مطانس فرح في مقاله:
إلى أيّ مستوًى يمكن الهبوط بعد لرفع نسبة المشاهدة (الـ«ريتينچ») في «برامج الواقع»؟!
أن يصل الحال بأحد المقتدرين «الكبار» في عالمنا العربيّ للتصويت لـ«معبودته» المفضّلة في برنامَج آراب أيدول بأكثر من مليون دولار فهذا واقع فاق حدّ الواقع
تحتلّ «برامج الواقع» («رياليتي») البعيدة كلّ البُعد عن الواقع شاشات تلفازاتنا، وتسيطر بشكل كبير على حياتنا، وتتحوّل إلى أحاديث شوارعنا، ونقاشات محاضِرنا، وجدل أولادنا، و.. و.. فيُدمن المُشاهِد متابعة تلك البرامج بشكل شبه أعمى، «متمَسمِرًا» قُبالة الشّاشة الفضّيّة، مُتابعًا برنامَجه «الواقعيّ» المفضّل، ومنتظرًا – في الوقت ذاته – بتلهّف، الحلقة القادمة منه.. وهكذا دواليك، لاهثًا وراءَ «معبوده» في «برنامَج واقع» غير واقعيّ. تتنوّع «برامج الواقع» المعروضة على القنوات العبريّة والعربيّة المختلفة، والّتي يختلف عرضها ومضمونها من قناة إلى أخرى، ولكن يجمعها الاستنساخ الأعمى عن الأصل «الأجنبيّ»، الّذي غالبًا ما يكون أمريكيًّا أو بريطانيًّا.
تيار جارف
يبيعوننا في غالبيّة برامجهم «الواقعيّة»، «أوهامًا» و«سخافات» عديدة، يصدّقها جزؤنا الأكبر وينجرف وراءَها مع التيّار الجارف. فيدخل «الساكن» المجهول الهُويّة، مثلًا، إلى بيت «الأخ الكبير» «هَأَخ هَچَدول»، فارغًا من أيّ مضمون ثقافيّ أو رسالة اجتماعيّة، ليتحوّل بين عشيّة وضُحاها إلى («سِلِبّ») – نجم مشهور من الدرجة الأولى، جارفًا وراءَه أو جارفةً وراءَها مئات ألوف «المجانين»، أو أكثر.. لتجده، بعدها، نجمًا تلفزيونيًّا يقدّم برنامَجًا خاليًا – على الأغلب، هو الآخر – من أيّ فحوى أو فائدة تُذكر، سوى انجراف «مجانين» مقدِّمه وانجرارهم وراء معبودهم، أينما حلّ وأينما وُجد. إلى أيّ مستوًى يمكن الهبوط بعد، لرفع نسبة المشاهدة (الـ«ريتينچ») في «برامج الواقع»؟! فهل، فعلًا، «جميلات» برنامَج «الجميلة و«الفقراوي»» – «هيَفّه ڤهحنون» مثلًا، حمقاوات إلى هذه الدرجة؟!
نزاعات
فمِن خلال مشاهدتي لإعلانات المقدّمة الدعائيّة (الـ«پرومو») للبرنامَج ذاته، عجبت من أنّ إحدى «الجميلات» – أو لنقل الحمقاوات – لم تعلم أنّ القدس («يروشلايم») عاصمة دولتها إسرائيل(!!!) أيُعقل هذا؟! وأطفال الشعب اليهوديّ يرضعون في حليب أمّهاتهم تلك المعلومة..! يَربون ليل نهار على أنّ القدس عاصمة أبديّة للدولة اليهوديّة..! كيف لا تعرف «جميلتنا» الجواب، واسم «يروشلايم» وما يحيطها من نزاعات يتصدّر – بشكل شبه يوميّ – العناوين في الصحف ونشرات الأخبار ومواقع الشبكة العنكبوتيّة (الـ«إنترنت»)، فلا شكّ أنّها سمعت يومًا ما – إن لم تعرف القراءة – أو قرأت – إن لم تعرف الاستماع جيّدًا – عن عاصمة دولتها!! فلا أعتقد أنّ الجميلات حمقاوات إلى هذه الدرجة، ولكنّي متأكّد من أنّ الأشدّ حمقًا منهنّ هو مَن يتابعهنّ ويصدّق حماقتهنّ(!).
صراع البقاء
أمّا بخصوص برنامَج «صراع البقاء» – «هيسردوت» ومستواه، فحدّث ولا حرج؛ فرغم أنّه خالٍ هو الآخر من أيّ فحوى أو مغزى أو مضمون، سوى المستوى الهابط، والعلاقات اللا-إنسانيّة واللا-أخلاقيّة الّتي يسوّقها، تجد غالبيّة المشاهدين يتابعونه، الصغير منهم قبل الكبير؛ ليحتلّ «نجومه»، لاحقًا، الشّاشات ويسيطرون على البرامج فيها، أيضًا(!!). هذا غيض من فيض، عن برامج «واقعيّة»، قسم منها دخل غرف النوم واقتحم حرُماتها(!!)؛ فبات مؤكّدًا أنّ هناك اتفاقيّات مسبّقة بين المشاركين فيها والمنتجين، ووعودًا بإنتاجات خاصّة لبعض المشاركين، طالما أنّهم «يزوّدون» البرنامَج بواقع «ملعوب» يهدف إلى رفع نسبة المشاهدة (الـ«ريتينچ»)، وشدّ المشاهد لمتابعة حلقات البرنامَج حتّى النهاية، وإرغامه على التصويت وإرسال الرسائل النصّيّة القصيرة («إس.إم.إس.») إلى معبوده المفضلّ، ليضمن المنتجون بذلك تغطية مصاريف برنامَجهم، وجني الأموال(!!)؛ إنّه واقع تسويقيّ – تجاريّ بحت.. لا أكثر ولا أقلّ.
برامج الواقع
وفي سياق متّصل، لا أستثني في مقالتي «برامج الواقع» المعروضة على شاشاتنا العربيّة الفضّيّة، والّتي تشدّ إليها ملايين العرب، صغارًا وكبارًا؛ ولكن أن يصل الحال بأحد المقتدرين «الكبار» في عالمنا العربيّ للتصويت لـ«معبودته» المفضّلة في برنامَج «معبود الجماهير» («آراب أيدول» - Arab Idol) – كما جاء عبر بعض مواقع الشبكة العنكبوتيّة – بأكثر من مليون دولار.. فهذا واقع فاق حدّ الواقع؛ فأيّ حكم سماويّ يرضى بذلك؟ وأيّ عقل بشريّ يستوعبه؟!.. وأطفالنا في فِلَسطين ينتظرون النَّزْر اليسير من تلك الدولارات المهدورة، والّتي قد تساعد في تطبيب جروحهم وحصولهم على لقمة عيش تضمن استمراريّة بقائهم ونضالهم في أرضهم، أرض الواقع.
ارحمونا
فارحمونا من جميع «برامج الواقع» هذه، الّتي تملأ ساعات «فراغنا» ببرامج هدفها الوحيد هو الربح وجني الأموال فقط، فلا هي هادفة ولا واقعيّة!.. وعودوا بنا إلى الواقع.
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net