الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 09 / نوفمبر 16:02

الورقة الاقتصادية العربية وحماية المقدسات الإسلامية/ بقلم: د. سامي ميعاري

كل العرب
نُشر: 22/09/12 12:16,  حُتلن: 16:51

د. سامي ميعاري في مقاله:

لماذا لا تكون مقاطعة للبضائع الأمريكية خيارا هاما في ضوء فضيحة هذا الفيلم؟

لكل قوي نقطة ضعف مهما بلغت قوته وتعاظم شأنه واتسع نفوذه ولكل ضعيف نقطة قوة مهما كان ضعيفاً

المليارات التي تصب في الخزينة الأمريكية ألا تستطيع إحداث تغيير في نمط العلاقة والنظرة المتبادلة بين العالمين؟

عند النظر إلى حال الأمة العربية والإسلامية في أهوال الإساءة المتكررة لمقدساتها ورموزها الدينية نلحظ بكل وضوح حجم الاستهانة بهذه الأمة والتجرؤ عليها والتطاول المقزز على رسولها الكريم

التحرر من عقلية التبعية الاقتصادية هو مقدمة التحرر من الهيمنة الاستعمارية ككل ولكوني مؤمنا بأن التبعية الاقتصادية العربية للغرب هي سبب الصمت اتجاه هذه الإساءات على مقدساتنا فسوف أظل أدعو إلى الفكاك من هذه الأغلال والقيود

يقول المفكرون بأن لكل قوي نقطة ضعف مهما بلغت قوته، وتعاظم شأنه، واتسع نفوذه. وأن لكل ضعيف نقطة قوة مهما كان ضعيفاً، ويبقى عليه أن يمسك بزمام المبادرة ويمتلك الشجاعة الكافية لاستنهاض كوامنه وتفعيل إمكاناته، وتوظيف مقدراته في سبيل الدفاع عن وجوده ومقدساته وهويته الحضارية المهددة. وعند النظر إلى حال الأمة العربية والإسلامية في أهوال الإساءة المتكررة لمقدساتها ورموزها الدينية نلحظ بكل وضوح حجم الاستهانة بهذه الأمة والتجرؤ عليها والتطاول المقزز على رسولها الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم.

حقوق الديانات
وفي أية محاولة لتفسير ما يجري تذهب التفسيرات دوماً باتجاه الحالة السياسية العاجزة التي وضعت هذه الأمة في ذيل الأمم وفي آخر ما يحسب له حساب، واعتبار هذه الهزيمة التي تعيشها الأمة هي السبب الرئيس الذي يجعلها عرضة للاعتداء والاحتقار والانتقاص لأن المهزوم مأزوم من كل النواحي. فيما يتناسى من يريد التناسي مقدرات الأمة وإمكاناتها التي يمكن أن تضرب بثقلها حاجزاً منيعاً ضد هذه الأشكال البذيئة من الحرب على أمة كان رسولها الكريم قد أرسى في الأرض أولى القيم التي تحترم حقوق الديانات الأخرى وتلك المنظومة من القيم لم تكن مجرد تعاليم مكتوبة بجمود في مخطوطات مغلفة بالنسيان والإهمال، بل كانت أعمالاً ممنهجة وقدوة متبعة تمثلت في زيارة النبي لليهودي الذي كان يرمي القمامة في طريقه عندما افتقد النبي أذاه فعلم بمرضه فزاره. هذا على سبيل المثال فكيف لو كان على سبيل الحصر لتلك النماذج الفريدة والأمثلة الرائعة والتجارب الاستثنائية التي تركت للتاريخ تأملاته المدهشة وهو يسجل تاريخاً أخلاقياً مذهلاً؟؟؟

العلاقات الدبلوماسية
فأين المقدرات الاقتصادية التي تملكها الدول العربية وبحار النفط التي تسبح تحت صحرائهم في مواجهة هذا العدوان ؟؟؟ وأين العلاقات التجارية التي تشكل شريانا لتلك الدول الغربية مع بلادنا وما الذي يمكن أن يتحقق فيما لو شعرت تلك الدول المصدرة للاعتداءات علينا بأن كل تلك المكاسب التجارية عرضة للخطر بسبب أشباه الفيلم المقزز المسيء لكل من عنده ذرة من دين أو خلق أو كبرياء؟؟؟ وإذا كانت العلاقات الدبلوماسية بمنأى عن تلك الاحتمالات وآليات الرد، فماذا عن الورقة الاقتصادية التي هزمت بريطانيا العظمى في الهند عندما قاطعت الأمة الهندية البضائع الاحتلالية البريطانية، وقد غلقت الأسواق الهندية في وجه ما يجلبه لها المحتل من بضائع؟؟ ماذا عنا ونحن سوق استهلاكية أصلاً، أي أنهم هم المتضررون من قطع العلاقات التجارية لأنهم هم المستفيدون من بقائها ما دمنا سوقا استهلاكية وهم المنتج والمُصدّر؟؟؟ لماذا لا تكون مقاطعة للبضائع الأمريكية خيارا هاما في ضوء فضيحة هذا الفيلم؟

