الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 10 / نوفمبر 03:02

بقلم: النائب د.حنا سويد/ الدفاع عن الاسلام والعروبة ليس مهمة المسلمين وحدهم

كل العرب
نُشر: 21/09/12 20:58,  حُتلن: 13:32

النائب حنا سويد في مقاله:

لا يصحّ أن يقف المسيحيون العرب على الحياد إزاء هذه التحرشات المتكررة والمسيئة وكأنّ الأمر لا يعنيهم

المسيحيون العرب شهود حق على الحضارة العربية السمحة وولاؤهم لأمتهم ينبغي أن يدفعهم إلى مقدمة صفوف التصدّي للتحريض على الاسلام والعروبة والعرب

ما هو موقف وردّ فعل المسيحيين العرب في المشرق إزاء هذه الظواهر خصوصا وأنها تجري بالتزامن مع التحركات الشعبية التي تعم العالم العربي من محيطه إلى خليجه ؟

من الطبيعي أن يثور وينتفض كل مسلم في أرجاء المعمورة مهما كان انتماؤه القومي عند اطلاعه على هذا التخرصات التي تستهدف دينه ونبيه وأن يعبر عن غضبه ورفضه لها

هل توفر المجتمعات الغربية لمواطنيها فعلا الحق بحرية التعبير في المجالات السياسية والدينية والعلمية وغيرها كما تدّعي الحكومات لكي تبرر تقاعسها عن التدخل لكبح جماح التحرشات المسيئة للاسلام؟

التشهير بالإسلام وبالرسول اعتداء سافر على العروبة والعرب على اختلاف دياناتهم ومللهم. المقدسات والرموز المسيحية العربية لم ولن تفلت من عبث غلاة المحرضين. المجتمعات الغربية تتذرّع باحترام حرية التعبير كي تسمح بممارسة هذا الفن الساقط، بينما تفرض القيود وتحدّ من حرية التعبير في مجالات علمية وسياسية شتّى. المسيحيون العرب شهود حق على الحضارة العربية السمحة وولاؤهم لأمتهم ينبغي أن يدفعهم إلى مقدمة صفوف التصدّي للتحريض على الاسلام والعروبة والعرب.


حرية التعبير وبدعة التشهير
منذ ظهور وشيوع البدعة التي تمثلت بإنتاج أعمال "فنية" ساقطة معادية للاسلام ولشخصية الرسول الكريم، وانتشارها كالنار في الهشيم بواسطة وسائل الاعلام الالكترونية الحديثة المقروءة والمسموعة والمرئية. نشأت لديّ القناعة بأنّ هذه الظاهرة تشكل تعبيرا وتجليا للحقد الدفين الذي يحتبس في صدور غلاة المهووسين الذين يئسوا من محاولات السيطرة المطبقة على الأمة العربية، ومحاولة للنيل والانتقاص بالأساس من العروبة (كحضارة راسخة ترفض الخضوع والخنوع) والعرب عموما. فالعروبة شكلت الدفيئة والحاضنة للإسلام، والنبي محمد بن عبد الله يعتبر بدون منازع أعظم شخصية عربية أنبتتها الأمة العربية على مرّ العصور (إضافة إلى منزلته الدينية السامية التي تتعدى موضوع هذه الخاطرة). والأمر سواء إذا كان مقترف الإساءة كاتب مسلم أعجمي غير عربي (سلمان رشدي مثلا) أو رسام كاريكاتير دانماركي أو فرنجي أو منتج فيلم من أصل مصري قبطي – فالمروجة والمدافعة عن هذه الموبقات هي المجتمعات الغربية وحضارتها التي تتذرع بحق المبدعين بممارسة حرية التعبير (حتى لو تجاوز التعبير حدود الذوق السليم واشتمل على تحريض صارخ على حضارات وديانات وشعوب بأكملها).


حقيقة حرية التعبير في الغرب وأمريكا خاصة
ولا بد من طرح التساؤل الجوهري: هل توفر المجتمعات الغربية لمواطنيها فعلا الحق بحرية التعبير في المجالات السياسية والدينية والعلمية وغيرها كما تدّعي الحكومات لكي تبرر تقاعسها عن التدخل لكبح جماح التحرشات المسيئة للاسلام والعروبة والعرب ؟ ولنأخذ أمريكا مثلا للإجابة على هذا التساؤل باعتبارها نموذج الحضارة الغربية المعاصرة وأكثرها انفتاحا وليبرالية.
فنذكر بأن عددا كبيرا ومتزايدا من الولايات الأمريكية والجامعات ومؤسسات الأبحاث العلمية تحظر مجرد تدريس نظرية النشوء والارتقاء لتناقضها مع مقولة تكوين العالم الدينية، أو تفرض القيود على إجراء أبحاث علمية تدعم نظرية التحولات المناخية الجارية في العقود الأخيرة باعتبارها "مؤامرة علمية" تحاك للنيل من أمريكا وتفوقها الصناعي والتكنولوجة، أو تحدّ من الأبحاث العلمية باستعمال الخلايا الجذعية لدراسة الأمراض المستعصية والمزمنة وطرق مكافحتها، أو وسائل الاعلام التي تنقضّ على كل من يجرؤ على انتقاد السياسات الاسرائيلية الاحتلالية والاستيطانية (ناهيك عن مجرد التعرض لليهود أو اليهودية) دامغة إيّاه بمعاداة الساميّة واليهود واليهودية مما يؤدي إلى كمّ الأفواه وتعطيل حرية التعبير عن الرأي. وما القول بمنع النساء المسلمات من ارتداء الحجاب أو منع بناء المآذن في المساجد أو حظر رفع الآذان وغيرها.

