د. سامي ميعاري في مقاله:
أهم مؤشرات النمو الاقتصادي في أي مجتمع هو واقع التعليم فيه
المجتمعات الفقيرة جدا في العالم تسودها حالة من الجهل الكبير والتلازم قائم بين الجهل والفقر
إذا لم ينهض مجتمعنا وبأسرع وقت في حسن اختيار المدرسين والمديرين فسوف يبقى المردود الاقتصادي والتربوي سيئاً على مجتمعنا
عملية توظيف المعلمين والمديرين في المجتمع اليهودي تتم بمهنية ودقة وتفحص من أجل ضمان استمرار العملية ولوعيهم بأهمية تطوير رأس المال البشري في نمو الاقتصاد
لا بد أن نولي قضية اختيار المعلمين ومديري المدارس أهمية هائلة لتسهيل تحقيق عملية تربوية عميقة تؤدي إلى استثمار رأس المال البشري بما يحقق المردود الوافر اقتصاديا
من المخاطر المحدقة بعملية التربية والتعليم لدينا هو موضوع التعيينات القائمة على أُسس مُختلة ومعايير مغلوطة تعيينات تفتقر إلى مؤهلات إذا ما قورنت بعمليات التعيين في المجتمع اليهودي تلك التي تتخذ من الكفاءة معياراً أساسيّاً لها
لقد بات من المُسَلَّم به أن المعلم هو محور أساسي في تنمية رأس المال البشري وهذا يُحتّم علينا اختيار المعلم ضمن أُسس تعتمد على الكفاءة العالية والقدرة المميزة والإمكانات التي تؤهله للقيام بهذا الدور العظيم
قديماً قالوا: الرجل المناسب في المكان المناسب، ويبدو بأن هذه الحكمة هي حكمة عميقة قابلة لكل زمان ومكان، وتُعبّر عن أن وضع الإنسان غير المناسب في المكان الذي يشغله هو بمثابة مِعْول هدم، واستنزاف للمقدرات وانتهاك للنظام السليم في اختيار الموظفين وآلية تعيينهم. ومتى كانت هنالك شفافية في آلية الاختيار والتعيين كانت الطموحات أقرب إلى حلم التحول إلى واقع منشود، وعندما تغيب هذه الشفافية وتصبح التعيينات عملية عشوائية يلفها الغموض فإن رأس المال البشري يصبح عرضة للهدر والضياع والشتات. فالعمل المحسوبي القائم على اعتبارات غير مهنية هو مؤشر سيء وخطير باتجاه الانهيار دوماً.
نمو مجتمعنا العربي
من هذا المنطلق ظهر في علم الاقتصاد الحديث ما يعرف بالاستثمار في رأس المال البشري، وقد دخل هذا المصطلح علم اقتصاديات التعليم. ذلك كله جاء نتيجة التفاعل بين علم الاقتصاد والمسيرة التربوية . وقد اتخذت اقتصاديات التعليم تعريفات أُخرى فهي اقتصاديات الموارد البشرية والتربية المُخطَّطة وتحليل القيمة الاقتصادية للعملية التربوية من حيث التكلفة والعائد.. من هنا نستنتج بأن اقتصاديات التعليم لها إسهام في عملية إنتاج التربية والتعليم. فيما تجدر الإشارة إلى أن علم اقتصاديات التعليم هو علم يبحث في طرق استخدام الموارد التعليمية مالياً وبشريّاً. ومن أجل تحقيق ذلك لا بد لنا من مناقشة عدة مسائل ذات صلة بالموضوع في مجتمعنا العربي ، فمن أهم مؤشرات النمو الاقتصادي في أي مجتمع هو واقع التعليم فيه.
فإذا لم يكن المعلم قادراً على إيصال المعلومة بشكل سليم، بحيث تصل المعلومة إلى الطالب خاطئة، فمعنى ذلك بأن الاقتصاد غير تام وفيه خلل، وهذا منعكس كله على المجتمع خاصة من الناحية الاقتصادية. لأن مقومات الحضارة الإنسانية متداخلة وازدهار أحدها يؤدي إلى ازدهار الآخر والخلل في أحدها يؤدي إلى خلل في المنظومة كلها.
التعليم والنشاط الاقتصادي
فالحالة العلمية تؤدي إلى نشاط اقتصادي ومن المؤكد أن الخلل فيها سينجم عنه خلل وتداعيات في الأمور الأخرى. ومن أجل ضمان ذلك الانسجام لا بد أن نولي قضية اختيار المعلمين ومديري المدارس أهمية هائلة لتسهيل تحقيق عملية تربوية عميقة تؤدي إلى استثمار رأس المال البشري بما يحقق المردود الوافر اقتصاديا.
الافتقار للمؤهلات
إن من المخاطر المحدقة بعملية التربية والتعليم لدينا هو موضوع التعيينات القائمة على أُسس مُختلة، ومعايير مغلوطة، تعيينات تفتقر إلى مؤهلات إذا ما قورنت بعمليات التعيين في المجتمع اليهودي تلك التي تتخذ من الكفاءة معياراً أساسيّاً لها. لقد أشرنا إلى أهمية المهارات البشرية والمسيرة التربوية في إسهامها في النمو الاقتصادي ومن هنا تظهر لنا أهمية الموضوع شيئاً فشيئاً. بحيث نلحظ أن المجتمعات المتقدمة علمياً هي مجتمعات مزدهرة اقتصادياً ومن هنا جاء القرآن الكريم بالحث المكثف على طلب العلم وحسن نقله وتعليمه من جيل إلى جيل عندما اختار الله – عز وجل – أن تكون الكلمة الأُولى في القرآن: "اقرأ". لأن هذا المنطلق هو أساس النهضة الشاملة والعلم هو ضمانة رقي المجتمع في مجالاته كافة. وتستطيع - عزيزي القارئ – أن تلمس بوضوح أن المجتمعات الفقيرة جدا في العالم تسودها حالة من الجهل الكبير وأن التلازم قائم بين الجهل والفقر.
