مؤتمر تاريخي تناول حكم ظاهر العمر في الجليل في القرن الثامن عشر وذلك في فترة الحكم العثماني وشارك في المؤتمر مجموعة من الباحثين والمؤرخين المتخصصين في تاريخ فلسطين من البلاد وخارجها وكان جمهور هدف المؤتمر أساتذة وطلاب المعهد إضافة الى عدد من المهتمين بالموضوع
عقد مركز أبحاث اللغة، المجتمع والثقافة العربية بالتعاون مع قسم التاريخ في المعهد الأكاديمي العربي للتربية في الكلية الأكاديمية بيت بيرل مؤتمرا تناول حكم ظاهر العمر في الجليل في القرن الثامن عشر(1689-1775) وذلك في فترة الحكم العثماني. وشارك في المؤتمر مجموعة من الباحثين والمؤرخين المتخصصين في تاريخ فلسطين من البلاد وخارجها. وكان جمهور هدف المؤتمر أساتذة وطلاب المعهد، إضافة الى عدد من المهتمين بالموضوع. وفي مقدمته، أشار د. محسن يوسف، رئيس قسم التاريخ في المعهد، إلى أن هذا المؤتمر تاريخي بحد ذاته لأنه يتناول فترة تاريخية هامة، يمكن إعتبارها بداية تاريخ فلسطين المعاصر، حيث أنه الوحيد من الحكام العرب في فلسطين الذي دام حكمه حوالي 75 عاما، إضافة إلى أنه حدث تاريخي فريد من نوعه، حيث أنه وللمرة الأولى يقام مثل هذا المؤتمر في الكلية الأكاديمية بيت بيرل.
وتطرق د. يوسف إلى محطات أساسية في حياة ظاهر العمر الزيداني، وأشار إلى أنه عندما تولى الحكم كان إبن 14- 20 عاما. ومع الوقت بدأ نفوذه يمتد من سهل البطوف جنوبا، حيث بسطه على منطقة مرج بن عامر وطبريا. أما شمالا فقد وصل صفد وغربا إلى عكا وحيفا اللتان قام بإحياءهما من جديد عبر إعمارهما. ومن الأسئلة التي طرحها د. محسن: ما هي سمات ظاهر العمر التي ميّزته عن بقية المشايخ؟ هل هو قائد صحوة عربية في شمال فلسطين؟ وماذا كان همه الأساسي، هل كان جمع الضرائب من السكان مقابل حمايتهم من غزو القبائل البدوية أم أنه كان رحيما بهم ويلبي إحتياجاتهم؟
ظاهر العمر وخطوط الإمبراطورية العثمانية الحمراء
وفي رده على بعض التساؤلات التي طرحها د. محسن، قام د. أحمد جودة، فلسطيني الأصل من أسدود، والذي درّس في العديد من الدول مثل: ليبيا، السعودية وأمريكا. واليوم هو محاضر متقاعد من هيوستن في الولايات المتحدة الأمريكية، بعرض الخطوط الحمراء للإمبراطورية العثمانية التي إجتازها ظاهر العمر، وهي أنه لم يعترف في أواخر عهده بالسلطان العثماني وكان ذلك من خلال عدم ذكر اسمه في دعاء خطبة الجمعة في المناطق التي سيطر عليها حاكم الجليل. كما وأنه لم يلتزم بدفع الضرائب للسلطان وخاصة في السنوات الأخيرة من حكمه. وكان ذلك سببا مباشرا في إرسال السلطان جيشا له لمحاربته. وأما الخط الأحمر الأخير الذي لم يغفره السلطان العثماني فكان تحالفه مع روسيا التي كانت على عداء مع الإمبراطورية العثمانية.
وأضاف د. جودة، أنه على الرغم من عداءه للسلطان، ومحاربته والي لدمشق مرتين وهزيمته له في طبريا، إلا أن ظاهر العمر قد استطاع ان يجلب الإستقرار والأمن في المناطق التي سادها، فمنع قبائل البدو من غزو الفلاحين، فتحسنت الأوضاع الإقتصادية في عهده، وفي ذات الوقت أراد ظاهر العمر أن يحتكر تجارة القطن وبهذا في ألّب عليه منافسين من التجار الفرنسيين في بيروت. إضافة إلى أنه كسب ود الفلاحين والتجار المحليين، فكان لا يثقل الضرائب على الفلاحين وخاصة في مواسم القحط. وأضاف د. جودة أنه من الصعب الحكم على حكم ظاهر العمر على أنه حكم نابع من القومية الفلسطينية كما يحلو للكثير من المؤرخين إعتباره.
