الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 15 / نوفمبر 03:02

خلف نافذتي!-الجزء الاول/ بقلم: أشرف هاني الياس

كل العرب
نُشر: 01/06/12 12:08,  حُتلن: 17:49

 خلف نافذتي "الجزء الاول"

> يحلو أن أزركش القرطاس والوّنة بهمسات الافكار ونُسيمات الايقاع والحان الشّمم ، فعندما تتزاحم الكلمات في مخيلتي وتهبّ في مهبّ الرّيح تتمايل الحروف فوق الاوراق ناصعة البياض،مُكلّلة بقطرات الندى التي تتراقص وتتناثر محاولة ان تترك وراءها عبقًا من الحبق المدلّى الحزين ، متأثرةً بزمن يحمل في طيّاتة الكثير من التساؤلات،متعطِّشًا للدماء, مضطربًا وحزينًا وخجولاً من لحن وآيات السماء,وإذا ما أخذنا الفكر إلى خارج حدود حرفنا ومجازنا العربيّ أخذنا العجب العٌجاب اكثر مما نحن فيه من مصائب ومآسٍ تهزُّ كياننا وانسانيتنا. فالمتتّبع لهذا العالم يرى الفسا د متجذّرًا في اركان هذه الارض ، ويلاحظ ان الايدي القابضة على الحياة يجلعونها خاضعة لأهواء ومقاييس أشدّ مكرًا وضبابيةً من ايّ شيء آخر,قد يصاب المرء بإحباط عنيف فيركن إلى فسحة من التأمل يستظلّ تحت كنفها ،وقد يسعفه الحظّ في تجاوز تلك الصدمة وقد لا يسعفه فتؤول عندئذٍ حالته الى الكآبة العميقة التي تثبط إرادته وإيمانه بإنسانيته على تجاوز هذه المحنة القاسية على الضمائر والوجدان . تر ى ماذا يحدث ؟! وهل فعلا وصلت الحالة الإنسانية إلى هذا المستوى من الانحدار ؟
> اقف متأمّلا كما شمـعة الرقـراق الخاشعـة،وتروح تتجلّى في اعماقي كلمات صامتة ومنحنية العنق أجلالاً لشعر كلاسكيٍّ حديث ينعى ما تبقّى من هذه الحياة ، فتتحرّك الاشياء في داخلي وتجعلني ابحث في غياهب هذه الدنيا عن اشياءَ اكثر بساطة واقل تعقيدًا ، فألجأ الى اقلامي المتنافرة، النازفة ، لعلّي احاول انقاذ عالمي وما تبقّى من هذا الزمن الأرعن ، فأضع لمساتي هنا وبصماتي هناك جاهدًا في أن اعدّل الصورة حتى لو في ذهني ، فتتراكض وتتسارع الكلمات فوق معلقاتي …. وأبصر فوق حاجبيها المتصلين ،فأرى الضّمة تختنق نظر اتها، وتنبري ملامحها تتعثر بغصّة الأحزان المجاهرة ، وابصر الكسرة مبلّلة بعرق سكب من شذرات هذه الحياة ،اما الفتحة فأنا أشرف شخصيًا اتفاءل بها ، فتتزين بمـاء الرائـيِّ على أعتـابها ابتهل لعل من خلالها ينبثق الامل في عالمنا من جديد ، فتتخطّى مجموعتي الجديدة "من خلف نافذتي كل آمالي" لتكون اثيرًا من خلاله احاكي وقائع حقيقية اجتماعية منها أو ثقافية شهدت حياتي لها، فتركت بي اثرًا يعانقني طوال هذه الحياه ، فيكون نجاحي وتكون لذتي واكتفائي أن اعبر عنها بطريقتي الخاصة ,وان امتّعكم واشارككم واجعلكم تتساءلون وتفكرون وتعقبون وتكون الكلمة بالنسبة لكم مثل السّحر، عندما يمسك بك ويشدّك من أول سطر في قصة أو رواية أو بيت شعر ،ولا يتركك إلا وأنت عطش لقراءة المزيد منها مهما كلّفك ذلك من وقت وثمن، فعندها تكون مجموعتي قد اوصلت فكرتها وحقّقت هدفها. 

