الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 09 / نوفمبر 23:02

القضية الفلسطينية بين أنَّات الأسرى ونزعات أوسلو/بقلم: الشيخ إبراهيم صرصور

كل العرب
نُشر: 15/09/12 20:40,  حُتلن: 21:39

إبراهيم صرصور  في مقاله:

 المظاهرات واسعة النطاق التي اجتاحت كل مدن الضفة الغربية وانسداد أفق الحل وعجز السلطة عن القيام بمهامها يعبر بلا شك عن حالة فلسطينية جديدة من المفروض أن تضع الرئيس والسلطة الفلسطينية أمام مسؤولياتهم الوطنية

تراجع الوضع الفلسطيني منذ التوقيع على ( اتفاق أوسلو ) في العام 1993 كثيرا وعلى جميع المستويات حتى ما عاد هنالك أمل في أن تقوم دولة فلسطينية بالصورة التي يحلم بها الشعب الفلسطيني

أسباب ذلك في اغلبها متعلق بسياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة والتي تسعى إلى أرباك الجانب الفلسطيني من خلال إشغاله بعدد كبير من الإشكالات الحياتية في الوقت الذي تسعى فيه هذه الحكومات على السيطرة الكاملة على الأرض بتوسيع الاستيطان

حل السلطة الفلسطينية وإلقاء الملف الفلسطيني من جديد في حجر الاحتلال هو بديل خطير فقد يؤدي إلى ضياع القضية الفلسطينية بالكامل كما ضاعت في العام 1948 كما سَيُسَهِّلُ هذا السيناريو على الاحتلال استكمال مشروعه التوسعي للسيطرة على كامل فلسطين

واضح من هذا الاستعراض أن إسرائيل مستريحة جدا من استمرار السلطة الفلسطينية بوضعها الحالي في الحكم ، بل لا يمانعون في أن تزودها إسرائيل ببعض المُسَكِّنات التي تمكنها من السيطرة على الأوضاع والاستمرار في إدارة الشؤون الفلسطينية المحلية

( 1 ) قصص الأسرى
الأسير ( يحيى إصليح ) من سكان خان يونس ..... يقبع في سجون إسرائيل منذ خمس سنوات بعد حُكْم بالسجن لاثنتي عشرة سنة بتهمة مقاومة الاحتلال ، لم ير فيها والدته العجوز بسبب إجراءات الاحتلال التعسفية ... جاء اتفاق الأسرى مع مصلحة السجون بعد الإضراب الكبير عن الطعام في أيار من هذا العام ، ليفتح بابا من أبواب الأمل أمام الحاجة عائشة ( 75 عامًا ) ، أم الأسير يحيى . لم تسع الدنيا الأمَّ الرءوم ... انتظرت لحظة اللقاء بِكَمٍّ هائل من المشاعر والأحاسيس والعواطف ، لم يحتملها قلب الأم ، لكن الغيب لا يعلم به إلا الله ... " وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ، وما تدري نفس بأي ارض تموت . " ... هكذا قضى الله ، ولا راد لقضائه ... بدأت الرحلة في منتصف الشهر الكريم ، إلى حيث فلذة القلب .. الابن السجين. ولكن...

شوق وحنين
يروي الحاج ( أحمد إصليح ) كما جاء في تقارير صحفية تسلسل الأحداث التي بدأت بفيضان من الفرحة ، ثم تحول فجأة إلى بحر عميق من الأحزان ... كل ذلك والأسرة الفلسطينية مرابطة على أرض الصبر لا تزول ولا تحول ، وقد رضعت من ضروعه حتى ضج الصبر ومادت به الأرض .. يقول إصليح : " لم ننم ليلتنا .. أما الحاجة عائشة فكانت أكثرنا شوقا ، طوال الليل ونحن نستقبل الأقارب والمحبين الذين جاؤوا لتهنئتنا بالزيارة المرتقبة ، ومن أجل إهداء السلامات لابننا الأسير ... كانت فرحتنا كبيرة والحاجة رحمها الله قالت إنها صغرت 20 عاماً بعد خبر إبلاغها أنها ستزور يحيى .. كان البيت يبدو كأن به عرساً من تدفق الزوار والأفراح التي تبدو فيه ". انتهى .