بطل محلي أم مصلح إقتصادي؟
وتطرق د. عادل مناع، مؤرخ ورئيس مركز أبحاث اللغة والمجتمع والثقافة العربية في الكلية، إلى السياق السياسي الذي عاشه حكم ظاهر العمر، حيث يمكن أنها كانت في إحدى فترات انحطاطها، إلا أن عمران ظاهر العمر يثبت أن الحديث عن انحطاط الدولة العسكري لا يعني بالضرورة إنحطاطها على جميع المستويات وفي جميع الأماكن. ونوّه د. مناع إلى الحاجة إلى كتابة تاريخية أكاديمية عن ظاهر العمر وليس التعلق بالأيديولوجيات وتسميته بالقومي أو المستقل. فظاهر العمر قد بنى أسسا لحكم مركزي محلي من خلال بناء جيش حديث واستيراد السلاح وأيضا من خلال حركة العمران التي أحياها في شمالي فلسطين وبذلك يمكن إعتباره "محدّثا". واعتبر د. مناع أن العمر قد دخل اللعبة السياسية في وقته وحاول أن يتعامل مع الأعيان في فلسطين حسب مصالحه، فمنهم من هادن، ومنهم من حارب كأعيان نابلس ومنهم قد حاول أن يستميلهم للوساطة بينه وبين السلطان، مثل آلـ الحسيني في القدس، حيث كتب لهم عام 1764 من أجل إقناع السلطان بأنه قادر على حماية غزة إلا أنهم رفضوا ذلك.
وفي محاضرته، تناول د. محمود يزبك، رئيس قسم تاريخ الشرق الأوسط في جامعة حيفا، فترة حكم ظاهر العمر من ناحية إقتصادية، وافترض أن ظاهر العمر قام بمسيرة البناء والعمران في طبريا، الناصرة، عكا وحيفا واستجلاب وجذب أصحاب المهن من اليهود والنصارى وتوطنيهم فيها، من أجل إيجاد سبل تصدير القطن إلى أوروبا، والإلتفاف بذلك على التجار الفرنسيين في بيروت. ومن خلال دعمه للتجار المحليين ودعمهم له فقد إفترض د. يزبك، أن ظاهر العمر قد ساهم ببناء طبقة وسطى فلسطينية محلية ذات وعي وطني.
وفي إجابته على التساؤل: هل ظاهر العمر بطل؟ تحدث د. شكري عرّاف، أستاذ متقاعد متخصص في الجغرافيا من قرية معليا، إلى الحاجة إلى صناعة الأبطال وخاصة في عصرنا الحاضر. فمن خلال تحويله إلى بطل يجري إعادة إحياءه تاريخيا. وناقش د. عراف الإفتراض بأن فلسطين كانت بيضاء بسبب زراعة القطن في عهد ظاهر العمر، مشيرا إلى أن الظروف المناخية للبلاد لا تؤهلها أن تتصدر زراعة القطن مقارنة بمصر.
الخيانة والنهاية
ومن خلال عرض لوحاته، فقد أبرز المهندس زياد أبو السعود الظاهر، أحد أحفاد ظاهر العمر في الناصرة حياة الظاهر الشخصية، فقد تزوج من ست نساء ولدن له ثمانية أولاد وابنتين. إلا أن علاقته بأولاده كانت تتراوح بين مد وجز، فقد كانوا يثورون عليه بين الفينة والأخرى بين السنوات 1751 وحتى 1765. وروى أبو السعود أنه في عام 1775 أرسل السلطان العثماني 11 سفينة من أسطوله لمطالبة ظاهر العمر بدفع 7000 كيس من الذهب، فاستشار الظاهر مستشاره ونائبه إبراهيم آل الصباغ الذي قال له أنه لا توجد أموال في خزائنه، على الرغم من من وجود 40 ألف كيس من الذهب فيها. وعند إقتحام قلعته، هرب ظاهر العمر متجها إلى بيروت، إلا أنه قد أطلق الرصاص عليه من قبل جنديين مرسلين، من قبل قائد جيوشه أحمد آغا الدنكزلي الذي خانه. وبينما تم إرسال رأسه إلى السلطان، فقد دفن جثمان ظاهر العمر في مقبرة المنشية بجانب مقام أبو عتبة في عكا.
نماذج لأعمال ظاهر العمر العمرانية
ثمّ عرض د. جوني منصور خرائط وصورا لتطور حيفا الجديدة التي بناها ظاهر العمر في عام 1761 م على أنقاض حيفا القديمة. كما وعرض تقسيماتها الداخلية وتشكيل الحارات فيها، وبناء الأبراج والسور، بهدف حمايتها وتحويلها إلى مركز تجاري وبهذا ساهم ظاهر العمر في إعادة إحياءها من جديد. وفي دوره فقد عرض د. ناظم الجعبة، رئيس قسم التاريخ في جامعة بير زيت، قرى الكراسي (المراكز الإدارية في العهد العثماني) في جبال فلسطين الوسطى أيام ظاهر العمر مشيرا إلى أن الحديث يدور عن معظم أجزاء الضفة الغربية اليوم، فقد تم بناء 24 قصرا وقلعة، تقوم مؤسسة رواق الفلسطينية اليوم بترميم 15 منها. وأشار الجعبه إلى الحاجة إلى ترميم ما هدم من القلاع والأسوار والمساجد التي بقيت من عهد ظاهر العمر حتى اليوم وذلك من أجل الحفاظ على تاريخ البلاد. وفي الختام شكر بروفيسور محمد أمارة، رئيس الجلسة الختامية، ورئيس قسم اللغة الإنجليزية وآدابها في المعهد الأكاديمي العربي للتربية الحضور من المؤرخين والحاضرين للمؤتمر، مؤكدا على ضروة عقد مثل هذه المؤتمرات لما فيها من توعية الجمهور الفلسطيني والعربي بتاريخه.