Share this link via
Or copy link
سميح غنادري في مقاله:
يجري أمامنا إحتلال للحيّز الجغرافي العام للمدينة، بدون حق أو إذن أو تخويل من أحد، وبشكل منهجي مثابر واستفزازي دون ردع أحد
يجب التنبيه هنا وبمنتهى الصراحة إلى خطورة الاتكال النصراوي على أن فكر ونهج الحركة الاسلامية بأطيافها- (بالمناسبة آن الأوان لتسميتها وأطيافها باسمها الحقيقي: الأخوان والسلفيون)- ما زال محدود التأثير في الوسط الإسلامي
المسألة لا تخص النقاش اللاهوتي والفقهي ولا الحوار بين الأديان بخصوص معتقدات وإيمان كل منا وما من أحد يمنع أحداً أو حتى يعترض على حق أحد في أن يُعلّم بصدق في بيته وجامعه وكنيسته وفي دروسه الدينية أسس إيمانه الديني وحتى ملاحظاته على دين الآخر
قضيتنا وحلها ليست عند الحركة الإسلامية وإنما معها وفي مواجهتها وبمطالبتنا لها بأن ترتدع وتردع من يلعب بالنار من قادتها وأتباعها غير آبهين بمخاطر تسميم أجواء ومستقبل الأجيال الصاعدة "حيّا على الفلاح"لا على الطلاح- هذا هو نداء الإسلام للصلاة
بمحاذاة كنيسة البشارة للاتين في الناصرة، وعلى عرض واجهة مبنى يشرف على ساحة المدينة التي أصبح اسمها المتداول ساحة شهاب الدين، توجد لافتة بالألوان مكتوب عليها، بالعربية والإنجليزية، الآية القرآنية: "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" (آل عمران :85). اللافتة معلقة هناك منذ سنوات، قرب الكنيسة مقابل الشارع الرئيسي في وسط – مركز – المدينة، وبمحاذاة شارع الكازانوفا الذي يقود نحو السوق. أي لا بد إلا أن يراها، يومياً تقريباً، كل مواطن نصراوي وكل زائر للمدينة أو عابر سبيل فيها. وفي هذه المنطقة تتوقف فرق السواح الأجانب يومياً، بسبب تاريخها وكنيستها.
الكاتب سميح غنادري
يؤلمني ويستفزني أمران. الأول، أن على مواطني الناصرة العرب المسيحيين والمسلمين، أن يقرأوا يومياً (حسب التفسير الحرفي الشعبوي المتداول لتلك الآية) أن الدين المسيحي خاطىء باطل، وما على المسيحيين إلا إجهار إسلامهم. وإلا سيكون مصيرهم جهنم ونارها الأبدية حين تأتي ساعة الدينوية في الآخرة. والثاني، هو رؤية السواح الأجانب وقد صدمتهم الآية (المكتوبة بالإنجليزية أيضاً)، فيسترسل مرشدوهم الإسرائيليون اليهود شارحين متشدقين ومحرضين أنه حتى في بلد المسيح وقرية والدته مريم العذراء، وفي مدينة مختلطة، يقول مسلمو المدينة لمسيحييها العرب ولمسيحيي العالم إما أن تسلموا أو تحرقوا في نار جهنم. ولكم أن تتخيلوا مع أي إسلام "إرهابي" نتعامل، وكيف يعامل هؤلاء اليهود... في دولة اسرائيل. فكيف –يواصل المرشدون – تطالبوننا بتوقيع سلام مع هؤلاء، فليوقعوه أولا مع أهل مدينتهم العرب المسيحيين في مدينة المسيح.
نتساءل: بأي حق يسمح البعض لنفسه بتشويه الدين الإسلامي الحنيف بهذا الشكل القبيح أمام العالمين، وبهذا المس بمشاعر أهالي المدينة؟ لم يكتف العقل المريض والعنصري الطائفي، الواقف وراء تعليق تلك الآية، بهذه الفعلة. ويظهر أن عدم ردعهم منذ سنوات من قبل العقلاء وفرْض إنزالهم لتلك اللافتة، جعلهم يتمادون. إذ استقبلت المسيرة التقليدية، احتفاءً بعيد الميلاد، لافتتان جديدتان معلقتان على طرف الساحة بمحاذاة رصيف الشارع الرئيسي. لافتتان تحملان آيتين "تعايدان" المسيحيين والمسيرة التقليدية. وكانت قد تصدرت المسيرة، بمن تصدرها، شخصيات قيادية دينية وسياسية من... الحركة الإسلامية أيضاً، تأكيداً منها على طقس وتمثيلية التعايش واحترام الدين الآخر والوحدة الوطنية علناً(؟!)، إلى جانب التوجيه سراً بتعليق تلك اللافتات، أو السكوت عنها وعدم إنزالها من قبلهم.