 أنسى الشوق والحنين إلى الحبيب الغائب ، وما أكثر الغائبين الفلسطينيين ، العائلةَ تناول طعام السحور .. انطلق موكب الإباء قبيل الفجر بتاريخ ( 6.8.2012 ) ، إلى حيث ينتظر الأسير كالأسد في براثنه ... وصلوا الحافلة التي يشرف عليها الصليب الأحمر ، لتبدأ رحلة من أعظم الرحلات لما تجسده من مُثُلٍ وقيمٍ ، ولما تمثله من إصرار فلسطيني على الحياة رغم قيد السجان وزرد المحتل الغاشم ...

صمت وحزن
يقول الحاج أحمد : " وصلنا إلى وادي غزة .. كانت تجلس بجانبي ، وفجأة شهقت وخرج السر الإلهي .. ليخيم الصمت والحزن على الجميع . "... انتهى ... هب الجميع للمساعدة .. نُقِلَتْ الحاجة عائشة إلى مستشفى الشفاء ... لم يكن أمام الأطباء إلا أن يعلنوا وفاتها ... توفيت الحاجة قبل أن تصل غايتها وترى ابنها الذي اشتاقت إليه كثيرا .. لم يحتمل قلبها الضعيف هذا الحجم الكبير من العواطف التي خالطت مهجتها ، فتوقف فجأة ... كان الهدف الوصول إلى سجن الاحتلال لملاقاة ابنها ( يحيى ) .. هذا ما أرادته ... لكن الله سبحانه أرادها عنده في مقعد صدق عند مليك مقتدر .. فلله في خلقه شؤون ، وله فيما يجري حِكَم ....

أما أخت الأسير ( خديجة إصليح ) وهي ابنة الحاجة عائشة ، فقد قالت بأنها زارت – بحكم إقامتها في إحدى قرى النقب – أخاها الأسير يوم الأحد بتاريخ 5.8.2012 ، أي قبل يوم واحد من الموعد المقرر لزيارة الأم عبر الصليب الأحمر الدولي ، ولاحظت السعادة الغامرة التي امتلأ بها قلبه بزيارة والدته ، حيث طلب أن تزوره وهي ترتدي الثوب الفلاحي الفلسطيني ، إلا أن القدر شاء ألا تكتحل عيناه برؤيتها ، ولا عيناها برؤيته. مضت الحاجة عائشة إلى الله سبحانه لتأخذ مكانها بين خنساوات الأمة منذ العصر الأول للإسلام .. ومضى الأسير ( يحيى ) ليواجه حكم القدر بالصبر والتسليم والتفويض ، وحُكْمَ محاكم الاحتلال الظالمة بكل الكبرياء والشموخ ، حتى يأتي الله بأمر كان مفعولا ، ليحيى من حَيَّ عن بَيِّنَة ، ويهلك من هَلَكَ عن بَيِّنه ....

( 2 )
تحديات كبرى
تواجه السلطة الفلسطينية ورئيسها وحكومتها في الضفة الغربية واحدة من اكبر التحديات منذ إقامتها حسب ( اتفاقية اوسلو ) في العام 1993 ... المظاهرات واسعة النطاق التي اجتاحت كل مدن الضفة الغربية المحتلة وقراها في الأيام الأخيرة بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية وغلاء المعيشة وارتفاع نسب الفقر والبطالة ، وانسداد أفق الحل وعجز السلطة عن القيام بمهامها ، يعبر بلا شك عن حالة فلسطينية جديدة من المفروض أن تضع الرئيس ( أبو مازن ) ومنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية ، أمام مسؤولياتهم الوطنية ليس فقط بهدف حل الأزمات الاقتصادية المتفاقمة ، ولكن من أجل مصارحة الشعب الفلسطيني حول أسباب هذا التفاقم على ضوء فشل ( اتفاق أوسلو ) في تحقيق شيء مما توقعه أكثر المتفائلين بهذا الاتفاق ...

