عبد عنبتاوي في مقاله:
العقل الذي لا يكون في خِدمة الحياة وقيمها يكون في خدمة الموت وقيمه
العقل ليس السبيل الوحيد لتلمُّس الموجود وإدراك الوجود لأنه ما زال محدودًا ومُحَدَّدا
العلم وبعدما اختزلته التكنولوجيا ومَسَختْ معانيه لم يحرِّر الانسان بل زادَ من استِلابه المُزْدَوَج كمُنتِج محدود وكمستهلِك بلا حُدود
• تمهيد:
في هذه المادة تتَأنّق الفكرة كبطل النصّ ، بِما هو أبعد من حدود اللغة الحاضِنة .. ففيها ما هو جديد وما هو مُتجدّد ، ما هو حديث وما هو مُسْتحدَث ، وما هو قابل للتلقيح والإستحداث .. وأهم ما فيها هو محاولة النمُّو والإرتقاء كضَالَّةٍ منشودة وبوصلةٍ مُوَجِّهَة ..لم تمر هذه الأفكار بعملية "تنسيق" ولم يجرِ عليها أي "تنميق" ، قبل وخلال تدوينها ، إلاَّ في المبنى اللُّغويّ والفنيّ لبعضها ، فقد انبثقت طبيعية وتلقائية ، وانطلقتْ على سجيّتها ، دون أن تكون ارتجالية او عشوائية ، لتشكِّل كلٌّ منها مَسْكنًا خاصًا ، ولتُؤلِّف في تتابعها وتناسُقها كُلاًّ مُتماسِكًا ..
القلق والتشاؤُم العقلي
لقد كُتِبت هذه الشَّذرات ،امتدادًا واستكمالاً لِما سبقها ، بمَداد القلق والتشاؤُم العقلي ،وبحثًا عن بقايا تفاؤُل ، لا بروح الجِدال والمُماحَكة ، وبرغبة جامِحة للدّلالة على طريق نحو مستقبل ما زال مُمْكِنًا ، وللإشارة الى وِجْهَة حياة تتجاوز مجَرّد البقاء على قَيْدِها .. فهذه الرسائل تُمثّل قطيعة وتواصُلاً في آنٍ واحد ، استِئصالاً وتأصيلاً جديدًا ، إنها نداء وحافز لكل مَنْ يحب الحياة ويرغب باستِزادة نوعية وبمستقبلٍ مختلِف ، يكون فيه القول الفصل لقدح الفكر الملتزِم بالحياة ، لا لكبح الفكر الباحِث عن دروبٍ للنّجاة .. لا تَدّعي أفكارُ هذه "التأمُّلات " أن كُلاًّ منها يُساوي أو يتجاوز كِتابًا أو أكثر , من حيث الماهيّة والمعنى ، لكنها لا تنفي ذلك ، وهي لا تخلو من تلاقُحٍ فكري ، ومن تأُثّر وتفاعل وحوار وتجاوُز واستعارة وتَناصّ ...
إنها وَصايا الحياة الأرضية في مواجهة وَصايا الموت السماوية ، وهي لا تحتاج ولا تحتمِل ، بل لا تريد ، أن تُلْصَق او تُنْطَق بلسان نبيّ او راهب أو ناسِك أو حكيم ، لا من شرق الغرب ولا من غرب الشرق... إنها آيات غير مُقدَّسة ،وليست "مُنَزَّلة " بل مُرَفّعة عن التنزيل ، تنطلِق من الارض ، وتصلُح لأبناء الحياة في كلِّ مكان وزَمان ...وهي مُوَجَّهَة الى أُولئِكَ الذين يُؤمِنون بأن حياة الإنسان لم توجَد لكي يقبل وينتقد فحسب ، وإنما لكي يبدأْ ويخلِق كالربّ ، ففي كلٍّ مِنّا قُدرة " الآلِهَة " ، لكن أكثرَ الناس لا يعلمون، وإن علموا فإنهم لا يعملون .. وبهذا المعنى، إنما هي محاولة مُتجدِّدَة لِشَدِّ الرِّحال خارج زَنازين عقيدة القبيلة، وهي بالتالي وَصايا خارج النَّصّ، بعدما غَدت الحقيقة مَجازًا وبات المجازُ واقعًا..
