الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 09 / نوفمبر 23:02

من أنا خارج ذهنية وعقلية المعتقدات ؟/ بقلم: كميل شحادة

كل العرب
نُشر: 03/10/12 08:25,  حُتلن: 08:31

أطرح هذا السؤال لا لأتحدث عن شخصي بتقديم سيرة شخصية .. بل في محاولة لنقل ونشر الكشف الذي كابدته عن بعض اهم حقائق وجودنا كبشر عموما ،عبر مختلف التعابير . فمن انا هنا - يعني من نحن كبشر في الجوهر والاصل .. وما يزع بي للكتابة في ذلك ، أولا : ما أراه ضرورة الصدق مع الذات ومع ما عرفته وتعرفه الذات عن ذاتها وعن العالم . ثانيا وبالنتيجة ما أراه خطئا لدى كل من انطلق في تفكيره وفي حياته من ثقافة عقائدية ،تراثية ، دينية ، وسياسية على السواء .. لماذا أتّخذ هذا الموقف من أرباب وأتباع العقائد بصرامة ودون محاباة ومداراة ؟ لأنني كما أسلفت توا ، إخلاصًا لمعرفتي ،ولأن الوقت حان - حسبما أرى - لنتخلى ، نتحرر ، نترك جميع العقائد ،بعد ان بان وانكشف تهافتها على محك الواقع تاريخيًا .. فالحق هو ما ثبتت صحته في الواقع وليس ما نعتقد وما نرغب ونتمنى ان يكون .. نحن "نؤمن" بالعدل السمائي وبالخلاص على يد مخلّصين سمائيين – سواء مسحاء ، أإمة ومهديين ، وسواهم كما لدى شعوب أخرى – خلال مئات وآلاف السنين ،ونؤمن بالرعاية والعناية الربانية مئات وآلاف السنين بناء على تلك العقائد والطوبيات ،لكننا لم نشهد اي تدخل الهي مباشر او غير مباشر لحل أبسط وربما أخطر مشاكلنا المتقادمة التي نعيشها يوميا - كالفقر مثلا - الذي يودي بحياة آلاف وملايين الأطفال في أنحاء المعمورة سنويا ، حتى اضحت هذه العقائد والمذهبيات مشاكل في حد ذاتها واوزارا وآثاما وعوائقا يقضي الواقع وتقضي الحكمة بالتخلص منها بدل الاستمرار بالتشبث بها وتبنيها كمصادر رحمة ،عدل وخلاص.


ولا يعني التخلص من تلك العقائد التخلص من جميع مشاكلنا البشرية ، لكن يعني توقف حروبنا ضد بعضنا النابعة من خلفيات دينية وعقائدية ،ويعني ضرورة التوقف عن التمسك بحبال الغيب الوهمية لحل مشاكلنا .. ولا اقصد طبعا وايضا بالتخلص من الاديان والعقائد دعوة للانحلال والانفلات والالحاد ، زيادة على ما هو قائم وموجود . وانما القصد هو الكشف عن ما هو عمليا موجود وقائم فينا جميعا وهو المخلّص الحقيقي الدائم ،الذي حاول كل من الأنبياء والحكماء المستنيرين توجيهنا اليه في داخلنا ،لكننا آثرنا الجهل والتجاهل ، وفضلنا الحل الأسهل الذي يصلنا جاهزا بصورة متوارثة ،كصلوات وترديدات أسماء مقدسة وطقوس واساطير وعقائد غيبية ،

اي كبديل سيكلوجي ايماني تبكيتي وتسكيتي لأطفال لم يكبروا عبر آلاف السنين ،بينما الجنة الملكوت الخلاص المخلّص هو فينا محجوب بما نفكر ونشعر عادة وبالعادة ، بغض النظر عن مضمون التفكير ، دينيا ام علمانيا ايجابيا ام سلبيا . فالفكر هو المشكل الاساس لكل المشاكل الاخرى اللاحقة . وعندما يبرز رجل عقائدي سواء ديني او سياسي لعلاج قضية اجتماعية ولحل مشكلة من منطلق ما يؤمن به ويراه عقائديا ، هو ينطلق من ضمن مشكلة قائمة وسابقة لم تُحل ، وهي بحاجة الى حل قبل الخوض في اي علاج آخر . بالتأكيد انني آخذ في الحسبان احتجاج المؤمنين على هذا الطرح بالقول : ان المشاكل والحروب لا تقوم بين البشر بسبب العقائد الدينية ،لأن العقائد الدينية جميعا تنهي عن الشر والجور وتأمر بالعدل والخير . ( ألمشكلة في أخلاق الناس في صفاتهم وفي طبائعهم ،والاديان جاءت بالذات لتقضي على تلك الاخلاق السلبية ولتغيِّر الصفات وتعالج الطباع وتحولها من ظلامية الى نورانية خيرية )..