إرباك الجانب الفلسطيني
لقد تراجع الوضع الفلسطيني منذ التوقيع على ( اتفاق أوسلو ) في العام 1993 كثيرا وعلى جميع المستويات ، حتى ما عاد هنالك أمل في أن تقوم دولة فلسطينية بالصورة التي يحلم بها الشعب الفلسطيني ... أسباب ذلك في اغلبها متعلق بسياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة والتي تسعى إلى أرباك الجانب الفلسطيني من خلال إشغاله بعدد كبير من الإشكالات الحياتية ، في الوقت الذي تسعى فيه هذه الحكومات على السيطرة الكاملة على الأرض بتوسيع الاستيطان ، وتغييب مدينة القدس عاصمة فلسطين العتيدة من خلال ضمها بتشريع منذ العام 1982 ، والعمل على تنفيذ مشايع عملاقة بهدف تهويدها وإنهاء الوجود العربي-الإسلامي فيها ، وضخ عشرات الآلاف من المستوطنين الجدد في أنحائها المختلفة ، وإقامة عشرات المستوطنات ، وتفتيت الوحدة الجغرافية والسكانية للمدينة المقدسة من خلال بناء الجدار العنصري ، إلى غير ذلك من الإجراءات المنتهكة للقانون والقرارات الدولية ذات العلاقة بالأراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدس الشريف .

ضياع الحلم الوطني الفلسطيني
كَثُرَ الجدل حول ما على السلطة الفلسطينية أن تفعله حيال ما يجري والذي يعني ضياع الحلم الوطني الفلسطيني أمام نظر وسمع الجميع ... يحلو للبعض أن يُحَمِّلَ السلطة الفلسطينية كامل المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع في فلسطين من جهة ، كما يحلو للبعض الآخر أن يبرئ السلطة من أية مسؤولية عما جرى حتى الآن من الجهة الأخرى. الواقع أن الاحتلال الإسرائيلي هو المسؤول عن كل هذا الوضع الذي يمكن أن يهدد بقاؤه الأمن والاستقرار الدوليين .. هذه حقيقة يمكننا أن نُجمع عليها .. لكن أين يبدأ الخلاف ؟؟!!! في رأيي أن الخلاف يبدأ من حيث تختلف الإجابات عن السؤال : كيف علينا أن نتصرف حيال حقيقة أن الاحتلال هو من يتحمل المسؤولية وحده ؟ الإجابة عن هذا السؤال تدفعنا دفعا إلى فتح الملف على مصراعيه ، ومنه مصير ( اتفاق أوسلو ) على ضوء نتائجه التي يكتوي بها شعبنا وقضيتنا .

وضع غير صالح
بات واضحا في نظري أن الوضع الذي نشا على أرضية ( أوسلو ) لم يعد صالحا كمدخل لتحقيق الأماني الوطنية الفلسطينية في حدها الأدنى المنصوص عليها في قرارات ما يسمى الشرعية الدولية .. هذا يعني البحث عن بدائل أخرى ، أو العمل على إقناع العالم بالتدخل القوي لإجبار إسرائيل على تنفيذ الاتفاق بما يضمن إقامة الدولة الفلسطينية كما يتصورها شعبنا .. هذا بالطبع غير واقعي على الإطلاق في ظل الخلل الواضح في التوازن لمصلحة إسرائيل ، حيث يقف نفاق مرشحي الرئاسة الأمريكية كأكبر مثل صارخ على هذه الحقيقة ..

