الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 09 / نوفمبر 23:01

الجوهر/ بقلم: كميل شحادة

كل العرب
نُشر: 10/07/12 23:56,  حُتلن: 08:37

بالنسبة لكثيرين .. قراء وكتاب .. تكاد لا تتعدى المواد المنشورة على شاشات الحواسيب وعلى صفحات الجرائد، ان تكون شبابيك لا تمت بصلة لبعضها في ذات البنيان . فهي ثغرات أنفاق تصل بصورة منفردة مستقلة بكتابها ، كل بمعزله الخاص .. وأتساءل كم من الكتاب يقرأ الآخرين ، او يحاول ذلك قدر الممكن بتمحيص وتعمق .. ولا أجزم بأن ذلك لا يحصل ابدا ً ، لكن الذي أستطيع تأكيده هو عدم ظهور ذلك في التعقيبات والتعليقات والمداخلات بالصورة التي يظهر بها ذلك الاهتمام ..ربما لا يكفي ان تبيع ما لديك وان كان صالحا ونفيسا ،ربما تحتاج مما لدى الآخرين ،ففي المجال الثقافي والاجتماعي كما في المجال الطبيعي والمادي حيث شرعة النسبية والتوازن الضدي قاعدة شاملة تحكم ظواهرية عالمنا .لكن لولا الواحد المطلق من الحياة الواعية فينا جميعا ،لما قامت النسبية ولما تم الاتصال بتفاصيلها واجزائها وتنوعاتها واختلافاتها ..كخلفية ومرجعية ازلية لكل شيء ،مثل الشاشة البيضاء بالنسبة للشريط ..والمرآة للصور ،والفضاء للأشياء ..

الظلام الداخلي

وفي الواقع كل منا يسير عموما في خط واحدي الاتجاه ، يعيش في عالمه بمطلقه في حالة الاظلام الداخلي ، دون وعي بهذا الامر .. وان حاولنا إظهار العكس .. وعلة ذلك في الحقيقة هو "الإيغو" الأنا الشخصي ،الذي لا يقبل في كل منا ان يكون اقل جمالا وخيرا وحكمة ومهابة وذكاء وعطاء وجودة وتفرُّد، بسبب تماهي مطلقنا بشخصيتنا الظاهرة.. وليس التعابير التي نستخدمها مثل : تواضع واحترام وتفاهم وانفتاح وحب معرفة واطلاع ، سوى مكياج نتجمل به عموما بعضنا لبعض ، في حين جميعنا في قطيعة حقيقية عن بعضنا .. وفي الحقيقة ان معنى انقطاعنا عن بعض في العمق ، هو انقطاعنا عن جوهر وجودنا الذاتي ،باعتباره الكلي المطلق، الذي يتخطى نزعاتنا الشخصية الاجتماعية ومظاهرها التنافسية،وهي من المطلق الكلي بعض ظلاله المتحولة والمشروطة بعجلة الزمن والفكر .

سحر الأعمال
لقد أخذنا ألق حبرنا عن جوهره وأسرنا في "سحر" أعمالنا ،وهي جميعها أقفال فوق أقفال دون ذلك الجوهر ، وحُجُبًا تلبس حُجُبًا على ذلك الجوهر .. وما أدراك ما الجوهر ..! اننا أيها الاخوان نرتدي ثياب الفكر والعاطفة بالمقلوب ،وبالتالي توجهاتنا وقيمنا وأهدافنا مقلوبة أيضًا ،وان كانت تحمل من جوهرنا الحقيقي شيئا ً، فهو مخلوط بظلام وضلال .. كخليط الحلاوة بالمرارة ،والأصيل بالمدخول ، والذهب بالطلاء .. ولا نزال مثابرين نشيطين في "الخلق والابداع" في عالم الأحلام والأوهام ،الشامل "مايا" حيث تَشافُه وتطابُق الجوهر ، والوحل البراق الذي يرتديه فينا لحما ودما ، يجعل كل منا يعتقد انه هذا اللحم والدم ،فيتضامن معه عفوا وقصدا ، جهلا وعلمًا .. فيبني كل منا مملكته وقصره وصولجانه وتاجه وحاشيته ورعيته من هذا الوهم، ويستقل به وهو ممتلىء رضىً .. لا بل تأخذه العزة أحيانا فيستكبر ويرى الناس من حوله توابعا ولواحق لا أكثر .. في الوقت الذي لا يكل ولا يمل عن الإقرار وبكل تواضع وناموس ، من انه ابن تسعة ومن طين ومن ماء مهين
لا أكثر ..

لوحات رائعة
وهنا أقول لا لا أيها الطيب انت ليس مجرد ابن تسعة وطين وماء مهين ، لا لأنك ترسم لوحات رائعة ، أو تدوِّن قصائد جميلة ، أو تكتب مقالات مفيدة ، بل لأن فيك جوهرا لا يبدأ ولا ينتهي ، خالد حي لا يموت ، وهو قائم وراء وأمام كل ما تنجز .. فلماذا تعالج في أعمالك شرور السياسة ولا تسوس نفسك لجوهرها ..؟ ولماذا تلبس الحِداد لفراق وموت من تحب وأنت في عداد الأموات والمفارقين ؟
ولماذا تتحدث عن الروح من الدين ومن الفلسفة والأدب والاساطير،ولا تصمت في أعماقك كي تنطق روحك وتخبرك بما لديها ..؟! انك تدوِّن قصيدة تضيفها الى ديوانك العامر ، وخلف قصيدتك قصيدة غير قابلة للكتابة والتدوين ، هي قصيدة القصائد الى ابد الدهر ، حتى لو تخطيت شكسبير والمعري والمتنبي .. وانك لترسم لوحاتك ،وخلف مكحلك وريشتك تتستر - بك وبها- ذاتٌ ، لا يقاس جمال الأشياء – وهي ظلالٌ لها – بجمالها ،ولو تجاوزتْ بتألقها وجمالها لوحات بيكاسو ،ليوناردو ، وانجلو ..
وان لفيك جوهرا .. أين منه الماس واللؤلؤ والذهب والفضة والاحجار الكريمة وسواها .. انه جوهر الجواهر ، جوهر الوجود وعين الحياة والخلود ..فلماذا انت مقبل بجُماعك على عالم الاحلام والاوهام الزائلة ،دون ان تفتح متنفسا لذلك الجوهر يشع عليك بالحقيقة ؟ .. بعد ذلك صُل وجُل – اذا وجدتَ سببًا – في كل الميادين وارفع اعلامك وراياتك فوق كل سارية .. 

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة

.