لا أخفي عليكم ان شعوراً مليئاً بالانفعال والترقب قد انتابني منذ قراري السفر الى برلين في رحلة عائليه . هذا الشعور الذي الم بي لم يكن لانها المرة الاولى التي أزور فيها برلين فحسب, بل لمعرفتي المسبقه انها مدينه عريقه مليئه بالاحداث التاريخيه. كيف لا وهي المدينه التي انطلقت منها آلة الدمار الفاشيه في نهاية الثلاثينات من القرن الماضي وبدأت الحرب العالمية الثانية , هذه الحرب التي استمرت سنوات عديده وأودت بحياة عشرات الملايين من البشر. هذه المدينه التي وضعت فيها الحرب أوزارها بسقوط الرايخستاغ والقضاء على النازيه.
حين تتجول في برلين لا يسعك سوى ان تتذكر كل هذه الاحداث . بالطبع تتذكر اهوال الحرب والاباده الجماعية والتصفيه العرقيه . تتذكر قتل الابرياء ومآسي الناس. في نفس الوقت انت تشهد ما آلت اليه حقيقة ما بعد الحرب. فبعد سقوط برلين مباشرة شهدت بوتسدام في قصرها الشهير "مؤتمر بوتسدام" هذا المؤتمر الذي حضره زعماء الاتحاد السوفيتي وبريطانيا والولايات المتحده الامريكيه مع تمثيل لفرنسا . في هذا المؤتمر بدأت عملياً الحرب الباردة وتم تقسيم اوروبا الى معسكرين : الاول رأسمالي موالي للولايات المتحده الامريكيه وبريطانيا والثاني اشتراكي موالي للاتحاد السوفيتي . اما التقسيم الأصعب والأكثر قساوة كان تقسيم مدينة برلين الى شطرين: الاول شرقي موالي للمعسكر الاشتراكي والثاني موالي للمعسكر الغربي.
حين تتجول في برلين تشاهد بأم عينك آثار هذا الانقسام . تشاهد ما تبقى من سور برلين الشهير الذي فصل بين شطري المدينه والذي تم هدمه يوم توحيد المدينه سنة 1989 . وتشاهد الشيك بوينت "تشارلي" , نقطة العبور بين المدينتين وترى بوابة بولدنبورغ الشهيره التي كانت تفصل بين شطري المدينه وتسمع من المضيفين الالمان عن تشريد العائلات حيث ان العديد من العائلات كانت منقسمه نصفها يسكن في الشطر الشرقي من المدينه بينما يقطن النصف الآخر الشطر الغربي , والأنكى انه كانت تمنع الزيارات بحريه حيث لا تمنح تأشيرات دخول . وتسمع عن البنادق الاوتوماتيكيه التي تطلق النار بشكل فوري ودون سابق انذار على اي شخص يحاول العبور (او الهرب حسب منطقهم) من احد شطري المدينه الى الآخر.
حين تتجول في برلين لا بد ان تتذكر كل تلك الانقسامات والاصطفافات في العالم التي كانت قبل الحرب والاخرى التي نتجت عنها . ولا بد ان تتذكر سياسة القطبين والحرب البارده ونتساءل هل من عوده لتلك الفتره؟ لكنك حين ترى شعباً المانياً موحداً نشيطاً , مهذباً ولطيفاً, شعباً حضارياً يعيش بهدوء وطمأنينه ويحب الحياة , سرعان ما تدرك اننا نعيش مرحلة جديده أبرز ما يميزها الانقسام بين الدكتاتوريه والقمع والاستبداد من جهه وبين الديمقراطيه والحريه والعداله الاجتماعية من جهة اخرى. وسرعان ما تدرك ان الانسانية والديمقراطيه يجب ان تحتل المكان الأول في محموعة قيمنا.
باعتقادي هنالك حاجة ماسه لاجراء تغيير جذري واحداث انقلاب في مفاهيمنا القديمه كي نفهم اهمية وماهية المرحله الجديدة.
موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع على العنوان:alarab@alarab.net