"وديع الصافي" الفنان الشامل والصوت والإنسان الاستثنائي، رمز الغناء العربي وصاحب أصفى وأوسع حنجرة على الاطلاق، وصاحب القلب الوديع الأصيل. فأغانيه وألحانه إنْ دلّت فإنها تدلّ على شخصيته الوطنيّة، الكريمة، على حبّه للأرض والنّاس، حبّه للسلام والحُب. فلم يبق شيء في هذا الوجود إلا وتغنّى به وديع الصّافي، فالحديث عن هذا الفنان لا ينتهي ومن يريد أن يتعرّف أكثر فليستمع إلى أغانيه ويقتني كتبًا خُصّصَت لوديع الصافي.
ف”تحية إلى وديع الصافي" حلم راودني منذ زمنٍ بعيد عندما كتبت أشعارًا لهذا الفنّان. وهذه الأشعار ليست سوى القليل القليل مما غرفتُه من حكمته لأكتبها بقلم شرياني وأعيدها بالتالي إلى بحر قلبه. وقد كانت هي الشرارة الأولى لبرنامج "تحيّة إلى وديع الصافي" .
فقصيدة " بعده الجبل جبل" كنتُ قد كتبتها قبل حوالي اثنتي عشرة سنة، ومنذ ذلك الوقت (حين بدأتُ بالعزف معه) وأنا أحلم بأن ألحنها وأقدّمها بحضوره شخصيًّا تقديرًا مني لما قدّمه لنا هذا العملاق. وتوالت الأيام والليالي، ودقّت الساعة وقُدِّمَ هذا البرنامج قبل ثلاث سنوات مع جوقة بيات، حيث تواصلنا والعملاق "وديع الصافي" عبر السكايب وكان عملا ناجحًا. وهنا أودّ أن أشكر أخي وزميلي جميل شوفاني مُتعهّد وسفير وديع الصّافي الذي قدّمَ وما زال يُقدِّم بكلّ محبة وإخلاص. وأخي نبيل خوري صاحب ومدير "نادي وديع الصافي" ونبيل المحبة للعملاق وديع الصافي. فالشكر لهما على مُساندتهما لي وتقبّلهما الفكرة بكل رحابة صدر.
وشاءت الظروف أنْ نعرض هذه التحيّة أمام وديع الصافي شخصيًّا في قاعة "الارينا " جامعة عمان الأهليّة مع جوقة بيات. وكانت ليلة من ليالي العمر، فتميّزت بالأغاني الخاصة.
" بعده الجبل جبل" من كلماتي وألحاني (بطرس خوري) وتوزيع "درويش درويش" صولو "وسام قسيس" وأذكر بأنّها الشّرارة الأولى لهذا الحفل.
وكذلك أغنية " يا صوت ربّاني" كلمات أخي وحبيبي الدكتور " عماد عيلبوني" ألحاني وإعدادي (بطرس خوري) وتوزيع الفنان "سامر بشارة" صولو "رنا خوري"، "بلسم درويش"، "وسام قسيس"، وكان إداء جوقة بيات جميلا ومميّزًا من مُنشدين وصولو وفرقة موسيقيّة.
والتميّز الكبير العظيم الذي لا يوصف عندما اعتلى العملاق "وديع الصافي" خشبة المسرح واحتضن عودَهُ رفيق دربهُ، وبدأ بالإنشاد والغناء، فأحسستُ حينئذٍ أنّ الملائكة ترفرف فوق رأسه والجبال تنحني أمامه، والزهور والأشجار تحيّيه، والفراشات تلعَبُ من حوله، فكلّ هذا صورة من نور من حنجرة هذا العملاق قد راودت خيالي.
فوديع الصافي على المسرح هو كل المسرح وليس جزء منهُ. فمايسترو وديع الصافي هو روحه المبتكرة الباقية. فهو وإن يغني ألحانه آلاف المرّات فيغنيها بألوان مُختلفة وإن دلّ يدلّ على تدفّق أحاسيسه وينابيعه، فعود وديع الصافي بين يديهِ ،وكمان وديع الصافي شريان قلبه، وناي وديع الصافي وريد قلبه، وإيقاعات وديع الصّافي خفقان قلبه، ففي صوته وشخصه كل العائلة الموسيقيّة. وأعتذر من كل الآلات الموسيقيّة فهذه حقيقة.
وديع الصافي لهو خريج جامعة الله عزّ وجل. نعم، فنحن نزداد شرفًا بوديع الصافي عندما نقف على مسرح " وديع الصافي" ونزداد شرفًا بما قدّمنا (نحن) وغرفنا من وبالتالي إلى قلب هذا الفنان. أوجّه كلمة شكر لجوقة بيات وللجمعيّة على احتضانهم للبرنامج الفنّي. وأقدم شكري الخاص جدًّا لأخي الفنّان المُتألق "درويش درويش" قائد الفرقة على تعبه في البرنامج الأوّل واستمراره في البرنامج الثاني، ولأخي الفنان "سامر بشارة" أيضًا مشكور جزيل الشكر. كلمة أخيرة: علينا أن لا ننسى جميعًا فنانين ومجتمع أنَّ الإبداع والابتكار هو مرآة للنفوس والقلب وليس للوجه والجسد وأن نتصوّر ونُصوِّر بعين عدسة الرّوح الباقية، وعدا ذلك فانٍ. ويُراوِدُني قَوْل جمال عبد الناصر الشهير عن وديع الصّافي: " غنّوا كما غنّى وديع الصّافي: للوطن، للأرض والإنسان.
وأختتم مقالتي هذه ببيت شعر بدأتُ به الحفل في قاعة الارينا:
شكرًا إلك يا ربّي عصوت الزّمن الصّافي
عَعُمر عشتُه يا قلبي في زمن وديع الصافي
فعندما يتجلّى وديع الصافي على كُرسيّ مجده كابن تسعين عامًا ويعطي، فهذه بحدِّ ذاتها أعجوبة وأسطورة . أطال الله في عمره. وباسم الشوق والحب والإخلاص لتاريخه وعطائه الفنّي أرى أنَّ تاج الطهر وتاج الصّفاء والوداعة، كان وما زال وسيبقى فوق رأسه إلى أبد الآبدين. وشكرًا وإلى اللقاء في برامج آتية أخرى مميّزة.
المحب الفنان بطرس خوري
موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع على العنوان: alarab@alarab.net