أطفال الحاويات

> أخذت حقيبتي الصغيرة.. وضعت فيها كتبي الثقيلة التي هربت بها.. أوراقي.. ولوحاتي.. مددت يدي بثقل لأفتح الباب.. فتتسمر يدي , فتج دني مفكراً ومتأملا لعلي قد نسيت شيئاً !!!! نعم قليل من الماء , أن الجو حار في الخارج , انة ليوم رائع تتخالط بة النسمات الفرحة مع أشعة الشمس المنحدره على أرصفتها المزينة بشلال من الاصفرار شبة مرئي , وتتخيل الارض مجموعة من الشموع المصطفة الواحده تلو الاخرى , فتداعبك تلك النسمات الرطبة لتتلامس مع بشرتك فتعطيك راحة مسكونة عظيمة تنساب في اركان الجسد .... وها انا لأجد نفسي في نهاية الشارع متوجههً كعادتي الى جامعتي , وفي منتصف احدى الطرق الفرعية العتيقة والشبة فارغة ,مررت بالقرب من احدى حاويات القمامة المركونة جانباً فلفتَ انتباهي صوتاً خافتاً مخنوقاً حزيناً ... ولكن المكان خال..لا صوت يسمع في الشّارع و لا حركة.. كيف يمكن أن يكون هناك أحد؟؟
> تسربلت افكاري في بهو مخيلتي وتفتت كل امالي في لحظات وثوانٍ , رأس صغير شبة ظاهر , وشعر بني فاتح يتراقص مع هبوب كل نسمة من نسمات الحرية المزيفة , صراحةً للوهلة الاولى لم اصدق ما ارى ولكن فضولي كان قوياً لدرجة انني قررت اللقاء نظره في داخل هذه الحاوية , اقتربت رويداً رويداً واذا بطفل صغير لا يتجاوز الث الثة عشر , شاحب الوجة ذو عينان جامدتان سرق الجوع والليل الخالي انوارهما , تدمع ألما ً من الروائح المنبعثة من تلكَ الحاويات ، وثياب ٍ ليس بينها وبين النظافة ِ أية مـصالحة ، ونفوس ٍ تشعر بـــ " نظرة ٍ دونيـة ٍللذات , طفل صغير يبحثُ عن فتات خبز بين اكياس متعفنة مليئة بالجراثيم , اشعر بحاجة ماسة للصراخ الان , تأخذني الأفكار بعيداً..لم أعد أقدر على مقاومة هذا الغيث من الكلمات، الذي يثير الصداع في رأسي , فنحن في القرن الواحد والعشرين وفي عام 2012 تحديدا وفي عصر "التاتش" , اهل من المعقول ما رأيت ؟ اهل هذا طبيعي ؟ فواجبنا ان نعود هنا الى قيمة الانسان وقد انحدرت منذ القدم، فاستقوى العرف "الاشياء المتعارف عنها" على كل شيء على والفكر والحرية، وطال الخلجات النفسية واسلوب التعبير عن المشاعر والوجدان , فنحن كثيرا ما نلقي باللوم في تردي اوضاعنا على أهل السياسة، لكننا نجهل ان هؤلاء السياسيين جميعا لم يخترعوا شعوبا خانعة خائفة وأفرادا ذليلين , فقد تعاطوا مع واقع قائم لا مكان فيه للانسان الا ضمن ما ينسج حوله من اطار مقيد وتعاليم دينية أفرغت من مضمونها، ففقدت روحها وفقدت غايت ها ....وهذا لا يجعلني ان لا القي اصابع الاتهام نحو الاغنياء والرأس مالية والسياسات المفقره للشعوب والعولمة المميتة, ولكن تخيلوا يا اخوتي كم هو مؤلم حين يتردى الوضع المعيشي لهذا الانحطاط.. وما أشد اللحظة التي تجعل أطفالاً بعمر الزهور يريقون ماء وجوههم على أرصفة بلادهم وعالمهم , فما اقسى ان تجد عالماً يمنحك الفقر والجوع ويسلب كرامتك وطفولتك المنسية اصلاً , لتكون نكره في كل الحالات , أسمعوني اصواتكم وتعقيباتكم يا احبائي وشاركوني بعزائكم لطفولة هؤلاء , فأن مجتمعات هذا العالم على حد سواء , لم ت عد فيه ما يسمى الطبقة الوسطى .. فقد ذابت هذه الطبقة وسط هذا العالم الذي أحرق إنسانيتها.. وباتت طبقتان سائدتان .. هي الفقر المدقع.. والثراء الفاحش.
> لقد أضعت أيامي،و ذاكرتي المشوشة تؤلمني، تعيدني إلى الماضي، بت لا أستطيع المكوث في ذاك المكان ، تحولت إلى متسكع بين البحر والشوارع ، شعرت باليأس يغزوني، ولكن فجأة قررت إنهاء تشردي والعودة إلى جامعتي ....
 
انتهى 
 

موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة

.