جاء في مقال د.سامي ميعاري:
الوسط العربي يسجل أرقاماً مروعة في هذا الجانب تستوقف المتدبّر وتُملي عليه أن يبحث في الدوافع والأسباب من أجل أن يجد طرق الحلّ والمعالجة
معدل جرائم القتل في الوسط العربي وصلت إلى مستوى( قتيل في كل يوم) وهذه النسبة تدفع إلى دقّ ناقوس الخطر خوفاً من ازديادها في السنوات المقبلة
كثرة المشاكل الاقتصادية تثقل كاهل المجتمع وتزيد من توترات الأفراد والفلتان السلوكي وعند البحث في تأثير الاقتصاد على العنف فإن هذا التوجه لا يعني مطلقاً أنني أجد تبريراً للعنف أو أتفهم مثل هذا السلوك أو أُبرّر لأحد هذه الأفعال
نحن كأقلية عربية في الداخل ومنذ 1948 نعاني من التمييز على المستوى الاقتصادي وهذا التمييز يتمثل في صور متعددة كالبطالة والفقر ووضع السلطات المحلية والمدارس والمناطق الصناعية مقارنة بالاقتصاد اليهودي المتطور الحديث
خلق الله الإنسان لأهداف سامية وقيم نبيلة، في مقدمتها إعمار الأرض بالحق والعدل، ومن أجل تمكين الإنسان من القيام بهذه المهمة كرّمه الله عن سائر المخلوقات بالعقل والقدرة على التعبير والقدرة على التطوّر، فأرسل الرّسل وبعث النبيين وأنزل الكتب السماوية وسنّ الشرائع ضمن منظومة قيم فريدة تؤسس لحضارة راقية وحياة فضلى وعلاقات متوازنة بين البشر، فقال تعالى: "وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا". قرآن كريم.
قتيل في كل يوم!
ولكنّ بعض النّاس يديرون ظهورهم لوظيفتهم الأساسية، ويسلكون سلوكاً مُغايراً لما يجب أن يكونوا عليه، فتجدهم في واد آخر، يمارسون العنف ويتخذونه وسيلتهم الممكنة... ولعل أقسى صور العنف الذي نتناوله في هذا المقال هو جريمة القتل. فالوسط العربي يسجل أرقاماً مروعة في هذا الجانب، تستوقف المتدبّر وتُملي عليه أن يبحث في الدوافع والأسباب من أجل أن يجد طرق الحلّ والمعالجة. فمعدل جرائم القتل في الوسط العربي وصلت إلى مستوى( قتيل في كل يوم)... وهذه النسبة تدفع إلى دقّ ناقوس الخطر خوفاً من ازديادها في السنوات المقبلة، لأن العنف يؤدي إلى عنف مقابل، وتظل مجموعة من الأسئلة مهيمنة على السياق: من القاتل؟ ولماذا قتل؟ وكيف نستطيع منع غيره من القتل؟ من؟ .... ولماذا؟ ... وكيف؟
فلتان سلوكي
إنّ هذه المعطيات المثيرة تقودنا إلى البحث في دائرة الحالة الاقتصادية، لأن العامل الاقتصادي له دور كبير في رسم آفاق مصير الشعوب وشخصية كل شعب، ويتحكم في توجهات الفرد والمجتمع وهذا يعني أن له دوراً هاماً في توجيه دوافع العنف فكثرة المشاكل الاقتصادية تثقل كاهل المجتمع وتزيد من توترات الأفراد والفلتان السلوكي. وعند البحث في تأثير الاقتصاد على العنف فإن هذا التوجه لا يعني مطلقاً أنني أجد تبريراً للعنف أو أتفهم مثل هذا السلوك أو أُبرّر لأحد هذه الأفعال.. لكنه واقع نعيشه وعلينا أن نغوص في دوافعه لعلنا نضع فرضية وتوصية تخفف من وطأته علينا وتحد من نمائه.