لكن مهما كان هذا الاحتجاج ممنطقا ومفقها ومنرملا ووجيهًا، في الواقع العالم البشري مُنقسم الى مجموعات دينية وسياسية كبرى وصغرى ،كل منها يؤمن بنفسه ويكفر بسائرها .. وهي جميعا تحتفظ بتناقضات جذرية وبعناصر سلبية داحضة للآخرين ، وفي هذه العناصر يكمن (البوتنتسيال) (المكنة) لتولد الكراهية والتعصب والتطرف والحروب ،وهو ما نحن بصدد مواجهته ومعالجته في هذا الطرح .. في الواقع لا يمكن إقامة تسوية بريئة ومصالحة حقيقية بين البشر – جماعات وافراد على السواء – دون كشف عميق بريء حقيقي عن جوهر وجودهم الذي هو جوهر الوجود بإطلاق ،ولا يمكن الكشف داخليا عن هذا الجوهر ، إلا بشرط التخلص – لا من العقائد الدينية والسياسية والفكرية في حد ذاتها ، كمرجعيات مطلقة ابدية فوقية مقدسة وحسب – بل من الاساس الذي تقوم عليه جميعا في الوعي .. الاساس غير العرفاني المجهول في الانسان ،والحاجب له عن ذلك الجوهر ، وهو الفكر الذي يعيش على جهل ذاته من خلال استمراره من خلال اصطلاحه الذاتي - العفوي والارادي معا - أي تحوله من حركة مجردة الى مصطلحات ذهنية تتأثر لدى كل فئة حسب طبيعة بيئتها ومكتسباتها النفسية والحسية . المشكلة في الفكر كخالق وهمي حقيقي للتشافه والتقارن الازدواجي الثنائي ،بين المطلق الحي فينا وبين الجسد ،كصورة فهم وإدراك أوَّلي طبيعي حسي ..

ألوعي في الاصل قوة بسيطة مجردة كصخرة يمكن ان ننحت ونزخرف فيها ما نحب وما نشاء ونتخيل ونعتقد ،يصير المرء على دين تفكيره وتصوراته ومزاجه وطباعه وصفاته .. هكذا يصبح هذا الوعي بوذي ،مسيحي ،يهودي ،يساري ، يميني، قومي ،شوفيني، علماني، لبرالي، ايماني، الحادي، شرقي، غربي الخ الخ .. انه وعاء خالٍ في الاصل ونحن - كقرناء وهميين في الظاهر الحسي والنفسي للمطلق – نهندس ونخطط له وفيه ، نملأه بهذه التوجهات والمفاهيم أو تلك .. وما عملية الكشف الصوفية الوجودية ،التي هي العملية الوحيدة التي بامكانها التغيير الجذري في فهم المرء لحقيقته وواقعه ،سوى مسح لشاشة الوعي من تلك الافكار التي هي كالغبار على وجه مرآة صافية نقية في ذاتها ،وكالفضاء الذي ملأته الحرائق أدخنة فحجبته عن ذاته ،يجب الكف عن إشعال الحرائق كي نراه على حقيقة صفائه وحريته ،وكالنهر الذي عكرته الاتربة والاوساخ..

يجب التوقف عن إلقاء النفايات والاوحال الى مجراه .. هكذا نحن بحاجة الى تنقية الوعي من الفكر ومن نزعاته الشخصية وعاداته التاريخية الواعية وغير الواعية، المقترنة بالحواس وصورها المختلفة .. يجب ان نتوقف عن رمي نفايات أنفسنا (الجهل الكذب الحسد الطمع .. الخ) الى داخل قلوبنا ووعينا كي نتمكن من رؤية وجودنا القابع في البعد "الماورائي" اي ما وراء الفكر لا ما وراء الطبيعة وما فوق العالم كما ظن الغيبيون ،كي نكتشف ان الوعي فينا هو الوجود المطلق الذي لا وجود خارجه ولا وجود الاه وكل شيء فيه وجزء منه كبعضه . بعد ذلك تتم المصالحة مع انفسنا ومع العالم تلقائيا بحكم اليقظة من ثنائيات الادراك والفهم ،وتصبح الحياة وعي يتمتع بذاته في ذاته وفي تجلياته وتجسداته الوجودية ،الطبيعية والفنية . ويصبح الموت تجددا وكشفا تطوريا لحقيقة الوجود ،وليس نهاية حزينة ،لأننا نكون قد ارتفعنا عن علاقتنا الشخصية بأنفسنا من خلال عملية الكشف والتحقق بالمطلق . في حين تنتهي علاقتنا غير المتكافئة والمغربة عن الواقع ، مع الاله الجبار المتخفي بحجب الغيب والمغيبات الاعتقادية ،ونصبح احرار في انفسنا نتحمل وحدنا مسؤولية وجودنا وتصرفاتنا دون خداع وكذب واوهام ماورائية، لا تسمن ولا تغني من جوع . انه التحول بالوعي من علاقته الاعتقادية بنفسه كثنائية فاصمة له بين طبيعتين ووجودين مختلفين غريبين غير متكافئين ،كمخلوق وخالق ،الى تجربة كشف عن وحدته المطلقة غير المنقسمة في ذاتها وفي انعكاساتها على السواء .

موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة

.