حل السلطة الفلسطينية
ماذا بقي أمامنا ؟ البديل الأول - حل السلطة الفلسطينية وإلقاء الملف الفلسطيني من جديد في حجر الاحتلال ... هذا بديل خطير ، فقد يؤدي إلى ضياع القضية الفلسطينية بالكامل كما ضاعت في العام 1948 ، كما سَيُسَهِّلُ هذا السيناريو على الاحتلال استكمال مشروعه التوسعي للسيطرة على كامل فلسطين التاريخية دون منازع .. البديل الثاني - الإبقاء على السلطة الفلسطينية كما هي اليوم وبنفس طريقة عملها .. هذا البديل خطير بنفس خطر البديل الأول ... بقاء السلطة بتنسيقها الأمني وحمايتها للاحتلال بحجة استحقاقات الاتفاقات ألموقعه ، في الوقت الذي تدوس فيه إسرائيل كل الحقوق الفلسطينية ، أمر لا يمكن القبول به ، ويجعل من الاحتلال الأقل تكلفة ، الأمر الذي يريح إسرائيل كثيرا .. البديل الثالث - الإبقاء على السلطة الفلسطينية ولكن على قاعدة رؤية عمل جديدة تجمع بين الوحدة الوطنية الفلسطينية وتحويل الاحتلال إلى كابوس مكلف للمحتل ... القيادة الحالية للسلطة لا يمكنها أن تقوم بهذه المهمة خصوصا بعدما سمعناه من الرئيس ( أبو مازن ) في خطابه الأخير والذي جاء مخيبا للآمال حتى في أوساط الأكثر تفهما له ولسياساته ...

إعادة الكرة إلى ملعب إسرائيل
ليس غريبا على ضوء هذه التحليل أن يشترك ( الشاباك ) ( والاستخبارات العسكرية ) ورئيس القسم السياسي - الأمني في وزارة الأمن الإسرائيلية ( الجنرال احتياط عاموس جلعاد ) ، في تحذير بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء ووزير المالية بشدة من تدهور الأوضاع إلى مرحلة الصفر في أراضي السلطة ، والذي يعني – في رأيهم - إعادة الكرة إلى ملعب إسرائيل لتحمل مسؤولياتها القانونية والإنسانية والاقتصادية للشعب الفلسطيني أمام العالم باعتبارها دولة محتلة ، معتبرين سياسات نتنياهو ووزير ماليته اتجاه السلطة بأنها غير مسؤولة . كما شاروا إلى أن استمرار الوضع يكمن أن يدفع الفلسطينيين في لحظة يأس إلى توجيه ثورتهم باتجاه المستوطنين بشكل عنيف لا يتوقعه احد . لم تنس هذه الجهات طبعا من التحذير من أن استمرار هذه الوضع يمكن أن يهيئ الفرصة – على حد قولهم - لسيطرة حماس على مقاليد الأمور بالضفة الغربية بشكل هادئ ..

تزويد السلطة بالمُسَكِّنات
واضح من هذا الاستعراض أن إسرائيل مستريحة جدا من استمرار السلطة الفلسطينية بوضعها الحالي في الحكم ، بل لا يمانعون في أن تزودها إسرائيل ببعض المُسَكِّنات التي تمكنها من السيطرة على الأوضاع والاستمرار في إدارة الشؤون الفلسطينية المحلية ، لأن ذلك سيعمق حالة السُبات الدولية حيال سياسات إسرائيل الهادفة إلى القضاء المبرم على حلم الدولة الفلسطينية المستقلة ، ومنحها الوقت الكافي لاستكمال مخططها ... لذلك لا بد من عقد مؤتمر لإنقاذ فلسطين يلتقي تحت سقفه كل ممثلي الشعب لاختيار قيادة جديدة ، وتبني برنامج سياسي جديد يرفض التعامل مع الاحتلال إلا في الحد الأدنى ، ويقود الشعب الفلسطيني في تحرك شعبي سلمي منظم يكلف الاحتلال ثمنا باهظا ماديا ومعنويا وسياسيا ، مع التأكيد على العمل العربي والإسلامي والدولي المشترك لتحريك المجتمع الدولي ونقله من حالته السلبية إلى مرحلة أخرى أكثر ضغطا على إسرائيل.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة

.