"ظلام" يحصد جائزة "أفضل فيلم/ بقلم: مطانس فرح
أنا من اللّاهثين، غالبًا، وراء الأفلام السينمائيّة العالميّة المميّزة، وخصوصًا تلك المشاركة في مِهرجانات السينما الدوليّة، والحائزة جوائز أو "الفائزة" بنقدٍ أو أكثر، سلبيّـًا كان أو إيجابيّـًا، لتعرّفِها عن قرب، لإشباع رغبتي وأحيانًا حشريّتي، ولأكون مطّلعًا – ولو قليلًا – على ما يدور في فلَك السينما الدوليّة. ونادرًا ما تلفتني أو تشدّني الأفلام السينمائيّة العبريّة أو العبريّة – العربيّة؛ لأنّها تُظهر – بغالبيّتها – العربيّ – حسَب رؤية وفكر الكاتب/المؤلّف اليهوديّ، وعدسة المصوّر اليهوديّ، وميزانيّة المنتج اليهوديّ، وبصمة المخرج اليهوديّ، بشكل سلبيّ، فيكون – حينها – العربيّ إمّا إرهابيّـًا وإمّا تاجر مخدّرات وإمّا عميلًا متعاونًا وإمّا متخلّفًا بدائيّـًا، وما شابه ذلك.
قاصدًا مِهرجان الأفلام الدوليّ الـ28
ورغم ما ذكرته آنفًا، توجّهت مساء يوم الجمُعة الأخير، إلى مركَز الكرمل الحيفاويّ، قاصدًا مِهرجان الأفلام الدوليّ الـ28، لمشاهدة فيلم "ظلام" (Out in the Dark) وباسمه العبريّ (עלטה)، الّذي يحكي قصّة "نمر"، الطّالب الفِلَسطينيّ الأكاديميّ المتفوّق، المثليّ (اللّوطيّ)، الّذي – ولسبب الضّغوطات والظروف الحياتيّة الصعبة، والحياة المزدوجة الّتي يعيشها – يطمح إلى استكمال دراسته الجامعيّة خارج البلاد؛ إلّا أنّ الأحداث تتوالى بشكل مثير، وتصعّب عليه المَهمّة.
النقد الإيجابيّ
لقد تمّ عرض الفيلم، لأوّل مرّة، ضمن مِهرجان تورنتو الدوليّ للأفلام، في شهر أيلول المنصرم، ولاقى إقبالًا رهيبًا ونال استحسان المشاهدين، وحاز الكثير من النقد الإيجابيّ. وبعدها بمدّة وجيزة، بيع الفيلم لأكثر من 13 دولة، من بينها: الولايات المتّحدة الأمريكيّة، كندا، هولندا، فرنسا، ألمانيا، بريطانيا، لوكمسبورغ، وغيرها. وسيشارك الفيلم، قريبًا، في مِهرجان الأفلام في شيكاغو. في عرضه الأوّل في البلاد، حصد الفيلم جائزة «أفضل فيلم» في مِهرجان السّينما الدوليّ في حيفا، مناصفةً مع الفيلم "لنملأ الفضاء" (למלא את החלל)، للمخرجة راما بورشطاين. ومن المقرّر عرض الفيلم في دور السينما الإسرائيليّة في شهر كانون الأوّل/ديسمبر القادم، كان هدفي "المبطّن" من مشاهدة الفيلم كتابة نقدٍ سلبيٍّ عنه، صارخٍ ومطالبٍ بالكفّ عن تشويه صورة العربيّ في السينما المحلّيّة والعالميّة، مجدّدًا، وبأشكال مختلفة.. لكن بعد مشاهدتي الفيلم، أعرضت عن ذلك، وتغيّرت لديّ "قواعد اللعبة"!!.
قصّة الحبّ
يحكي فيلم "ظلام" قصّة "نمر" (نيكولاس يعقوب)، شابّـًا فِلَسطينيّـًا، ابنًا محبّـًا مُخلصًا، وطالبًا أكاديميّـًا متفوّقًا، يحلم باستكمال دراسته خارج البلاد، ويطمح إلى العيش في ظروف أفضل. في ليلة مصيريّة، يلتقي "نمر" "روعي" (ميخائيل ألوني)، محاميًا إسرائيليّـًا معروفًا، ويقع في غرامه.. لتبدأ قصّة حبّ بين الفِلَسطينيّ (ابن رام اللّه) واليهوديّ (ابن تل أبيب)، وكلّما اتّقدت قصّة الحبّ هذه، يُضطر "نمر" إلى مواجهة واقع صعب مرّ أليم، ما بين مجتمع فِلَسطينيّ ينبذه ويرفضه لسبب انتمائه الجنسيّ من جهة، ومجتمع إسرائيليّ يرفض تقبّله لسبب انتمائه القوميّ الفِلَسطينيّ من جهة أخرى. تتوالى الأحداث.. وبعد أن يتمّ إلقاء القبض على أحد أصدقاء «نمر» المثليّين في تل أبيب من قبل المخابرات، بحجّة أنّه مقيم غير قانونيّ، يعيدونه إلى الضِّفة الغربيّة، وهناك يتمّ قتله بوحشيّة، على مرأى من «نمر»! هذه الحادثة تغيّر مجرى الأحداث، فيدخل "نمر" في دوّامة وتخبّطات وصراعات رهيبة، تدفعه إلى اتّخاذ قرار، بل عدّة قرارات، وتظهر له مجدّدًا صعوبة أن يكون فِلَسطينيّـًا ومثليّـًا في آن واحد، فيُضطّر إلى الاختيار ما بين حلمه وطموحه في استكمال دراسته خارج البلاد، وبين البقاء إلى جانب عشيقه، وعدم التخلّي عن حبّه الكبير لـ"روعي"!.