إستثمار الموارد البشرية
والإنسان هو نوع هام من أنواع الموارد البشرية وله وظائف متعددة. وقد اتفقت وأجمعت اقتصاديات التعليم على اختلافها على أن الإنسان ثروة، وعلى أن كل استثمار في تنمية الإنسان وتحسين قدراته وثقافته بالتعليم والتدريب والرعاية وتنشيط البحث العلمي، هو أفضل استثمار في الوجود، الأمر الذي يسهم مساهمة فعالة في عملية النمو الاقتصادي للمجتمع كله. وجميع النظريات الاقتصادية في الاقتصاد الكلي تشير إلى أهمية رأس المال البشري وجودته في عملية النمو الاقتصادي. لقد بات من المُسَلَّم به أن المعلم هو محور أساسي في تنمية رأس المال البشري وهذا يُحتّم علينا اختيار المعلم ضمن أُسس تعتمد على الكفاءة العالية والقدرة المميزة والإمكانات التي تؤهله للقيام بهذا الدور العظيم. ويجب أن يمتاز بجودة التعليم وبتدريب عالٍ وأن يكون بالدرجة الأُولى صاحب رسالة هامة ومنظومة قيم فائقة لأن عملية إنتاج رأس المال البشري ونقله إلى أجيال أخرى يجب أن تتّسم بالدقة والمهنية. وهنا تكمن المشكلة، فعندنا يتم اختيار المعلمين وبعض مديري المدارس على أُسس مختلفة متناسين قول النبي الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم - : " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه".
علاقة اختيار المعلمين بالنمو الاقتصادي
وهنا نربط بين آلية اختيار المعلمين وبعض مديري المدارس في مجتمعنا من جهة، وبين الاقتصاد المتدني فيه من جهة أخرى، لأنها علاقة حتمية ما دمنا اتفقنا على أن المعلم المؤهل جيدا يستطيع أن يسهم في تنمية رأس المال البشري. فعملية الاختيار لدينا ما زالت تتم حسب انتماءات سياسية أو قبلية ( عائلية) مقابل نيل رضاهم طمعاً في أصواتهم عند الانتخابات. أو تتم حسب نفوذ مالي معين وبالتالي لا توجد أية رسالة أو جودة في عملية نقل رأس المال البشري وتطويره مع نقله إلى الأجيال اللاحقة. فإذا لم تتم عملية الاختيار وفق آلية مهنية عالية الدقة والجودة فكيف يمكن أن يتطور وينمو اقتصادنا بالشكل المطلوب؟
مهنية ودقة وتفحص
كيف يمكن للمعلم تأهيل أجيال وهو غير مؤهل لنقل المعلومة إلى تلاميذنا؟ والحكمة القديمة تقول: فاقد الشيء لا يعطيه. كيف يمكن لمدير مدرسة أن يدير مؤسسة تربوية - ربما تكون من أهم المؤسسات – وهو ليس ذا كفاءة بل يستند إلى انتماء سياسي معين أو وضع عائلي تقليدي هو الذي قلده رقاب الناس. فإذا لم ينهض مجتمعنا وبأسرع وقت في حسن اختيار المدرسين والمديرين فسوف يبقى المردود الاقتصادي والتربوي سيئاً على مجتمعنا. ومن أجل التثبت من صحة هذا الطرح نتناول مثالاً معاكساً لتوظيف المعلمين والمديرين في المجتمع اليهودي في إسرائيل، فهل يا ترى تتم عملية الاختيار والتعيين بنفس طريقة المجتمع العربي؟ الجواب بالطبع: لا. بل تتم بمهنية ودقة وتفحص من أجل ضمان استمرار العملية ولوعيهم بأهمية تطوير رأس المال البشري في نمو الاقتصاد.
أسباب أخرى
ثمة مثال آخر في أوروبا وبالذات في ألمانيا وبلجيكا حيث تعيين المعلمين يتم بأعلى درجات الخبرة والمهارات والحرفية. نحن نأخذ هذه الأمثلة للحث على تتبع الخطوات التي خطتها مجتمعات ودول وشعوب وأنظمة فحققت نتائج ممتازة في النمو الاقتصادي والانتعاش والرقي والاستقرار والتقدم والتحضر الرائع. فإذا لم يحدث تغيير في مجتمعنا بهذا الصدد فلن يكون هناك تغير يذكر على الوضع الاقتصادي لدينا. وأرجو ألا يُفهَم من كلامي أنني أجعل من هذا السبب وحده وراء أزمتنا الاقتصادية ولكنه سبب هام وهو موضوع هذا المقال لكن عوامل النمو الاقتصادي الأخرى حاضرة في اهتمامنا فقد تناولنا بعضا منها فيما سبق وسوف نأتي على اسباب أخرى فيما هو آت. مع عدم التقليل من دور رأس المال البشري على المدى البعيد، لكن الأسباب الأخرى حاضرة كالميزانيات الشحيحة وعدم تطوير المناطق الصناعية إلى جانب التمييز العنصري... ولكن نحن أمة ومجتمع يجب أن يدير مؤسساته بمهنية عالية وأهمها المؤسسات التربوية والتعليمية.
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net