تقول الآيتان: "إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون. الحق من ربك فلا تكونن من الممترين" (آل عمران:59) (الممترون تعني- المشككون). و " قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد" (الإخلاص:1-4). الذي علّق هاتين الآيتين قصد أن "يعايد" مسيحيي المدينة بقوله لهم: أنتم تشككون بوحدانية الله الواحد الأحد وتقولون إن المسيح ابنه، علماً بأن عيسى مثله مثل آدم خلقه الله من تراب.
قبل هذا وبموازاته، على مدى سنوات عديدة سابقة وحتى اليوم، تتبدل شهراً بعد آخر شعارات تختبىء بعضها وراء آيات قرآنية يفسرها أصحابها كما يحلو لهم ويخدم سياستهم. يعلقونها في تلك المنطقة، وأيضا على شجرة تتوسط دوّار سير محاذٍ في وسط الشارع الرئيسي، تحيطه أربعة مداخل. شعارات تبلغنا أي دين هو الأفضل وأي نبي هو الأطهر من بين كل الأديان والأنبياء الآخرين. وأخرى تنص على أن "مسلمو الناصرة (وأحياناً مسلمو الـ 48) يطالبون... أو يقولون... أو يعلنون..."، وأن علينا جميعاً اتباع هدى الإسلام، والسعي لبناء دولة الخلافة (في إسرائيل، وفي الناصرة؟!)...الخ. وحين زار الناصرة البابا بنديكتوس في رحلة حجه للأماكن المقدسة، استفاقت المدينة على شعارات معلقة تقول باسمها: "لا أهلا ولا سهلاً. الناصرة إسلامية".
سيقول بعضكم: هذه مؤامرة صهيونية تهدف إلى شرذمتنا طائفياً وعنصرياً. أجيبكم: لسنا في مجال المزاودة بخصوص سياسة "فرق تسد". ولكن "دودَهُ من عودِهِ". فالذي يقوم بهذا هو منا وفينا ومن أحزابنا، بل ويشارك في قيادة هيئاتنا الوطنية، ويتخذ من ديننا الحنيف ( يا للفحش) ستاراً ومبررا لنهجه المتخلف والمدمر لهويتنا القومية ووحدتنا الوطنية الجامعتين.
غابت (غابة) المدينة...
يجري أمامنا إحتلال للحيّز الجغرافي العام للمدينة، بدون حق أو إذن أو تخويل من أحد، وبشكل منهجي مثابر واستفزازي دون ردع أحد. والأسوأ هو هذا الاغتصاب والتشويه الديني والعقائدي والنفسي لعقليات ومشاعر الناس ولهويتهم القومية والوطنية والنصراوية الجامعة، ولوحدتهم الوطنية على شتى انتماءاتهم الاجتماعية والدينية والطائفية. الحاصل هنا ليس حق وحرية الإنسان الفرد، بذاته ولذاته، أن يفهم دينه كما يريد، وأن يبرز هويته الدينية على ما عداها من مركبات أساسية للهوية الجامعة. وإنما سعي مجموعة لتشويه الدين واستعماله مطية وآداة وستاراً لخدمة أجندة سياسية واجتماعية رجعية وهدامة، ومحاولة فرض هذا على الفضاء الثقافي العام للمدينة.
لذلك، فإن النقاش مع هؤلاء والتصدي لهم ليس نقاشاً مع المتدينين، ولا مع خيار الفرد في فهم وممارسة دينه لذاته، ولا تصدياً للدين. هم يريدون جرّنا إلى هذه الزاوية بعد أن نصّبوا أنفسهم، زوراً واغتصاباً، قيمين على الدين وتفسيره، جاعلين منه ملكية خاصة لهم، ومن أنفسهم ناطقين باسمه. ومن ثم يريدون تعميم وفرض خيارهم الخاص على المدينة وجعله عاماً.
هؤلاء مغتصبون للإسلام والمسلمين أولاً، لا للمسيحيين. فالمسيحيون يبقون في نهاية المطاف "أهل الذمة". أما المسلم الرافض لاتباع غيّهم وتضليلهم فهو مرتد. ومعروف حكم المرتد. وهم لا يريدون أسلمة المسيحي وإنما تسييس إسلام المسلم من خلال تشويه واغتصاب الإسلام.
لكن حين يجري اللعب بهذه النار الطائفية العنصرية في مدينة متعددة الأديان والطوائف، قد يقود الأمر أيضاً إلى توتير طائفي ورد فعل معاكس، وإلى تغييب مدنية المدينة وتحويلها إلى غابة. وكانت الناصرة قد عايشت قبل قرابة 15 عاما وضعا شعر فيه أهلها أن المدينة غابت (غابة)! ويظهر أنه لا يروق للبعض، بعد أن استقوى بصمت رجال الدين وأحزابنا ومؤسساتنا الوطنية وعدم ردعهم له، إلا جرّنا ثانية إلى تلك الغابة التي ظننا وحلمنا بأنها غابت.
