أفاق أبو أحمد من تخيلاته وقام بإغلاق البوم الصور مغلقًا بذلك أجمل الذكريات التي طالما حلم أن تعود إليه مرة أخرى "ولكن .... هيهات متى ستعود؟" قال أبو أحمد متنهدًا. "ابني أحمد مشغول طوال الوقت مع أسرته وفي عمله ولم أعد ...أراه في الأسبوع إلا مرة واحدة وابنتي سمر سافرت هي وزوجها وابنتها أما محمد وإيمان فهما يدرسان طوال الوقت ولا يوجد.. لا مجال للتحدث معهم حديث الأب لأبنائه."
"أحس وكأنني أصبحت عبئًا على هذه الدنيا! ليس لي أي نفع وكما إنني متقاعد ليس لي عمل أعتاش منه وأسلي نفسي به ليس هناك هدف أعيش لأحققه فقد حققت ما أرغب به في وقت قصير لا يتعدى السنوات."
" إن كل ما حولي جماد لا يتحرك، ولا يشعر لا أجد من أتحدث إليه لا صديق، لا زوجة، وأولادي دائمًا مشغولون في هموم الدنيا التي لا تنتهي أبدًا".
وفي اليوم التالي قرر أبو أحمد الخروج من سجنه بعد المكوث به لسنوات فذهب إلى الحديقة القريبة إنها تجمع بين جميع أفراد المجتمع. ولأول مرة منذ فترة بعيدة أحس أن الدنيا مقبلة نحوه فكل شيء في الحديقة مهما كان صغيرًا ينبض بالحياة ويوحي باستمراريتها رغم كل شيء.
ها هو الشيخ الكبير يلاعب حفيده الموجود في عربته، وهاهي الفتاة تركض بين الأشجار متأملة ما فيها من جمال رباني، وحتى الأسماك التي في البحيرة تضرب بذيلها على صفحة الماء ، مهللة بقدوم الربيع! ذلك الفصل الذي يعيد الحياة إلى ما كانت عليه من جمال وأناقة لا حدود لهما.
ويرجع الرجل إلى يأسه مرة أخرى "ولكن مع من سأتكلم أنا أخجل من الاقتراب من أي أحد ربما يعتقد إنني متطفل ويُفهم قصدي خطأ! ماذا أفعل؟! ماذا أفعل؟ لا أدري!
عندها أحس بيد تلمس كتفه فالتفت خلفه واذا به رجل يبلغ الستين من العمر فبادره قائلا : "لقد سمعتك عن غير قصد مني وأنت تكلم نفسك ، لقد كنت مثلك مترددًا لا أملك الشجاعة للاقتراب من أي أحد بعد ابتعاد زوجتي وأولادي عني، بقيت وحيدًا حزينا أحب الانطواء وعدم الاقتراب من أي أحد حتى لو كان طفلا صغيرًا . ومرة استلقيت على سريري كالمعتاد فسمعت صوتًا يرن في أذني ويردد تلك الجملة: "ما يغلق الله بابا إلا وفتح دون الباب أبوابا". وعندها وكأن أبواب السماء قد فتحت لي وقررت القدوم إلى هذه الحديقة وتكلمت مع جميع أفرادها"
وأكمل الرجل قائلا: "انتقلت من اليأس من الحياة إلى التفاؤل بها وإقبالها عليَّ يزيدني أملا يومًا بعد يوم وأحس أن هذا اليوم أفضل من سابقه. تعلم من تجربتي ألّا نلوم الحياة على خذلانها لأننا لا نستطيع أن نغير شيئا من القدر، إلا إذا كنا على درجة كبيرة من التفاؤل ربما نغير الكثير وتذكر دائمًا "تفاءلوا بالخير تجدوه". وذهب الرجل الستيني تاركًا أبا أحمد يفكر في تلك الجمل التي قالها له.
وفجأة عاد كل شيء إلى طبيعته فألقى أبو أحمد باليأس جانبًا والتقط الحياة بكلتا يديه وقرر المحافظة على ابتسامته المسلوبة التي ما فارقت ثغره يومًا في الماضي "لأن الله سيفرجها عليّ " هكذا قال في قرارة نفسه
نظر أبو أحمد إلى جميع من في الحديقة وكأنهم يبتسمون له، فترد إليه الروح وقطع على نفسه عهدًا: "سآتي إلى الحديقة كل يوم لأنها تعطيني أجمل اللحظات التي لم أعشها منذ زمن بعيد".
عاد الرجل إلى بيته البائس وما إن فتح الباب حتى استقبله ابناه إيمان ومحمد . قالت له إيمان : "لدينا بشرى لك يا أبي.. لقد نجحنا في جميع امتحاناتنا!.. وبشرى أخرى: عائلة أخي أحمد وعائلة أختي سمر سيأتون للمبيت عندنا أسبوع كامل، ما رأيك بهذا الخبر؟" فتهلل وجه الأب بقوله: "الحمد لله".
موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع على العنوان:alarab@alarab.net