الكفاح الشعبي السلمي
وإذا كانت الأنظمة السياسية والحكومات العربية والإسلامية أوهن من أن تتخذ مثل هذه القرارات فماذا عن الكفاح الشعبي السلمي ضد هذه المنتوجات كما فعلنا مع البضائع الدنماركية عندما ظهرت الرسوم المسيئة للرسول الكريم قبل بضع سنين وقد تكبدت الدنمارك حينها خسائر فادحة منعت تكرار مثل تلك الأعمال المشينة؟؟ دول الخليج تستورد البضائع والماكنات والخبراء من الولايات المتحدة فما الذي هم فاعلوه الآن؟ علماً بأن هذا الاستيراد خاصة في المجال البشري يمثل مخاطر جمة على الشعوب العربية اقتصاديا واجتماعيا وهي مخاطر تمس الهوية والانتماء أحياناً. ولعل من أبرز أنواع المستوردات العربية من أمريكا هو استيراد الأغذية والحبوب ما يجعل الدول العربية مستعبدة من جديد لدى تلك الدول لأن لقمة العيش تمكن الدول الكبيرة من رقابنا وتعيدنا إلى عصور الرق، في الوقت الذي نمتلك فيه كل المقومات الأساسية لنهضة زراعية واقتصادية تعتمد على مواردنا وتبعثها من البلى.

قطاع الصناعة
تستورد الدول العربية 80% من احتياجاتها الغذائية، حتى أن الولايات المتحدة أقنعت دولاً عربية في العقود الخمسة السابقة بعدم زراعة القمح في بلدانها التي تمتلك القدرة على ذلك أصلاً تحت حجة أن استيراده من الولايات المتحدة أقل كلفة من زراعته وإنتاجه في بلداننا العربية، فليس من قبيل الصدفة أن تستورد حكومة الجزائر في العام المنصرم 500000 طن من القمح الأمريكي. وليس من قبيل الصدفة أن قطاع الزراعة في العالم العربي يشهد منذ الستينيات انحدارا وصل حد الهاوية لدرجة أن بعضا من دولنا العربية يشكل إنتاجها الزراعي صفراً. فيما يحتل استيراد الخبراء والعاملين في دول الخليج قدرا كبيرا وهم يلعبون دورا رياديا في قطاع الصناعة بتلك الدول علما بأن استيراد هؤلاء الخبراء يمنع انتقال الخبرة إلى الكوادر البشرية العربية ما يمنع تبوءهم لادوار ريادية في قيادة المجتمع وبناء الدولة. وإذا كان هؤلاء الخبراء الأجانب لديهم القدرة والحرية في نقل خبراتهم إلى دولنا العربية فلماذا ما زال التخلف صفة عامة للصناعة في الدول التي تستورد هذه القدرات البشرية لتحولها من مستورد إلى مُصدّر؟؟؟

التبعية الاقتصادية
أما في مجال الأسلحة فلعل أعظم الأمثلة على استيراد العرب للأسلحة الأجنبية وخاصة من أميركا هو تصدر السعودية دول الخليج في العام 2011 كأكبر شريك عسكري لأميركا بتكلفة 33 مليار دولار قيمة صفقات أسلحة مستوردة. ألا تستطيع هذه الدول أن تراهن على هذه الورقة في التأثير على إحداث التوازن في العلاقات بين الدول العربية والغربية؟ هذه المليارات كلها التي تصب في الخزينة الأمريكية، ألا تستطيع إحداث تغيير في نمط العلاقة والنظرة المتبادلة بين العالمين؟ إن التحرر من عقلية التبعية الاقتصادية هو مقدمة التحرر من الهيمنة الاستعمارية ككل ولكوني مؤمنا بأن التبعية الاقتصادية العربية للغرب هي سبب الصمت اتجاه هذه الإساءات على مقدساتنا فسوف أظل أدعو إلى الفكاك من هذه الأغلال والقيود.

صاعقة اقتصادية مدمرة
لكن لو تخيلنا حجم الخسائر التي يمكن أن تتكبدها الولايات المتحدة فيما لو قاطع العالم العربي ولو بشكل جزئي التجارة الأمريكية من خبراء وأسلحة وأغذية ... إنها صاعقة اقتصادية مدمرة خاصة أن الاقتصاد الأميركي منهك ويتعرض لاختناق وأزمة مالية عالمية تاريخية، لكننا نمد لهم يد العون والإنقاذ الاقتصادي بصفقات الأسلحة وغيرها فيما كان بإمكاننا أن نحقق مصالحنا من خلال الورقة الاقتصادية عصب الحياة وشريانها. لا بد لردات الفعل أن تكون ممنهجة وأخلاقية مثل مقاطعة البضائع الأميركية مثلا... وفي الخلاصة أنقل إليكم أسفي الشديد وحزني العميق على قيام شاب لبناني بالتفاخر بأنه أول من اشترى النسخة الجديدة I phone 5 في الشرق الأوسط بقيمة 200000 $ فيما كنت أتمنى أن يكون هذا الشاب قد أعلن بأنه أول من قاطع الآي فون احتجاجا على الفيلم المسيء وانتصارا لكرامة الأمة وقدسية رموزها وفي مقدمتها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة

.