يجب التنبيه هنا، وبمنتهى الصراحة، إلى خطورة الاتكال النصراوي على أن فكر ونهج الحركة الاسلامية بأطيافها- (بالمناسبة آن الأوان لتسميتها وأطيافها باسمها الحقيقي: الأخوان والسلفيون)- ما زال محدود التأثير في الوسط الإسلامي ( تباً لهذه التسميات!)، وأن الأصولية الطائفية غير منتشرة في الوسط المسيحي (تبا لهذه التسميات!). أولاً، ليس هكذا هو الواقع، وهنالك تراكمات تجري تحت السطح قد تنفجر. وثانياً، تتراكم عند المسيحي اللاطائفي واللاأصولي والعلماني وغير المتدين... وحتى الكافر، احتقانات وأحقاد وتوترات قد تولد ردود فعل غاضبة، لا يستطيع أحد أن يتكهن اليوم أي منحى قد تتخذ مستقبلاً. قبل أقل من ثلاثة عقود، كان النصراوي يخجل حتى بالجهر وبالتفاخر بانتمائه الديني. لكن أصبح بعضنا اليوم يجاهر ويتفاخر ويتواقح حتى بالمس بدين الآخر.
يشهد أهل المدينة يوميا، بما فيها أولادها وشبابها الصاعد، تلك الشعارات التي ذكرناها سابقاً. ويقرأون في الصحف بعض مقالات لقادة في الحركة الإسلامية لا تقلّ سوءاً عنها. ويستمعون لخطابات مماثلة يلقيها بعض الأئمة (ولا أقول كل) في بعض الجوامع (ولا أقول كل). وبعضها يصلنا إلى بيوتنا عنوة من خلال مكبرات الصوت في أيام الجمعة. وإحداها "علمتني"، وأنا جالس على شرفة بيتي، بأني كافر، إذا كنت أؤمن بالثالوث وبالصلب وقيامة المسيح. ومن الأجدى بي أن أُسلم إذا كنت أنشد الجنة في الآخرة. كانت تلك خطبة "معايدة" بعيد الفصح- صلب وقيامة السيد المسيح.
أنت كافر يا شيخ!
هذه المسألة لا تخص النقاش اللاهوتي والفقهي، ولا الحوار بين الأديان بخصوص معتقدات وإيمان كل منا. وما من أحد يمنع أحداً أو حتى يعترض على حق أحد في أن يُعلّم بصدق في بيته وجامعه وكنيسته، وفي دروسه الدينية، أسس إيمانه الديني وحتى ملاحظاته على دين الآخر. وكل على دينه الله يعينه. خطورة القضية تكمن في وجود لافتات وشعارات يجري تعليقها ونشرها في الحيز العام بهدف تسخيف معتقدات الآخرين وتكفيرهم والمس بهم، لا بهدف تعليم أسس الدين في الساحات العامة.
مَنْ يفعل هذا يمس ويشوّه ويهين دينه أولاً. فالدين في جوهره، أي دين، ينادي بالمحبة والتسامح والتعايش والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والدين الإسلامي بالذات نصّ على عدم جواز التكفير للناس، وعلّم أن الله وحده يجوز له هذا الأمر "... وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله اتقاكم" (الحجرات: 13). و "... لو شاء الله لجعلكم أمة واحدة..." (المائدة 48). " ولو شاء الله ما أشركوا، وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت بوكيل"(الانعام 107). ونصّ "القرآن" على أن المسيحيين هم الأقرب مودة للمسلمين "... ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى..."(المائدة 82). وأمر "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن..." (آل عمران 46)، "وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والمو عظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن..." (النحل 125).
من لا يلتزم بتعاليم هذه الآيات الكريمة أعلاه يكفر بتعاليم ووصايا دينه، وبالوحدة الوطنية والديمقراطية لشعبه حتى لو أخفى انتماءه الحزبي وراء حجاب تسمية ذاته بالشيخ فلان. لذلك، دفاعا عن الإسلام وعن "القرآن" نقول للمتاجرين بالدين ودعاة تسييسه وتحزيبه: أزيلوا تلك اللافتات من ساحة المدينة- إن كنتم حقاً مسلمين مؤمنين. فما من كفر أشد كفراً من استغلال آيات الذكر الحكيم في سبيل الباطل السقيم. والدين أطهر وأشرف من أن يحيله البعض إلى طائفة، ومن ثم يحيل الطائفة إلى حزب سياسي يشوه الدين ويحتكر فهمه وتفسيره، ويجعل منه ملكية خاصة وأداة ومطية لأجندته السياسية- الاجتماعية، المتخلفة والهدامة.