الرغبة بالصمت
ومَا عادت تعنيني انطباعات الآخرين ، بقدر ما باتت تُؤرِقُني قَنَاعاتي ، فكلَّما ازدادتْ الحاجة الى الكلام إزدادتْ الرّغبة الى الصمت ، وتدفَّقت الضرورة للكِتابة:
• لا بُدّ أن تُوضَع جميع الافكار والعقائد خارج اليقين ، وعلى مَذْبَح التساؤُلِ والشكّ..
• تَصِل الافكار الى حيث لا تستطيع الأقدام أن تَصِل..
• إذا كانت الحَوَاس هي نوافِذ العقل ، فإن المخيّلة الخصبة هي بوابته ..
• يكمُن الفارِق ما بين المُعْتقلِ وبين المُعْتقَدِ ، في شكل القيودِ ولون الأصفادِ..
• الإخلاص الأعظم هو الإخلاص العقلي ، والأمانة العُظمى هي ألأمانة الفكرية ..
• الفِكرة الحيوية هي تلك التي تُقال وتُكتَب للأحياء والمُقبلِين على الحياة ..
• العالَم الحقيقي غير مُدْرَك وغير قابل للتبّيان ، لكنه يبقى هَدفًا ساميًا تسعى الى إدراكه العقول والإرادات الحَيَّة ..
• إن الفِكرة التي لا تنبثق من الحياة ، ولا تحتكِم لمنطقها ، ولا تعود إليها ، لا تستحق الحياة ، كما هي حال الأخلاق والقِيَم ..
• إن العقل ليس السبيل الوحيد لتلمُّس الموجود وإدراك الوجود ، لأنه ما زال محدودًا ومُحَدَّدا ..
• العقل ليس جِدارًا نهائيًا للحقيقة والواقع ، فهو نفسه قد يُفضي الى اليقين الوَهمي ..
• العقل الذي لا يكون في خِدمة الحياة وقيمها ، يكون في خدمة الموت وقيمه ....
• من الضروري التمييز بين الشيء وصورته، وبين الحقيقة وتجلّياتها ، وبين الواقع ومَظاهرِه..
• لا تكتمل الأشياء إلا بنقائضها ..
• للعقل أيضًا عاداته وتقاليده ، ومن أبرزها :
استخدام المطارِق والمعاوِل وتحطيم الأيقونات والأصنام والبناء فوق الرماد والحُطام ..
• كلّ وَسيلة هي مُبَرَّرة ، في سبيل تحرير العقل والإرادة ..
• بات جَليًا ان العلم ، وبعدما اختزلته التكنولوجيا ومَسَختْ معانيه ، لم يحرِّر الانسان ، بل زادَ من استِلابه المُزْدَوَج ، كمُنتِج محدود وكمستهلِك بلا حُدود ..
• ما عادت العلوم تحتاج الى الأكاديميا ، بل باتت الأكاديميا تحتاج الى العلوم ..
• العلم ليس مُحايِدًا ولا يعرف الإعتدال ، فهو دائم الانحياز الى الطبيعة والحياة ، ولكل ما هو طبيعي وحيّ..
• ليس للوجود وجودًا خارج الحياة ، وليس للحياة حياة خارج الإرادة، وليس للإرادة ارادة خارج الاقتدار ، وليس للاقتدار حُضورًا خارج القوّة ...
• القوة هي الحصن الحصين للإرادة ..
• أخطر أنواع المعرفة ، وأكثرها حيوية ، هي معرفة الذات ..
• معرفة ما نجهله بمثابة نصف معرفة..
• الحياة ليست موضوعًا معرفيًا، إنما المعرفة موضوع حياتيّ ..
• حيوية الحياة ما يحيا بين نَقيضَيْن ..
• الرَّغبة في الحياة أقوى من مجرّد البقاء حيًّا ..
• الحياة ليست فيما وَرِثناه ، إنما فيما نصنعه ونريده ونسعى إليه ..
• ثَمَّة مُجتمعات بشرية لا تعدو كَوْنها أسواقًا استهلاكيَّة.
• معظم الناس يُمارِسون الحياة بعقلية لاعب نرد، لا بعقلية لاعب شطرنج...
• نوافِذ الوعي ترى أبعد من بوابات البَصَر..
