إبراهيم صرصور في مقاله :
الدعوة هي الأصل والسياسة جزء منها أما البرلمان ففرع ووسيلة
كم أتمنى لو تنجح الأحزاب والقوائم العربية في تحقيق الوحدة التكاملية التي كانت وما تزال هدفا ساميا من أهدافنا في القائمة الموحدة والعربية للتغيير
بعد التحالف بين حزبي الليكود ويسرائيل بيتنا بات من البديهي أن يتخلى المجتمع العربي في الداخل عن حالة عدم الاكتراث واللامبالاة وأن يتحول إلى عاصفة تعيد اصطفاف جماهيرنا من جديد
من المؤسف أن تضع بعض القوى مسارات النضال المختلفة والمتنوعة في حالة صدام بدل أن تكون في حالة وئام وانسجام ونحن في الحركة الإسلامية نرفض أن يُختزل النضال الجماهيري في انتخابات الكنيست فقط
من غير المعقول أيضا أن تخرج علينا بعض الأقلام مستبيحة كرامة مئات آلاف العرب الفلسطينيين ممن يمارسون حقهم في التصويت في الانتخابات البرلمانية من خلال اتهامهم ب - "اللاوطنيين" بدعوى أن " الوطنية " تتناقض مع انتخابات البرلمان
تأتي هذه الدعوات في وقت نرى فيه الحركات الإسلامية تخوض معركة المشاركة والبناء في عالمنا العربي وفي العالم كله غربا وشرقا غَيْرَ هيّابين من اقتحام كل مجالات الحياة ومواجهة كل التحديات الداخلية والخارجية أملا في التغيير
نحن الفلسطينيون في الداخل نعيش أوضاعا غاية في التعقيد لا تدع لنا مجالا سوى المشاركة وبكل فعالية في كل مجالات الحياة واستغلال كل مؤسسة رسمية كانت أو شعبية يمكن أن تقدم لنا خدمة وأن تحقق لنا إنجازا أو تدفع عنا ضررا أو خطرا مهما كان بسيطا
اختتمت الحلقة السابقة بالتذكير بقواعد أصبحت في تراثنا الحركي من البديهيات ، إلا أنني أشعر أحيانا أنها تغيب عن البعض فلا بد من التذكير بها دائما .. أبدأ بتحديد القاعدة التي تتبناها الحركة بشكل منهجي ، وهي أن الدعوة هي الأصل والسياسة جزء منها ، أما البرلمان ففرع ووسيلة .... فالحركة الإسلامية في تعاملها مع ملف الانتخابات البرلمانية تختلف عن غيرها من الأحزاب العربية في أن العمل السياسي في نهجنا جزء من مجموعة واسعة من الأنشطة ذات هدف واحد وهو التبشير برسالة الإسلام الخالدة في بناء الإنسان وعمارة الأرض على قاعدة اتصال الأرض بالسماء ..
وبالتالي فالسياسة بهذا المعنى في نهجنا هي جزء من مفهوم شرعي شامل، شعاره "حيثما كانت مصلحة المسلمين فثمة شرع الله" ، مع وعي كامل بكثير من الضوابط التي من المفروض أن تُرَشِّدَ مسيرتنا السياسية وغير السياسية ، ولكن بلا تعقيد ولا انفلات ولا تكلف ولا تشديد .
التحرك الفوري
على ضوء هذا المفهوم التقدمي جاءت دعوتنا في هذه المرحلة بالذات لقيادات وكوادر وأنصار ومؤيدي الحركة الإسلامية والقائمة الموحدة والعربية للتغيير ، وكذا كل الأحزاب العربية الفاعلة ، إلى التحرك الفوري لوضع الخطط والبرامج التفصيلية لخوض الانتخابات البرلمانية الوشيكة ، وذلك بعد أن أصبح واضحا أن الساحة الإسرائيلية تشهد استقطابات يمينية متطرفة ستستهدف أول ما تستهدف مجتمعنا العربي في الداخل إضافة إلى أمن المنقطة واستقرارها .