ثم ماذا كان سيكون موقفكم يا "مشايخ" (مشايخ الحزب لا الدين) لو فقد بعض مسيحيي الناصرة اعصابهم وقاموا بالرد عليكم بمثل بضاعتكم؟ أقصد أن يعلقوا لافتات تطعن بمصداقية الدين الإسلامي وبنبوة الرسول محمد، وتشيد بعلوية الدين المسيحي وتكفر من لا يتبعه، وتتوعده بأن مصيره نار جهنم. وأن يعلقوها، مثلكم أيضاً، في ساحة المدينة وقرب الجوامع وعلى رصيف الشارع الرئيسي وأثناء مرور مسيرة الاحتفاء بعيد الأضحى، وأن يرددوها في وعظاتهم في كنائسهم.
أتساءل سؤال العارف بالجواب، ليس باسم المسيحيين ولا دفاعا عنهم. وإنما باسم مدينة وشعب- بقية شعب- أصبح أقلية في وطنه ويعاني سياسة التمييز العنصري، والإقصاء والشرذمة في عقر دار الصهيونية، ويأتيه "دودوه من عوده" ليزيد الطين بلّة، بل أكوابا من ماء آسن، باسم الدين والأصولية. دياناتنا من هذا براء، وأصالتنا إزاء هكذا اصولية على عداء.
الدين ليس أن نحف شواربنا ولا أن نطيل لحانا، شيوخا كنا أم كهنة، "يا أمة ضحكت من جهلها الأمم". والإيمان، كما علمتنا سورة البقرة- الآية 177، ليس أن نولّي وجوهنا صوب المشرق والمغرب. وإنما أن نلتزم بالبر والتقوى وعمل المعروف. أما مَنْ يسعى بالذات، إلى تفرقتنا على أساس ديني وإلى احترابنا فهو قد يكون من المؤمنين كلاما، لكن من المفسدين فعلاً. ويكون كافرا بجوهر تعاليم الدين وبالوحدة الوطنية للشعب، حتى لو كان شيخا- كاهنا- رابيا. فالإيمان فعل وانتصار للحق وللخير لا كلاما وثيابا.
الصمت... جريمة
أفهم إلى حد ما، ولا أقول أتفهم كليا، امتناع بلدية الناصرة حتى الآن عن إزالة تلك اللافتات التي تغتصب الملكية العامة دون إذن ولا بهدف الصالح العام. فسبب الامتناع قد يعود إلى خشية البلدية من أن تؤدي الإزالة إلى التوتير والعودة إلى الأجواء السيئة التي رافقت تفجر ما عرف بـ"أزمة شهاب الدين" قبل 15 عاما تقريبا. لكن الأجواء متوترة اليوم في العقول والقلوب. والإنسان قد لا يحتمل ضبط أعصابه دوما، وهو يقرأ يوميا المس بدينه وبدين الآخر. ويرى العمل على إقصائه الاجتماعي والثقافي والنفسي من الجو العام السليم والنقي للمدينة التي هي ملكه وهو ابنها ومن مواطنيها. وواجب البلدية، بصفتها سلطة محلية، صيانة وحفظ الحيّز العام جغرافيا وثقافيا وأجواءً لصالح جميع المواطنين، وعدم السكوت عن مغتصبية ومفسديه.
ثم الحاصل هو الاعتداء على والإطاحة بالحل الوسط التوافقي لأزمة شهاب الدين- أزمة ساحة المدينة. بنيت الساحة قبل عقد ونيّف. وقامت البلدية، وفقا لمخططها الأصلي، بإصلاح وإبراز مقام شهاب الدين. لكن الساحة ليست ساحة عامة للمدينة ولراحة أهلها، وإنما هي ساحة لخدمة من استولى عليها باسم الدين زوراً. ونعم لم يتم بناء جامع هناك، ولكن الجامع قائم كجامع مفتوح مظلل وغير مسقوف. أهالي المدينة لا يزورون الساحة ولا يجلسون فيها. هذا جامع بكل معنى الكلمة (خصوصا أيام الجمعة). وهذه ساحة لجامع ومكان للافتات وإعلانات ذكرنا فحواها سابقاً. أي جرى هنا اغتصاب حتى الحل التوافقي الوسطي وتحويل الساحة العامة إلى منبر للتحريض الطائفي. وتتحكم بالساحة، عملياً وأجواءً، الحركة الإسلامية. ويُقال إن بعض التحكم انتقل مؤخرا للجناح السلفي منها. لكن، سمّور أخٌ لحمّور، بل "منه وفيه"، وإن كان أكثر تشددا وتطرفا.