غياهب التعصب والكراهية
فماذا تبقّى بعد هذه القائمة من التقييدات المفروضة على حرية التعبير الحقيقية في أمريكا وغيرها من المجتمعات الغربية سوى إطلاق العنان للمسيئين للإسلام ورسوله وللعروبة والعرب ؟ أو قل، بماذا يختلف جوهر هذه التقييدات المفروضة على حرية التعبير في الغرب "الليبرالي" عن قيام حركة "طالبان" الأفغانية بتدمير تماثيل بوذا بحجة تناقضها مع العقيدة الإسلامية رغم أنها كانت قائمة عندما كانت الخلافة الإسلامية تسود المشرق والمغرب. ولكي نتجنب التعميم وتوخيا للموضوعية ننوه بأن المجتمعات الغربية عامة والمجتمع الأمريكي خاصة لا تقع كلها على نسق واحد، فهناك حقيقة أوساط غارقة في غياهب التعصب والكراهية والعداء للعرب والاسلام. وبالمقابل هناك أوساط ليبرالية متقدمة ومنفتحة ترفض التحريض والاسلاموفوبيا ونظرية صراع الحضارات وغيرها. ولا بدّ من التنويه إلى أنّ النخب الرأسمالية المتشددة والمتنفذة (التي ما زالت تتوهم أنّ باستطاعتها أن تحكم وتدير العالم بالقوة دون رقيب أو منازع) والدوائر الاعلامية والدينية التي تغذيها هي التي ترعى وتدير وتموّل حملات التحريض والتشويه الشائعة.

الأسس الأخلاقية
ورب قائل بأنّ "المبدعين" الغربيين لم يستثنوا السيد المسيح ورموز النصرانية من أعمالهم الفنية الساخرة وحتى الفاجرة أحيانا. وهذا الإدّعاء صحيح، فهؤلاء المبدعين إكتشفوا فرص جني الأرباح الفاحشة من وراء هذا الفن الساقط ونجحوا في تسخير النظام المالي الرأسمالي (القائم على جني الأرباح من كل شيء) لصالحهم وللترويج لأعمالهم. ولكن على الرغم من صحّة هذا الإدّعاء إلا أنّه يفتقر إلى أبسط الأسس الأخلاقية، فاستخفافك بتراثك وحضارتك وديانتك ورموزها لا يسوّغ لك الاستخفاف والتشهير بحضارة وديانة الآخرين، خاصة إذا تمّ تسخير المشهد برمته للترويج لمواقف ومقولات سياسية وللتحريض السافر على الضحية. ومن الملاحظ، ولكن ليس العجيب، أن رموز الديانة اليهودية لوحدها قد أفلتت من هتك هؤلاء "المبدعين".

ردود الفعل على حملات التشهير

ولا استهجن، بل أنه من الطبيعي، أن يثور وينتفض كل مسلم في أرجاء المعمورة، مهما كان انتماؤه القومي، عند اطلاعه على هذه الأمور التي تستهدف دينه ونبيه، وأن يعبر عن غضبه ورفضه لها ولترامياتها، كونها تشكل مسّا وتشكيكا بمعتقداته الدينية. كما ولا استهجن البتة أن يكون ردّ فعل المسلمين العرب أشدّ غضبا وألما من دونهم، كون هذه التخرصات تشكل مسّا بمعتقداتهم الدينية وامتهانا لكرامتهم القومية نظرا للترابط والتماثل العضوي بين الاسلام والعروبة. ولكن التساؤل الذي أود أن أطرحه في هذه الخاطرة يتعلق بموقف وردّ فعل المسيحيين العرب في المشرق إزاء هذه الظواهر، خصوصا وأنها تجري بالتزامن مع التحركات الشعبية التي تعم العالم العربي من محيطه إلى خليجه؟ أضف إلى ذلك التداخلات والتعقيدات التي تحصل نتيجة نشوء الانطباع بأن غالبية المسيحيين في سورية يدعمون النظام وأن فصائل في المعارضة السورية تتوعدهم بالسوء جراء موقفهم هذا. وكذلك الصدامات الدامية التي جرت بين مجموعات من المسيحيين المصريين (الأقباط) وبين مجموعات من المسلمين في شبه زوبعة أو إعصار غزا مصر أرض الكنانة. بل وتلك الهجومات الارهابية التي تعرضت لها كنائس العراق والتي نفذتها على ما يبدو مجموعات تكفيرية تدّعي الجهاد زورا وبهتانا. ويعمّ انطباع (ولكنه خاطئ بلا شك) بأن المسيحيين العرب في الشرق يشكلون امتدادا للغرب ويعود ولاؤهم الحقيقي إليه باعتباره حاميهم من محيطهم الإسلامي المعادي.

