د. سامي ميعا ري في مقاله:
هل الفرق العربية لدينا لجميع شرائح المجتمع؟ أم هي حكر على بعض الأفراد الذين تقتصر المنفعة عليهم؟
الفرق العربية باتت ملكاً وحكراً على جماعات تعتقد بأنها تملكها متجاهلة أو تجهل بأن هذه الفرق ملك للجماهير العربية والسلطات المحلية العربية
هل المردود الاقتصادي لفرق سخنين والناصرة والجديدة واللد والطيبة تعود بالفائدة على المجتمع العربي من بناء وتطوير وفتح مدارس ونواد رياضية حديثة لكل المجالات؟
أطالب بأن يتخذ كلّ نادٍ رياضي هيئة استشارية اقتادية تدير شؤونه المالية ومردوداته الاقتصادية بشكل ناجع يحقق الفائدة له وللمجتمع المحيط به لأن هذا النهج متبع في النوادي والفرق الرياضية الكبيرة
كرة القدم هي أشهر لعبة رياضية في العصر الحديث، تجذب الجماهير الغفيرة والجموع المليونية. وجمهورها هو أكبر جمهور على الإطلاق، وقد أصبحت هذه اللعبة تشغل مساحات شاسعة من الأثير وتستحوذ على صفحات الجرائد والمجلات والمواقع الالكترونية فضلا عن التلفاز وحتى إنها تبث على الراديو صوتا بلا صورة لما لها من حضور كبير في عمق اهتمام الناس على اختلاف القارات .ولها في كل بيت زاوية وعشاق ومهتمون وهواة ومتابعون ونواد وفرق عالمية عريقة واتحاد عالمي يدير شؤونها.
الوسط العربي
وقد أصبحت الدول تتنافس فيما بينها على تحقيق المكاسب والأوسمة والكؤوس في كرة القدم وصارت محط أنظار معظم البشر. والدول العربية ليست بمعزل عن هذا الاهتمام العالمي وإن كانت فرقها لم تتوج بطلة لكأس العالم حتى اليوم غير إنها ما زالت تسعى وتحاول وتبذل الملايين لهذا الهدف يغذيها الطموح والأمل بالتتويج يوما ما. أما هنا في الوسط العربي فقد حققت كرة القدم تقدماً ملحوظاً في العقدين الأخيرين، وظهرت على الساحة بعض الفرق العربية المرموقة أهمها اتحاد أبناء سخنين، والناصرة والأكثر لفتاً للنظر كان فوز اتحاد أبناء سخنين بكأس الدولة في العام 2004.
وفي معظم الدول التي اشتهرت بفرقها العريقة التي حققت كأس العالم أكثر من مرة مثل بريطانيا والبرازيل وإسبانيا والأرجنتين و... فقد لوحظ في تلك البلدان الانتقال من كرة القدم الشعبية إلى كرة القدم المهنية خلال فترة غير قليلة.
البعد الاقتصادي - السياسي
وكرة القدم عندنا انتقلت أيضاً ولكن بشكل سريع من الشعبية إلى المهنية، وقد لا يتفق معي في التحليل بعض القراء الأعزاء، لكنني أستند في تحليلي هذا إلى دراسات اقتصادية واجتماعية في العديد من البلدان التي لديها تاريخ عريق في هذا المجال. ومن هنا سوف أنتقل للحديث عن البعد الاقتصادي وكذلك السياسي لكرة القدم في الوسط العربي في البلاد. فنبادر للتساؤل عمّا إذا كان يتم الاستثمار في كرة القدم عندنا بحيث تعم الفائدة الاقتصادية ومردود كرة القدم المالي جميع أفراد المجتمع العربي؟ وهل الفرق العربية لدينا لجميع شرائح المجتمع؟ أم هي حكر على بعض الأفراد الذين تقتصر المنفعة عليهم؟ هل المردود الاقتصادي لفرق سخنين والناصرة والجديدة واللد والطيبة ... تعود بالفائدة على المجتمع العربي من بناء وتطوير وفتح مدارس ونواد رياضية حديثة لكل المجالات؟ الجواب قطعا بالنفي. لأن هذه الفرق العربية باتت ملكاً وحكراً على جماعات تعتقد بأنها تملكها متجاهلة أو تجهل بأن هذه الفرق ملك للجماهير العربية، والسلطات المحلية العربية.
مردود مالي
ومع أنني لا أنكر بأن المباريات في سخنين على سبيل المثال تعود بفائدة ومردود مالي على البلدة بسبب وجود الآلاف الحاضرين للمباريات الذين لو أنفق الواحد منهم عشرة شواقل في سخنين فإن المردود ينعش الحركة الاقتصادية والتجارية والسيولة المالية في البلدة ولكن هذا المردود ليس هو الهدف المرجو فقط لأن النظرة أعمق من ذلك فيما يظل مردود ثمن تذاكر المشاهدة حكراً على جماعات تمتلك الفريق. إن الرياضة في الأصل ليست مشاريع ربح بل هي منظومة قيم عميقة وقد قال الرسول الكريم – محمد صلى الله عليه وسلم - : " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير". وأوصى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - : علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل".