لا أحسد بلدية الناصرة لا على صمتها ولا على تحركها ضد هذا الاغتصاب... إذا ما قررت التحرك. لكن لا أفهم ولا أتفهم صمت اللجنة القطرية للرؤساء، وكل أحزابنا، وكل اللجان الشعبية والهيئات التي كانت وراء التوصل لذلك الحل التوافقي... وهي ترى عدم الالتزام به. وإن فهمنا أو تفهمنا هذا، كيف نفهم أو نتفهم هذا الصمت الرهيب للجميع بخصوص استغلال الساحة من قبل تيار سياسي (وليس دينيا كما يدعي) للمس بدين الآخر وإقصائه وتكفيره. تريدون، يا كل العقلانيين، القيام بهذا على نار واطئة وبالهمس في غرف مغلقة؟ حسنا، قوموا به. انتظرتكم خمس سنوات وأنا حامل بمقالي هذا دون أن أكتبه، آملا بتحرككم. أصبح صمتكم خادما وغطاء "للجريمة"، فانطقنا خرسكم علكم تنطقون...
لم أذكر أعلاه الحركة الإسلامية، بأخوانها وسلفييها...، ليس فزعاً منها ولا تجنباً لمواجهتها فكرياً. ولا ينطلي علينا خرس الإسلامية على الحاصل وتبريرها، بالهمس والوشوشة، أن من يفعل هذا هم السلفيون. فهي الفاعلة والبادئة، وهي الخرساء إزاء من يواصل فعلها ويجعله أكثر تطرفا. فـ"عصا" السلفيين من "عصي" الحركة. لم أذكر الإسلامية لأني لم أعد آمل – بهذا الخصوص- منها لا الخير ولا الفهم والتفهم. بل أتهمها أنها هي بأفكارها وبنهجها، وبممارساتها، وبما غرسته في أجيالنا الطالعة من أفعال فئوية طائفية وإقصائية، على خلفية تسييسها وتحزيبها وتطييفها للدين... كانت الدفيئة لكل ما هو حاصل وتطرقنا له في هذا المقال.
قضيتنا وحلها ليست عند الحركة الإسلامية وإنما معها وفي مواجهتها، وبمطالبتنا لها بأن ترتدع وتردع من يلعب بالنار من قادتها وأتباعها غير آبهين بمخاطر تسميم أجواء ومستقبل الأجيال الصاعدة. "حيّا على الفلاح"، لا على الطلاح- هذا هو نداء الإسلام للصلاة. فليقم قادة الإسلامية قطريا ونصراويا، والبارحة قبل اليوم، بدخول ساحة المدينة وإنزال تلك الشعارات إذا ما كان يهمهم فهم وتفهم الناس وعدم دمغهم لهم بالطائفية وتحميلهم مسؤولية الحاصل. هذا واجبهم إزاء دينهم أولاً، مثلما هو واجبهم إزاء شعبنا ومدينته ووحدتنا ووحدتها الوطنية.
وأوجه الندء بعدم الصمت والتحرك أيضاً. للمشايخ الأفاضل من رجال الدين المسلمين وكذلك لسائر أخوتي من متدينين وعلمانيين مسلمين (العلماني لا تعني الملحد)، من شخصيات اجتماعية ومثقفين وأكاديمين وكتاب وصحافيين وسائر الناس العاديين. فلا يعقل السكوت أكثر. واعذروني إن خاطبتكم، لأول مرة في حياتي، باسم هويتكم الدينية... أنا الرافض قلبا وقالبا لاستعمال هذه الهوية في الموقف وفي العمل. لكن ما العمل ما دامت الوسيلة الأسلم والأنجع اجتماعيا للتصدي للطائفية هي أن يتصدى الإنسان أولاً للطائفية في ساحته الدينية. وكلنا يعلم أن محاربة طائفية الآخر مع السكوت عن طائفية الذات هي رعاية للطائفية وتسعير لها باسم محاربتها.
أعرف أن زميلي فتحي فوراني كتب قبل شهور عديدة مقالاً عن الموضوع يخص تلك الآية على واجهة العمارة. لذلك ما من حاجة بتذكيري بهذا. وإنما هنالك حاجة بتذكيركم أنه ليس بإمكانكم تذكيري إلا بمقال المربي والكاتب فوراني ابن حيفا. وفتحي يساري علماني ونشيط جبهوي- شيوعي وديمقراطي. ألا فلتتفتح صفحات صحفنا، ومنابر جوامعنا وكنائسنا، وكل مؤسساتنا التمثيلية والثقافية ومدارسنا، بكل أطيافها السياسية والفكرية، لفيض من مساهمات وفتوحات تطيح باحتلال البعض لديانتنا ولتراثنا العربي الإسلامي الجامع.