الصراعات الحياتيّة الفِلَسطينيّة – الإسرائيليّة
يسلّط الفيلم الضوء على شريحة المثليّين العرب، تلك الشريحة المُهمَّشة، المنبوذة والمضّطهدة، غالبًا، في مجتمعنا، لينقل لنا الحقيقة عن الواقع اللِّواطيّ الورديّ وحياة اللّيل الصاخبة حينًا، والصِّراعات والمرارات والآلام أحيانًا كثيرة أخرى، الّتي يعيشونها.. فيعرض لنا جانبًا من حياة المثليّين بكلّ شفافيّة وينقلها بكلّ بساطة، تلك المجموعة الّتي من الصعب تجاهلها أو نبذها أو غضّ الطرف عنها؛ لأنّها تشكّل شريحة من المجتمع، لا تقلّ إبداعًا وتميّزًا وتفوّقًا عن باقي أفراده، وعلى المجتمع أن يتقبّلها. لا يخلو الفيلم من الأحداث المثيرة الشيّقة، و"الصراعات" الحياتيّة الفِلَسطينيّة – الإسرائيليّة. يحوي مشاهد حميميّة ومشاهد "جنسيّة لطيفة"، لا تخدش الحياء، مصوّرة بشكل فنّيّ جميل. إنّ التصوير والموسيقى والمونتاج والتّمثيل والإخراج عناصر اجتمعت معًا، لتشكّل معادلة ناجعة لنجاح الفيلم.. هذا الفيلم الّذي يرينا واقعًا آخر، نعيشه و/أو نتجاهله.
فلَك الفنّ والأفلام والسينما
وأكثر ما شدّني ولفتني في الفيلم هو بطل الفيلم، الحيفاويّ المبدع والمميّز نيكولاس يعقوب، والّذي يلعب دور البطولة للمرّة الأولى في حياته. حيث لا يمكنك ألّا تلتفت إلى موهبته الرهيبة وقدرته التمثيليّة البارزة؛ ممثّل موهوب فعلًا، مرهف الحسّ، صادق، يأخذك معه لتعيش قصّته، فتتعاطف معه وتصدّقه؛ فلا يخطر على بالك – للحظة – أنّك أمام ممثّل مبتدئ، بل محترف كبير. جسّد الدور بشكل صائب وسليم، فأشعّ وسطع في الـ"ظلام". أراهن على نيكولاس يعقوب؛ لأنّه نجم بدأ يتلألأ في فلَك الفنّ والأفلام والسينما، نجم سيُشعّ ويسطع بريقه لمسافات بعيدة، فسيصعب عليك حينها أن تتجاهل هذا البريق أو تغضّ عنه الطّرف!.
اختيار الأدوار المناسبة والمميّزة
أتوقّع مستقبلًا زاهرًا ومتألّقًا للنجم الحيفاويّ يعقوب؛ هذا النجم الّذي تعالى على ذاته، وجسّد دوره بكّل ثقة وجرأة وحِرْفيّة ومِهْنيّة. نجم يصعب أن يأفَل بسهولة. وإن فلح في اختيار الأدوار المناسبة والمميّزة، والعمل مع طاقم محترف، يمكنه حينها – بكلّ جدارة – أن ينافس كبار النّجوم؛ لأنّه لا يقلّ كفاءةً عنهم، وليكون بذلك سفيرنا في عالم النجوم. ترقّبوا لقاءً حصريّـًا ومميّزًا مع نيكولاس يعقوب، قريبًا، في صحيفة "حيفا". "ظلام" – إخراج: ميخائيل مائير؛ إنتاج: ليهو روطر، ميخائيل مائير؛ سيناريو: ياعيل شفرير، ميخائيل مائير؛ تصوير: ران أڤيعاد؛ موسيقى: چاي إيال؛ تصميم أزياء: حمادة عطا الله؛ تمثيل: نيكولاس يعقوب، ميخائيل ألوني، جميل خوري، خولة حاجّ – دبسي، لؤي نوفي، ميساء ضوّ، ألون بدوت، شمعون ميمران، ألون أولارتشيك، حيلي چولدنبرغ.
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net
تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد:
مجموعة تلجرام >>
t.me/alarabemergency
للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >>
bit.ly/3AG8ibK
تابع كل العرب عبر انستجرام >>
t.me/alarabemergency