهم في حلّ قضية إقليم الإسكندرون، أصبح يشكِّل عبئاً على كاهل أنقرة منذ اللحظة التي أقدم فيها النظام السوري على قمع الاحتجاجات الشعبية بوحشية.
تغيير الموقف التركي من إسرائيل
ويحدد الباحثان تضافر عدّة أسباب أدّت إلى تغيير الموقف التركي من إسرائيل: التغيّرات الهائلة التي عصفت بالشرق الأوسط، لم تستثن دولة عربية واحدة يمكن اعتبارها حليفاً لتركيا، عدا المملكة العربية السعودية حليفة الغرب، ويميل الأتراك الآن لتغيير النظام في سورية، وإسرائيل قد تلعب دوراً في هذا الأمر بشكل غير مباشر، فمجرّد التمركز العسكري الإسرائيليّ على الحدود السورية، سيضطرّ الجيش السوري للإبقاء على قوّاته متأهِّبة لصدِّ هجوم خاطف، مما سيسهِّل المهمّة على الأتراك حال اشتعلت الأوضاع على الحدود. وبرأيهما، الدولة العبريّة بإعادة العلاقات مع تركيا، وبضغط لوبي الصناعات العسكرية الإسرائيلية وقادة حزبيّون كثُر، لاستئناف العلاقات مع الأتراك، كما يريد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من حيث المبدأ استئناف العلاقات، لكنّه يرفض الاعتذار لأنقرة، ويبقى وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان المعوِّق الأقوى لإعادة العلاقات لطبيعتها.
ويصل الباحثان إلى خلاصة مفادها أنّ النهج التي تبنّته تركيا بعد العدوان الإسرائيليّ! الأخير على غزة لخلق أزمة سياسية مع إسرائيل والتقرّب من الدول الراديكالية في الشرق الأوسط، انقلب ضدّها، فبعد عام ونيّف من حادث قافلة المساعدات التركية وأسطول الحرية الأوّل، تبنّت الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى موقف إسرائيل، ما عدا توجيه بعض الانتقاد لاستخدام القوة المفرطة، ونظر الجميع للحكومة التركية على أنها المحرِّك الرئيسي وراء إرسال قافلة غير شرعية يحقّ لإسرائيل اعتراضها.
الأزمة الاقتصادية المتفاقمة
علاوة على ذلك، لفتا إلى أنّه كما تعاني جميع الدول التي تقرّبت منها تركيا على حساب علاقاتها مع إسرائيل اليوم، من اضطرابات داخلية، حيث تغيِّم سحب الشكّ والغموض على سورية ولبنان والأردن وإيران، وحتى بعد تبدّد تلك السحب وهدوء الأوضاع، ستحتاج فترة طويلة لتضميد جراحها، كما تُبدِّد الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في أوروبا حلم تركيا بالانضمام للاتحاد الأوروبي، والعلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا ليست في أفضل أحوالها على خلفية موقفها من إسرائيل. في هذا الموقف، لم يعد أمام تركيا إلاّ مواصلة الصراع مع إيران في الميدان السوري، وربّما الكردستاني، ووجود إسرائيل واستقرارها في المنطقة، يمكن لتركيا استخدامه كورقة ضغط على النظام السوري وحزب الله، بينما ستحرص تل أبيب دوماً على متابعة الأحداث من بعيد دون تدخّل، على حد تعبيرهما.
الاعتماد على الدعم الإيرانيّ
من ناحيته، رأى د. تسفي بارئيل، محلل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة هآرتس أنّ سوريّة يمكنها مواصلة الاعتماد على الدعم الإيرانيّ، مشددا على أن الضغط التركي على نظام الأسد لن يجدي نفعا، كما لفت إلى أنّ اتخاذ الدول العربيّة، بعد إعلان الجامعة العربيّة ودول مجلس التعاون الخليجيّ، باتت الأرض معبّدة لموقف عربيّ أشد حزمًا وأشد صرامة من نظام الأسد، وخلص إلى القول إنّ الموقف العربيّ المتشدد من النظام السوريّ ربّما سيفتح الباب على مصراعيه أمام التدخل العسكريّ الأجنبيّ في سوريّة، وسيمنحه الشرعيّة، ومن هنا تكمن قوتّه، كما حدث في ليبيا ضدّ نظام العقيد القذافي، على حد تعبيره.