الصمت سكوت عن وتشجيع للجريمة. فلننطق بشجاعة ودون تأتأة ومواربة قبل أن يصبح الوقت متأخرا، ولتكن أول الناطقين أحزابنا الوطنية العلمانية، بدلاً من تفضيل بعضها للعداوات القبلية في ما بينها على مواجهتها للتيار الطائفي، بل ومسايرته بأمل كسبه في معاداتها لبعض، علماً بأنه يقصد التهامها معاً!
عَودٌ على بدء:
لا تفتروا على الإسلام!
أجاز الإسلام الاجتهاد في فهم وتفسير النص الديني. بما فيه اجتهاد الفقهاء والعلماء المسلمين في فهم وتفسير آياته. واختلف هؤلاء، بمن فيهم الأولون منذ القرن الثامن والتاسع والعاشر، في تفسير بعض آياته. ولا يعتبر الإسلام تفسير أي مفسر منزلاً ومقدساً ومنزها عن أي خطأ. فما من مقدس ومنزل ومنزه إلا النص القرآني. أما البشر، حتى لو كانوا فقهاء ولاهوتيين، قد يخطئون (وأخطأوا كثيراً...) في تفسير الكتب المقدسة.
ثم الإسلام هو دين ودولة وثقافة. وهنالك اختلافات جوهرية بين هذا الثالوث. فدولة المسلمين ليست بالضرورة هي دولة الدين والقرآن، كذلك هي الثقافة الإسلامية بما فيها الثقافة الشعبوية والعامة للناس المسلمين. وإذا أدخلنا عامل الإسلام السياسي- الحزبي لهذا التعقيد المركب في التفسير، نلاحظ أن بعض المتحزبين يطوّعون تفسيرات بعض آيات القرآن لصالحهم موهمين أنها التفسير السليم. ونبّهنا القرآن الكريم إلى تدخّل وإفساد فرعون وقارون وهامان: الثلاثي اللامقدّس للسلطة السياسية، وللطغمة المالية، وللسلطة الدينية.
لنأخذ مثلاً الآية التي أوردناها في مطلع مقالنا هذا: "ومن يبتغ غير الإسلام...". التفسير المتداول والشعبي والذي يتبادر أولاً إلى الذهن، وقال به حتى بعض الفقهاء، هو أن على اتباع الديانات الأخرى أن يستبدلوا دينهم ويعتنقوا الإسلام حتى لا يلقوا بئس المصير في جهنم. ولهذا، وبهذا المعنى والقصد، جرى تعليق هذه الآية على لافتة في وسط مدينة الناصرة. لكن هذا تفسير خاطىء وباطل لتلك الآية... تنفيه آيات "القرآن" العديدة الأخرى، عدا عن نفيه من قبل العديد من الفقهاء.
كلمة الإسلام لا تعني الدعوة المحمدية وتقتصر عليها. هي تعني تسليم الأمر لله. فإذا أنت أسلمت أمرك لله تكون مسلماً، كنت يهودياً أم مسيحياً. بناءً عليه جدنا إبراهيم، حسب القرآن، هو أول المسلمين. كذلك هو المسيح والحواريون (التلاميذ). وكل الأنبياء لكل الديانات التوحيدية أخوة ومن ملّة واحدة، فجميعهم مسلمون.
إليكم نزراً صغيراً من كم كبير لآيات قرآنية تؤكد ما ذكرناه أعلاه: "... وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا والهكم واحد ونحن له مسلمون" (العنكبوت 46). "وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون" (البقرة 136). " وما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلماً" (آل عمران 67-68). ويقول إبراهيم عن ذاته: "...وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين" (آل عمران 161-163). وعلى لسان المسيح جاء في القرآن "وإذا أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وقالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون" (المائدة 111). ويسأل المسيح الحواريين (التلاميذ) فيجيبونه: "قال من أنصاري إلى الله، قالوا نحن انصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون" (آل عمران 52). وحدّد القرآن شرعية الأديان "وشرّع لكم من الدين ما وصّى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصّينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن إقيموا الدين ولا تتفرقوا..." (الشورى 13).
بناء عليه، فإن كل هؤلاء الذين سلّموا أمرهم لله هم مسلمون، من أيام إبراهيم إلى يومنا هذا وإلى أبد الآبدين. ولن يكونوا في الآخرة من الخاسرين. ولن يكون مصيرهم جهنم، بغض النظر عن أية دعوة دينية توحيدية يتبعون: "إن الذين آمنوا والذين هادوا والصائبون والنصارى ومن آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون" (المائدة 69). وتتكرر هذه الآية حرفياً في سورة البقرة: الآية 62، باضافة "فلهم أجرهم عند ربهم". بل ويعد الله السيدَ المسيح، حسب القرآن، أن يجعل اتباعه فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة... (أما مجموعة ما من المتحزبين المتأسلمين في الناصرة، فيعدونهم بجهنم إن لم يستبدلوا تبعيتهم للمسيح): "إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليّ ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة..." (آل عمران 55). و "... أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى..." (المائدة 82).
