أحمد عبدالله في مقاله:

هناك صفقات من خلال تسريبات لمعلومات في أوقات معينة لوسيلة إعلام معينة لأهداف معينة وغالبا ما يكون الصحافي طرفا في الصفقة

في مصر أجهزة أمنية تتنافس في الحصول على السلطة والنفوذ وتحاول أن تروج لمصالحها عبر سلسلة من الأعمال والعملاء

ما مدى تأثير نشر تلك الوثائق والصور المزعومة على الرأي العام قبل ساعات من النطق بالحكم على مبارك ورجاله وقبل نحو عشرين يوما على الجولة الأخيرة للانتخابات الرئاسية إذا اكتملت؟

المتابع للإعلام في مصر يعرف أنه ليس هناك ما يعرف بـ "السبق الصحافي" المهني الموضوعي، الذي يكون هدفه المصلحة العامة. هناك لعبة تتحكم في خيوطها مؤسسات الدولة، أهمها المؤسسات الأمنية بكل أنواعها.. هناك صفقات يتم من خلالها تسريبات لمعلومات في أوقات معينة لوسيلة إعلام معينة لأهداف معينة، وغالبا ما يكون الصحافي طرفا في الصفقة.

يوميات مبارك في الحبس
هدف الجهة الأمنية صاحبة السبق يشمل التأثير على الناس سلبا أو إيجابا أو تضليل الناس أو التمهيد لاتخاذ قرار مغاير للرأي العام أو تشتيت انتباه الرأي العام أو استدرار مشاعر الأغلبية الصامتة أو جس نبض رد فعل الشارع لقرار أو موقف معين، إلخ.. إن توقيت نشر صحيفة "الوطن" المصرية الجديدة "يوميات مبارك في الحبس..." توقيت يدعو إلى التساؤل، وليس من قبيل الصدفة أو عبقرية العمل الصحافي أن تأتي صحيفة "مصرية" بهذا السبق في هذا الوقت! وعلينا أن نتخيل مَن الشخص الملاصق للرئيس السابق!!"، وكيف سمح له بتصوير وتسجيل تلك المحادثات خلال فترة زمنية طويلة، بدءا من أغسطس عام 2011 ثم ينشرها من خلال الصحيفة المذكورة في هذا التوقيت؟ هل يمكن ألا تعرف أجهزة الأمن والاستخبارات من هذا الشخص "الملاصق"؟ أليس هذا عبثا بعقول الناس واستمرارا لسياسة الاستخفاف بالمصريين؟ هل "نجحت الصحيفة في الوصول إلى إجابات موثقة بالصوت والصورة واخترقت الحصار المنيع المفروض على المركز الطبي العالمي..." كما تقول، أم أنها تساهم في عمل أكبر من أن يقال عنه "سبق صحافي"؟

الصوت والصورة
لماذا لم تكشف تلك الصحيفة "حديثة العهد بطاقم تحريري قديم" أو أي من الإعلاميين الأبرار، المحترمين منهم والنصّابين حقيقة تفجيرات كنيسة القديسين في الإسكندرية في 1 يناير 2011 "بالصوت والصورة"؟ لماذا لم يكشف المصدر الاستخباراتي صاحب السبق الصحافي من كان وراء موقعة الجمل وإرسال البلطجية لقتل وإرهاب شباب أبرياء بـ "الصوت والصورة" رغم معرفتهم بكل التفاصيل وانتشار عملائهم في كل مكان وفي ميدان التحرير خصوصا؟ لماذا لم يكشف المصدر نفسه حقيقة صفقة المنظمات المدنية الأمريكية "بالصوت والصورة"؟!! ببساطة لأن "المصدر الملاصق للرئيس السابق" لا ينشر إلا ما يريد في الوقت الذي يريده لأهداف يعرفها هو ورؤساؤه...! والصحيفة تهلل فرحاً بـ"السبق الصحافي".. والناس تتعاطف وتتشرذم وتنتقد وتنقسم وتحية للشعب المصري الأصيل!

أناس شرفاء
إن في مصر أجهزة أمنية تتنافس في الحصول على السلطة والنفوذ، وتحاول أن تروج لمصالحها عبر سلسلة من الأعمال والعملاء لكن هل تتماشى أفعالهم مع مصلحة الوطن؟ لا يمنع هذا من وجود أناس شرفاء محترمين في تلك المؤسسات يحاولون كبح جماح الطمع والغرور والعناد والفساد والسلطة المطلقة! السؤال الذي يفرض نفسه هنا: ما مدى تأثير نشر تلك الوثائق والصور المزعومة على الرأي العام قبل ساعات من النطق بالحكم على مبارك ورجاله وقبل نحو عشرين يوما على الجولة الأخيرة للانتخابات الرئاسية إذا اكتملت؟

التعاطف والتعجب
السيناريو في مجمله بصوره وعباراته وجمله يثير التعاطف والتعجب، وكثيرا من علامات الاستفهام فمثلا نقرأ عن "صفعة سوزان للممرضة"، وفي الوقت نفسه أحد ضباط الأمن يذكرها بأن الوضع الآن تغير.. ثم نقرأ بالتفصيل دفاع مبارك عن نفسه بخصوص صفقة الغاز لإسرائيل.. ثم نجد مبارك يهتم عند لقائه جمال وعلاء بسؤالهما أولا عن "حلاقهم"، أما العادلي فنقرأ عن ضحكاته مع "الريس"، ثم دفاعه عن نفسه في موضوع القناصة وأن كثيرين ممن قتلوا أثناء الثورة ماتوا في حوادث لكنهم ادعوا أنهم ماتوا بسبب رصاص الشرطة أمام الأقسام قائلا إنه لو ضابط برشاش كان من الممكن أن يقتل ألف واحد ثم الأحاديث أثناء استراحة مبارك ونرى صورا له مع أولاده والعادلي وعلى السرير ثم الضحك عن التعويضات المطلوبة من وزير الداخلية السابق بسبب قطع الاتصالات والدكتور أحمد نظيف.

عطف الشعب
صور وتفاصيل تدعو إلى التساؤل بخصوص "المصدر الملاصق للرئيس السابق".. والأهم في دراما السيناريو الذي كتب بذكاء يهدف في النهاية إلى استدرار عطف الشعب هو مشاعر مبارك عندما شاهد مقتل القذافي وبكائه عندما سمع بالمطالبة بإعدامه ونقله إلى مستشفى سجن طرة.. ثم استخفافه بعمر موسى مرشحا رئاسيا واستهجانه واندهاشه من فوز الإخوان وإعجابه بالفريق أحمد شفيق، وهنا مربط فرس "السبق الصحافي" للمصدر أو هكذا يبدو! لو صح ما نشر فإن لـ "السبق الصحافي" و "الشخص الملاصق" علامة استفهام كبيرة جدا! إن من حق أي وسيلة إعلام مرئية أو مكتوبة أن تحصل على سبق صحافي وتسبق الآخرين وتحصل على مشاهدة أكثر وتحصل على إعلانات أكثر، لكن لا يجب عليها أن تكون أداة في يد أجهزة معينة تفعل ما تريد في شعب حقا لا يزال "مسكينا وأميا، وعاطفيا!". فهل يتم الإعداد والاستعداد الآن لبراءة مبارك واعتلاء شفيق كرسي الحكم والويل كل الويل للثوار.. ثوار.. عفوا هل كانت هناك ثورة!

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net