تقوية الجسم والصحة والحيوية
فالرياضة بشكل عام تهدف إلى تقوية الجسم والصحة والحيوية وبناء قيم سامية في العلاقات بين البشر وتحقق الآن مردودا كبيرا من الناحية الاقتصادية. فلا بد من توظيفه في البنية التحتية للمجتمع الذي يحتضن ويشجع ويعشق هذه اللعبة العريقة ويدعم فرقها. ومن الهام اقتصادياً ألا يوظف المردود على شكل هبات وتبرعات بل المطلوب دوماً هو العمل المدروس المخطط له المستند إلى دراسة وأبحاث حتى يكون مثمراً وله دور في دعم البنى التحتية لمجتمعاتنا التي تعاني أصلا من التهميش والاستثناء والإقصاء والتمييز وهي بأمس الحاجة إلى أن تلقى مواردها الوطنية أقرب وتعتمد على هذا المورد في الارتقاء بوضعها. أما أن تتحول إلى مزارع خاصة وممتلكات فردية فهذا ما يفقدها الحضور الأسمى في نفوس الجماهير لأن تشجيع الجماهير لها والتفافها من حولها هو ضمانة نجاح هذه الفرق في المباريات الفاصلة. والأنشطة الرياضية من أكثر الأنشطة التي يجب أن تتحلى بالذوق الرفيع والخلق النبيل لأن الرياضة كما يقولون: فن وذوق وأخلاق. وهذا الإحساس هو الذي يجب أن يدفع هذه الفرق والقائمين على إدارة شؤونها إلى تحويلها إلى مؤسسات وطنية تنتمي إلى الأرض والإنسان معا فتخرج من بوتقة الممتلكات الشخصية والفردية إلى فضاء أرحب هو الجماهير والوسط العربي كله من خلال التحرر من التبعية الخاصة.
الجانب الاجتماعي والسياسي
أما في الجانب الاجتماعي والسياسي فقد كان لكرة القد تأثير إيجابي في تحسين العلاقات بين الدول والشعوب والمجتمعات، ولكن هذا التأثير لم يكن عشوائياً بل كان ممنهجاً ومبرمجاً ومخططاً له فأثمر تقارباً بين المتنازعين والمتخاصمين. وقد حذت إسرائيل حذو تلك الدول مستفيدة من تجربة بريطانيا وإيرلندا – على سبيل المثال -اللتين كانتا في صراع مسلح طيلة عقود خلت وأسهمت المباريات بينهما في التقريب بينهما. فلا يخطرن ببال أحد أن حصول اتّحاد أبناء سخنين على كأس الدولة في العام 2004 كان بالاعتماد على قدرات الفريق وحده، مخطئ من يظن ذلك، فهذه السياسة الإسرائيلية كانت موجهة ومقصودة وقد عملت على تلميع صورة إسرائيل في المجتمع الدولي بعد أحداث انتفاضة اكتوبر في العام 2000. مع عدم التقليل من قدرات الفريق وإمكاناته لكنها لم تكن وحدها السبب.
وعند استرجاع ذلك المشهد نستذكر التغطية الإعلامية العربية والأجنبية المشبوهة لذلك الحدث لقد كانت تغطية منقطعة النظير، منحت الخطوة أكبر من حجمها الحقيقي، فكان الدافع وراء هذه التغطية مفضوحا وهو المبالغة في تصوير العدالة الاجتماعية التي تتميز بها إسرائيل والحالة الديموقراطية التي تنفرد بها إسرائيل في الشرق الأوسط.كما أرادوا أن يوصلوا للعالم.
خطوات تجميلية لإسرائيل
كما عملت إسرائيل على استنساخ تلك الخطوة في مواقف أخرى مثل اختيار فتاة عربية ملكة جمال إسرائيل، وقيام عربي بترشيح نفسه لرئاسة الحكومة في إسرائيل علماً بأنه يعلم باستحالة حدوث ذلك في الدولة اليهودية. ولكنها كانت خطوات تجميلية لإسرائيل. إنني لا أرغب في الغوص كثيرا في دهاليز التوظيف السياسي لكرة القدم لكنني أركز النظر في البعد الاقتصادي لها وأدعو الجميع إلى تشجيع كرة القدم، واحترام هذه الرياضة مع الاهتمام باستثمارها بشكل اقتصادي ناجح يكون مردوده لفئات المجتمع العربي كلها وأدعو إلى تحويل هذه الفرق إلى جمعيات أهلية تقوم بدورها تحت توجيه السلطات المحلية العربية ورئيسها الذي يتغير كل أربع سنوات بحيث تكون ملكاً للجميع وهذا يعلي من شأنها أكثر من كونها ملكا خاصا.
دعم معنوي
فالنداء موجه إلى الجماهير العربية بأن تدعم هذه الفرق ماديّاً ومعنويّاً، وتشارك في تشجيعها بشكل مؤدب وأخلاقي وحضاري، فشراء البطاقة هو دعم مادي وحضور المباراة دعم معنوي. وأخص بالذكر هنا فريقاً لا يمثل بلده فقط هو فريق سخنين الذي هو لكل المجتمع العربي ويحتاج إلى مؤازرة ودعم مادي ومعنوي لضمان استمراريته على أعلى مستوى لما له من مردود اقتصادي على الوسط العربي الذي هو بأمس الحاجة لذلك. وفي الخلاصة فإنني أطالب بأن يتخذ كلّ نادٍ رياضي هيئة استشارية اقتصادية تدير شؤونه المالية ومردوداته الاقتصادية بشكل ناجع يحقق الفائدة له وللمجتمع المحيط به، لأن هذا النهج متبع في النوادي والفرق الرياضية الكبيرة على مستوى العالم ويضمن تحول الفريق إلى مؤسسة لها استراتيجيتها ومنهجها المدروس.
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net