النقاش ليس فقهياً
ولا لاهوتيا...
بقيت الآيتان التي "عايد" بها الإسلام السياسي مسيحيي الناصرة بمناسبة عيد الميلاد، فقال لهم أنتم مشككون بالله الواحد الأحد، والمسيح ليس ابن الله بل هو بشر مثله مثل آدم وخلقه الله من تراب. يكمن العار والقصد السيء هنا في إقحام النقاش اللاهوتي- الفقهي في معايدة الآخر بدلا من احترام دينه. ومن جهتنا بصفتنا علمانيين وطنيين، نرفض خندقتنا في بوتقة الاختلاف اللاهوتي- الفقهي بخصوص ثنائية الناسوت (من إنسان) واللاهوت (من إله) في شخص المسيح الواحد، وهل المسيحية أم الإسلام هو الأصح بهذا الخصوص. فبين الديانات التوحيدية الثلاث توجد العديد من المواقف المختلف عليها دون تكفير إحداها للدين الآخر، أو التنكر لمئات المواقف المتشابهة إلى حد التطابق أحيانا والإشادة بهذا وإبرازه.
لكن دحضاً لخطأ متداول نقول إن المسيحية لا تقول بوجود ثلاثة من الآلهه، فالله واحد أحد. ولهذا هي دين توحيدي. وعندما تقول المسيحية إن المسيح هو ابن الله، فإنها لا تقصد الأبوة البيولوجية، فالله لا يلد ولا يولد، والله ليس هو ابن مريم البتول. وإنما تقصد أن اللاهوت تجسد ناسوتا بحلول الروح القدس على مريم العذراء بإرادة من الله. وبناء عليه، الله هو واحد أحد تجلى في ثلاثة أقانيم هم الأب والابن والروح القدس.
مسألة "الثالوث" هذه هي أمر إيماني عقائدي، وعصي على الفهم المنطقي والفلسفي العلمي. وعرفت المسيحية في بدايتها فرقا اختلفت وتصارعت بشأن الثالوث، قبل ظهور الإسلام. لكن قام أحد اللاهوتيين القدامى بمحاولة تيسير المسألة من خلال مثال الشمس. فالشمس الواحدة (الله الواحد) تشع حرارة (الروح القدس) ونوراً (السيد المسيح). فالله واحد تجلى في ثلاثة أقانيم كما أن الشمس واحدة تجلت في مظاهرها الثلاثة- قرص الشمس والنور والحرارة.
اقتنع بعضنا أم لم يقتنع بهذا، ماذا يهم الأمر ولماذا يجب أن يمس هذا بالجانب الديني العقائدي والأخلاقي المشترك بين كل الديانات التوحيدية؟ وهل يقتنع كل المسيحيين أصلاً بوجود القرآن منذ الأزل محفوظا على ألواح في السماء السابعة، وأن الرسول أسرى من القدس وعرج على السماء وعاد إلى الجزيرة في يوم واحد؟ وهل يجوز لهم، بسبب عدم قناعتهم بهذا، الطعن بدعوة الرسول وتعاليمه السامية، وتكفير أتباعه؟
يبدأ دستور الإيمان المسيحي الذي يبطل مسيحية المسيحي إن لم يؤمن به، بهذه الكلمات: "أومن بإله واحد ضابط الكل، خالق السماء والأرض وكل ما يُرى وما لا يرى...". ينتبه الفقيه العلامة محمد حسن فضل الله لهذا الدستور، ويقرر كما يقرّ الإسلام أن المسيحية دين توحيدي، لكن أتباعها يفلسفون الأمور ويعقدونها فيقولون: "باسم الأب والابن والروح القدس".
يعرف قادة الإسلام السياسي كل ما أوردناه أعلاه. لكن سبحان الله، لم يجدوا من عشرات الآيات القرآنية التي تشيد بالسيد المسيح ووالدته مريم لمعايدة المسيحين إلا تلك الآيات الخلافية، تفسيراً أو عقائديا. علماً أنه يرد ذكر المسيحية في القرآن في (23) سورة من أصل (114) سورة وفي (127) آية من آياته الـ (6234). ويرد ذكر المسيح بالاسم (10) مرات ومريم العذراء (34) مرة والإنجيل (13) مرة.