• كلَّما أزداد الإيمان تقلّصَ الشك وكَبُرَ الموت، وكلما تمدَّد الدين أتسع الفَناء واضْمَحَلّت الحياة..
• الله ، كمركزية الأرض في الكون ، كِلاهما معرفة ماضَوِيَّة ..
• في الثقافة المتخلِّفة ، يغدو الموت طقسًا من طُقوس احتقار الحياة والإنسان ..
• إن وجود الإنسان بحالته البشرية يُشوِّه الطبيعة ويُلوِّث البيئة الإنسانية..
• الدور الإنساني ، في الحياة والتاريخ ، يعلو على الدور البَشَريّ ..
• باتَ جليًا أنّ الكمّ البشريّ يُهدِّد النوع الإنسانيّ، على الأرض..
• الأمور العظيمة لا تنتظِر تبريرًا لِقيمَةِ وجودِها ، وكل ما يحتاج الى تبرير وُجود لا قيمة حقيقية له ..
• ليس كل ما يلي في الزمن يكون أكثر تطورًا وتقدمًا ورُقيًا مما سبقه زمنيًا ..
• الرَّغبة في الحياة منقوصة إذا لم تقترِن بإرادة الحياة وقِيمِها ..
• الموسيقى كتَنهيدةِ الطبيعة في تجلِّيها البُرْكانيّ ..
• في ظِلال الموسيقى تكون المعاني أرْفَع والمقاصِد أسْطَع ..
• الإنسان : ليس حيوانًا ناطِقًا ، ولا حيوانًا اجتماعيًا ، إنما هو حيوان موسيقيّ ..
• المرأة بارِعة في صِناعة الأقْفاص وفي إعداد الأصْفاد..
• المرأة احتكارية بطبعها وسَجَّانة بطبيعتها ..
• حتى سُجون المرأة ، كما هي سجون الفِكرة ،على إتساعها وجماليتها ، فإنها تَضيقُ على الأحرار ..
• المقاوَمَة بمعناها الشامل هي : الوعي الذي يُؤكد وجوده ، والإرادة التي تُترْجِم حضورَها ..
• في الحياة ثَمَّة ما يستحق المقاوَمَة من أجله ولأجلها ..
• الأبناء حاجة بَقاء وليس ضَرورَة إرتقاء ..
• إن " الله " مجتهِد خارِق في تَبرير وجودِه وتِبيان قيَمَتهِ ..
• تَقْتَضي العدالة غالِبًا أقصى دَرجات الحسم والتطرّف..
• التوافُق هو السّهم الأنيق المُوَجَّه الى قلب الحياة والحقيقة ..
• الخطَأْ من أهم الحقوق الطبيعية للإنسان ، ما دام الإنسان في طَوْر التكوين والإرتقاء ..
• ليس الجمال شكلاً نصْطَنِعهُ إنما هو مضمون نَصْنَعه ..
• للون رائحة كَما للرّائِحةِ شكل ..
• قُلْ لي مَنْ هو عدوّكَ أقولُ لكَ من أنتَ ..
• احرصوا على نوعيَّة أعدائكم ،لأنكم على شاكِلَتِهِم تكونون ..
• ما أدنْى أن تُقَلِّد مَثلَكَ الأعلى ..
• بما أن البيولوجيا- كعلم الأحياء - هي المُنْطلَق العِلميّ لإدْراك مَسيرة النشوء ومَسار الإرتقاء ، فإنها تغدو المصدر الطبيعي للقيم والأخلاق ..
• ليس أبلغ من تأمُّل الحيوانات المَنَوِيّة وحركتها، في عملية فهم الحياة وطبيعتها..
• لا يُهَدَّد الغريق بعُمْق المياه ، ولا تُهدَّد العاهِرَة بالإغتصاب ..
• لا تلْبِس ولا تحمِل ما قيمته أكبر من قيمتك..
• مِنْ أعظم ما قرأتُه : كيفما تكونوا يُوَلّى عليكم .. وقُلْ هل يَسْتوِي الذين يَعلَمون والذين لا يعلمون ؟!
• ثَمَّة مُجتمعات بدِائية لا تعرِف من الحياة وفيها سِوى الضَّجيج ،مهما بَدا تَمَدُّنها الشكليّ ..
• نبحث عن البعيدِ مِنَّا وخارجنا لأننا عاجزون عن الوصول الى القريبِ مِنّا وداخلنا ..