ملاحظة اعتراضية
وفي خضم كل هذه العوامل والمتناقضات نشأت وترددت على لسان بعض المفكرين والمعنيين بشأن مسيحيي الشرق نظرية المؤامرة ومؤداها أن هناك مخطط يهدف لتفريغ الشرق من المسيحيين وتشتيتهم أيدي سبأ في شبه تواطئ واتفاق بالسكوت والإيحاء والإيماء بين الغرب الاستعماري والقوى الغيبية الاسلامية التكفيرية. وتحمل هذه النظرية في طياتها اتهاما مبطنا للقوى الغيبية الاسلامية بالتواطؤ مع الغرب الاستعماري أو بالعمل بغير وعي على تمرير مخططه الجهنمي.
وللحقيقة أقول بأني لا أومن بهذه المقولة أو النظرية. فإني لا اعتقد بأن الغرب يأبه حقا بمصير مسيحيي الشرق وسلامتهم، فالبنسبة له سعرهم سعر غيرهم من العرب. بل لعله يستحسن أن يبقوا في أوطانهم عرضة للاعتداءات من أغبياء التكفير (التي تزايدت في العقد الأخير) ليدعم ادعاءه ودعايته المغرضة بخصوص "حضارة الاسلام الإرهابية" ونزعة المسلمين للسيطرة والتشدّد (ضدّ التسامح) وعدم قبولهم لوجود الديانات والحضارات الأخرى بين ظهرانيهم.

مساهمة المسيحيين العرب
ولا يصحّ أن يقف المسيحيون العرب على الحياد إزاء هذه التحرشات المتكررة والمسيئة وكأنّ الأمر لا يعنيهم. فجوهر الهجمة وأهدافها الخفيّة تتعدّى التعرض للدين والحضارة والرموز العربية كمصطلحات تجريدية، بل تطال السياسة والاحتلال والسيطرة والأقطاب الكونية المتناحرة. فلا بدّ أن نذكر بأن المقدّسات والرموز المسيحية العربية في بلادنا لم تفلت بدورها من العبث، فالاعتداء على دير اللطرون وتدنيسه، وتمزيق صفحات العهد الجديد جهارة وعلى مسمع ومرأى من وسائل الإعلام في "معبد" الديمقراطية الإسرائيلية - الكنيست، وتشويه شخصية السيدة العذراء مريم في برنامج تلفزيوني ترفيهي وغيرها هي ممارسات مألوفة لدينا، ومقترفوها أتباع لنفس مدرسة المارقين والحاقدين على الأمة العربية. بل أن هذه المقدسات والرموز تعرضت للاعتداء والتشويه لكونها عربية فلسطينية بالأساس.

النهضة العربية
وانتماء المسيحيين العرب لأمتهم، وذلك أضعف الإيمان، حريّ بأن يدفعهم إلى مقدمة المنافحين والمتصدّين لهذه التخرصات المسيئة والتحريضية ولأهدافها المعلنة والمبطّنة. ولعلّ تورط منتج فنّي مصري قبطي في الفضيحة الأخيرة يضفي أهمية خاصة على ضرورة إشهار موقف جليّ لا يقبل التأويل مؤداه أنّ المسيحيين العرب لا يقبلون البتة بالتشهير بأمتهم العربية وحضارتها السمحة ورموزها الدينية والتاريخية. فأهل مكة أدرى بشعابها، ونحن مع أمتنا في السرّاء والضرّاء ولا نستعدي عليها أحدا قطعا. وبذلك تتجدّد المساهمات التاريخية لروّاد النهضة العربية من المسيحيين العرب. كما ويبرز بجلاء مبدأ الولاء الحقيقي للأمة وحضارتها ورموزها، وليس لأنظمتها وحكامها اللذين كان بعضهم، وما زال بعضهم الآخر، يتاجر بحمايته للمسيحيين وعلاقته المتميزة معهم في "إقطاعيته" لنيل الحظوة لدى الغرب الذي نصّب نفسه، زورا وبهتانا، حاميا ووليا للمسيحيين العرب.

حملات التشويه والإساءة
لا يجدر بأيّ محتج ومنتفض على حملات التشويه والإساءة، سواء كان مسلما أو مسيحيا أو مهما كان انتماؤه القومي، أن يقدم في سياق الاحتجاج على تنفيذ أعمال يمكن وصمها بالإرهاب، لأن ذلك قد يقدّم الحجة للمتربصين والمارقين ليدّعوا بأنّ العرب والمسلمين يداوونها "بالتي كانت هي الداء". ومهما كانت شدّة الألم والغضب على حملات التشويه، فيجب التعامل معها والردّ عليها بحكمة وتؤدة وبما يثبت زيفها وبطلانها.. 

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة

.