البطالة والفقر
ففي مقدمة الدوافع الاقتصادية المطروحة للبحث في إطار العنف دافع البطالة. والسؤال الجدلي القائم والحاضر هو: من ينتج من؟ هل البطالة تنتج العنف؟ أم أن العنف ينتج البطالة؟ نحن كأقلية عربية في الداخل ومنذ 1948 نعاني من التمييز على المستوى الاقتصادي وهذا التمييز يتمثل في صور متعددة : كالبطالة والفقر ووضع السلطات المحلية والمدارس والمناطق الصناعية .... مقارنة بالاقتصاد اليهودي المتطور الحديث. في اعتقادي أن لهذه المؤشرات تأثيراً مباشراً على الفرد العربي ومستوى العنف داخل المجتمع العربي، إذ ليس من قبيل الصدفة أن قائمة البطالة والفقر تستحوذ على المشهد العربي وكذلك الجريمة والعنف مستشريان في الوسط العربي... لا بد من البحث في العلاقة بينهما. تُسجَّل 60% من جرائم القتل في البلاد داخل المجتمع العربي، الذي يشكل بدوره 22% من عدد سكان البلاد، و80% من حوادث إطلاق النار تُسجَّل داخل المجتمع العربي.. فهل هناك علاقة سببية بين المستوى الاقتصادي المتدني وبين العنف؟ لا شك بوجود فريق يميل إلى حتمية هذه العلاقة بين الأمرين، ويرى بأن الاقتصاد وتقلباته وتغيراته من المسببات الخطيرة لموجات العنف في المجتمع وهذا الفريق يكاد يحصر أهم الأسباب الباعثة على العنف في الدائرة الاقتصادية.
توجه الأفراد نحو الإجرام
فعدم قدرة المؤسسة الرسمية على إيجاد تنظيم عادل للحياة تشمل الأفراد والمجتمعات يؤسس لما نسميه العنف الاقتصادي المنبثق عن ثالوث البطالة ... والفساد المالي... والفقر. فلا بد من الحد من هذه المخاطر من خلال القضاء على الاضهاد وهدم الهوة السحيقة بين الطبقات وإلغاء الفوارق الاقتصادية الكبيرة التي تؤجج وتيرة العنف ويدفع إلى التهور ويسد الأُفق في ناظرهم. فالشاب بلا فرصة وبلا هدف يصبح فريسة ولُقْمةً سائغةً لاتجاهات متطرفة وبحسب المنهج الاقتصادي في دراسة توجه الأفراد نحو الإجرام نخلص إلى أن هؤلاء الأفراد يختارون البديل الأفضل( في وجهة نظرهم) وهو المتاح لديهم. فتبدأ الحسابات المُختلة تأخذ دورها في توجيه دفة الأمر فيرون بأن الجريمة تحقق لهم مكاسب اقتصادية كبيرة بوقت أقل فانتظار فرص العمل النادرة مقارنة مع نتائج الجريمة تصبح الأخيرة خياراً أمثل لديه متناسين كل تراث الرسالة السماوية التي نصت في القرآن على ما مفاده بأن من قتل نفساً بغير نفس فكانما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً. متناسين أو يجهلون وصية السيد المسيح الخالدة: إذا ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر. ومع ذلك فإن الدراسات لم تتفق جميعها على إسناد الجريمة إلى البطالة ورداءة الحالة الاقتصادية وهناك نتائج متناقضة في هذا السياق.
العدالة في الفرص الاقتصادية
والخلاصة أن العدالة الاجتماعية التي تنبثق من العدالة في الفرص الاقتصادية هي البوصلة المؤشرة على الأمن والاستقرار ولا انضباط مع الفقر الذي يهز النفوس ويجعلها مهلهلة والمؤسسة الرسمية تتحمل بالدرجة الأولى المسؤولية عن أوضاع الناس خاصة إذا كانت في الدولة شرائح أخرى تحظى بفرص اقتصادية أعلى بكثير ولذلك تلاحظ أفراد هذه الشريحة يعيشون حياة أكثر اطمئناناً.
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net