• بين ثُنائية الواقع والوَهْم فإنني أختارُ بقوة : الخيال المُحْتَمَل أو المُستحيل المُمْكِن ..
• السُّخرية هي الهامِش الحَيويّ للجدّية حين تضيق الحياة ..
• الشَّرعِية لا تُسْتمَد بل تُنْتزَع ..
• كلّ بِناء حَيّ يحتاج الى إعادة بناء يوميّ ..
• الإنفصام الفكريّ والسُّلوكيّ أشدُّ خطورةً من الإنفصام النفسيّ..
• كُنْ ، لكي تكونَ أنْتَ ، كما تريد أنتَ ، لا كما يريدُكَ غيركَ ..
• يجب ان تعرف ماذا تريد، وكيف تريد، كي لا تفقد معنى حياتك وقيمتها..
• عندما يَفْتقِد الانسان لغرائزه الطبيعية ، يفتقِد إنزيم وجوده المادي ّ ، وبوصَلة حياته الأْصْلية ..
• عندما يَعْجَز العقل مَعْرِفيًا تتحرِّك الغرائز الطبيعية ،وليستْ البِدائية ، لتُشير الى الاتجاهات الحقيقية ..
• الزمن : هو أغنى الموارِد الحياتية غير القابِلة للنُّضوبِ وللتخزين ، فإمّا أنْ يمرّ عليكَ وإما فوقكَ .. وهو القيمة الحياتية الوحيدة التي لا تعرف الخِيانة..
• كُلَّما تسيرُ نحو المُرَكَّب تَتوقُ أكثر الى البَسيط ..
• مواجَهَة الحياة وممارستها أكثر ضَراوَةً من مواجهة الموت ..
• استطاعت الصَّراحة أن تُفْقِد كل صَداقَة ، وكادتْ الحقيقة أن تقتل كل عِلاَقة ..
• أنْ لا تكذِب بدافع "الأمر الإلهيّ" بمثابة ضَلال أخلاقي ينمّ عن الجُبن البشريّ ، في حين ان لا تكذب بدافع الشرف والشجاعة إنما ينمّ عن أخلاق الإنسان الديونيزيّ.. وما أكثر البشريّ فينا ..
• الحرية أقدس من الحياة ذاتها..
• الشجاعة مفتاح القُدرة والحكمة بوابة الإقتدار..
• القدرة بغير شَجاعة لا قيمة لها..
• الحَوَاسّ قد تُخْطِئ أحيانًا لكنها بالتأْكيد لا تكذب..
• عندما يُعْمَل العقل بمعزلٍ عن الغرائز الطبيعية، أو ضدّها، يغدو العقل صَنَمًا..
• العقل الذي لا يرتقي بالغرائز الطبيعية يَؤول الى الإنحطاط..
• ثُنائية العالَم وَهْم لا عقليّ، حتى لو أُستُخْدِمَ العقل في سبيل تبرير وجودها..
• إذا كنتَ تُجيد السِّباحة ، تغدو المياه كلّها بلون الحياة ، وليست بلَوْن الغَرَق ..
• المُفَكِّر الحقيقي لا يُفكِّر بصفتهِ مُفَكِّرًا ، بل بوصفِه إنسان حقيقي يُفَكِّر ، وحسب ..
• مِنْ أكثر ما يُخيف الإنسان الحقيقيّ هو ذاته الحقيقية ..
• أنْ تُبْصِر خَيْرٌ مِنْ أن تَرى ..
• ليس بالقراءة وحدها يحيا الإنسان ، لكن بالتأكيد ليس بدونِها ..
• إذا كُنتَ تعلم كيف تحيا ، فعليكَ أن تُدْرِك كيف تموت ..
• الموتُ ليس أُمّ النهايات كما أن الميلاد ليس أُمّ البدايات ..
• حياة واحِدة لا تكفي لِسَبْر أغوارِها وفِقْه كُنْهِهِا وممارستها ،حَدّ الثَّمالة ..
• أحنّ الى حَكايا من المستقبل لا من الماضي ..
• بين خَيارَيْ الموت وُقوفًا والحياة رُكوعًا ، أختارُ الموت بحيوية : هكذا قالتْ لي الحياة ...
الجليل
سبتمبر/ ايلول- 2012
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net