إليكم قلة قليلة من تلك الآيات، ونبدأ باعتبار القرآن لمريم العذراء المصطفاة وأطهر نساء العالمين: "وإذا قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين" (آل عمران 42). وهي البتول التي تلد بمشيئة الله لأنه "...يخلق ما يشاء إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون" (آل عمران 47). وهي تلد لأن الله أرسل لها نفخة من روحه "فتمثل لها بشرا سوّيا..." (مريم 16-21). و "مريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا" (التحريم 12). "إنما المسيح عيسى ابن مريم ورسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه..." (النساء 171) وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس" (البقرة 87). و "...اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيّدتك بروح القدس" (المائدة 110). "قل نزله روح القدس من ربك بالحق" (النحل 102). أما المسيح عيسى بن مريم فليس فقط "رسول الله... وروح منه... وكلمته... ومؤيداً بروح القدس... ونزله الروح القدس من الرب بالحق..."- كما قرأنا في الآيات السابقة، وإنما أيضاً هو المقرب والوجيه في الدنيا والآخرة "إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة من اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين" (آل عمران45). " وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا" (مريم 15). نتساءل ألم يكن من الأجدى تعليق إحدى هذه الآيات في ساحة المدينة يوم الميلاد؟ ننتظر الجواب من الإسلام السياسي.
لذلك كله، فإن النقاش ليس نقاشا فقهيا ولاهوتيا، ولا يخص الاختلافات العقائدية بين الاديان، ولا الحوار بين أتباعها. وغني عن البيان أن ساحات المدن وتعليق اللافتات عليها لا تدخل ضمن النقاش والحوار العقائدي. الذي يحدث هو مس بمعتقدات الآخر إلى حد تكفيره، واستيلاء على الحيز العام الجغرافي والاجتماعي والنفسي للمدينة، باسم الدين ومع سبق الإصرار والترصّد. وخلفيته النوايا السيئة والمسيئة للمدينة ولوحدتها. وللرسول نفسه الذي أوصى: "إياك أن تفتن نصرانيا عن نصرانيته"، و "من آذى ذميا فقد آذاني".
مسك الختام
• الدين، أي دين، نقيض للتقوقع والعنصرية والتعصب، ونهي عن المنكر وأمر بالمعروف. المسيحية "بشارة للأمم"، والإسلام "دعوة للعالمين". تحويل الدين إلى طائفة وجعل الطائفة حزباً سياسياً، وإدعاء الحزب عندها أنه قيّم على الدين، يعني ليس فقط "تطييف" (من طائفة) و "تحزيب" الله ورسله، وإنما الاعتداء على الله والأديان والأنبياء والبشر عموماً. والتصدي للأحزاب "الدينية" التي تقوم بهذا، لا يعني التصدي للدين وإنما تحريره من احتلال تلك الأحزاب له.
• لا ينقسم شعبنا بين أقلية وغالبية مسلمة أو مسيحية بل هو بغالبيته المطلقة عربي فلسطيني ذو هوية قومية ووطنية وإنسانية جامعة، على تعدد أديانها وطوائفها. ولا تقطن الناصرة أغلبية أو أقلية مسيحية أو مسلمة، وإنما تقطنها أغلبية عربية مطلقة.
• الناصرة، تاريخيا، هي "مدينة البشارة" – مدينة السيد المسيح ووالدته مريم العذراء. هكذا هي منذ السنة الاولى للميلاد، وهكذا ستبقى إلى دهر الداهرين، حتى لو شكل العرب المسيحيون واحد بالمائة من سكانها فقط. كذلك مكة، تاريخيا، ستبقى مدينة المسلمين المقدسة حتى لو كان تسعة وتسعون بالمائة من سكانها عربا مسيحيين, وهكذا ستبقى إلى يوم الدين. ومن لا يراعي هذا يعتدي على المدينتين وعلى تاريخهما وعلى... الدين.
• الذي يريد خلق هويات طائفية متصارعة لشعبنا، وجرّه نحو قبلية الطوائف وطائفية القبائل وزرع وتسعير الاختلاف والخلاف الديني... يلعب بالنار. وذلك حتى يسيطر هو حزبيا وسياسيا من خلال هويات ابتدعها، ودين هو اغتصبه وشوهه منصّبا نفسه قيّماً عليه وناطقا باسمه. والذي يرد على هذا بالمثل يسكب الكاز على النار نفسها. هكذا لا نحمي الوطن ولا الشعب ولا حتى الذات الفردية لكل منا، عداك عن الذات والهوية الجماعية الجامعة لنا كشعب. فلا يحمي الوطن وأهله إلا الوحدة الوطنية لأبنائه.
• ومن يبتغ غير الوحدة الوطنية نهجاً فلن يُقبل منه، وهو في الدنيا من المفسدين.