التحالف بين حزبي الليكود ويسرائيل بيتنا
بعد أن أصبح واضحا أن المجتمع الإسرائيلي يسير بخطى حثيثة نحو تشديد القبضة على المشهد السياسي من خلال التحالف بين حزبي الليكود ويسرائيل بيتنا ، المدعوم من أحزاب اليمين المتطرف الأخرى ، فقد بات من البديهي أن يتخلى المجتمع العربي في الداخل عن حالة عدم الاكتراث واللامبالاة ، وأن يتحول إلى عاصفة تعيد اصطفاف جماهيرنا من جديد ، وتدفع بها إلى ممارسة حقها في التصويت في الانتخابات البرلمانية الوشيكة بشكل مكثف ، وذلك ردا على نسبة التصويت المرتفعة المتوقعة في المجتمع اليهودي . آن الأوان للأصوات الداعية إلى المقاطعة على قلة نسبتها أن تفهم أنها بهذه الدعوة إنما تُقدم جماهيرنا العربية هدية مجانية وعلى طبق من ذهب لليمين المتطرف الإسرائيلي الذي يتمنى ألا يجد صوتا عربيا يقض مضجعه في الكنيست.
مقاطعة الانتخابات
من المبكي والمضحك فعلا أن نسمع أصواتً في مجتمعنا بغض النظر عن لونها الفكري أو انتمائها الفئوي ، تدعو لمقاطعة الانتخابات متسلحين بدعاوى أكل عليها الدهر وشرب ، ولم تعد تقنع حتى الأطفال في مجتمع تتنامى فيه وباضطراد نسب الوعي الديني والقومي والوطني ، والذي من ملامحه اقتحام الأهوال دون تردد وتعزيز الحضور في كل موقع داخل البرلمان وخارجه ، واستنفار القوى الكامنة في مجتمعنا للتحرك على كل مسارات النضال والكفاح والجهاد المدني بما فيها البرلمان ، بهدف سد الأبواب على ذئاب السياسة الإسرائيلية ، وقطع الطريق على سارقي الإرادة الشعبية . من المؤسف أن تضع بعض القوى مسارات النضال المختلفة والمتنوعة في حالة صدام ، بدل أن تكون في حالة وئام وانسجام ... نحن في الحركة الإسلامية نرفض أن يُختزل النضال الجماهيري في انتخابات الكنيست فقط ، ولذلك لما قررت الحركة خوض الانتخابات في العام 1996 ، فقد استحدثت بهذا القرار مسارا نضاليا آخر أضيف إلى عشرات المسارات التي تتبناها حركتنا المباركة خدمة لمجتمعنا ، والتي ما زالت تنطلق فيها بأقصى قوة ، بل ورأت في هذا المسار الجديد تعزيزا للمسارات الأخرى ودعما لها . ".
الوطنية تتناقض مع انتخابات البرلمان
من غير المعقول أيضا أن تخرج علينا بعض الأقلام مستبيحة كرامة مئات آلاف العرب الفلسطينيين ممن يمارسون حقهم في التصويت في الانتخابات البرلمانية ، من خلال اتهامهم ب - "اللاوطنيين " ، بدعوى أن " الوطنية " تتناقض مع انتخابات البرلمان !!!! هذه الدعوى بالطبع لا تستحق الرد ولا النقاش لشدة تهافتها ، بل توقع أصحابها في فخ خطير ، فإن كانت هذه الدعوى قائمة على مفهوم أن المشاركة في انتخابات الكنيست فيها ( تبييض !!! ) لعنصرية إسرائيل ، فهي ليست ليست أكثر من ذر للرماد في العيون ، وتضليل متعمد لن ينطلي على احد .. يكفي للرد على هذا الادعاء هذه الهجمة الشرسة التي تشنها أغلبية الأحزاب الصهيونية دينية كانت أو قومية على النواب العرب ، وحملاتهم الداعية إلى ( تطهير !!!! ) الكنيست منهم ... سبب ذلك وإن جهله البعض أو تجاهله ، هو الدور الموجع الذي يقوم به النواب العرب بهامات مرفوعة وقامات منتصبة لا تركع إلا لله وحده .. أما إن كانت دعواهم هذه تقوم على أن البرلمان مؤسسة سيادية الدخول إليها ( شرعنة لغير المشروع !!! ) ، فأين شجاعتهم في أن يعلنوا عدم اعترافهم بإسرائيل علنا إن كانوا صادقين ؟!!! ولما لا يتخلون عن رموز سيادية إسرائيلية أخرى هي من صميم هذا المفهوم ، ابتداء من جواز السفر الذي يتمسك به هؤلاء في حلهم وترحالهم تمسكهم بأرواحهم ، مرورا بالتعامل مع كل مؤسسات الدولة الرسمية والتي هي أيضا سيادية حتى النخاع ، وانتهاء بقبض المعاشات والمخصصات من يد الدولة وبعملة النقد الإسرائيلي ( الشاقل ) وهو العملة السيادية لإسرائيل ؟؟!!! والأمثلة أكثر من أن تحصى . إن كان ردهم على هذه الأسئلة أن في كل ما ذكرت ضرورة لا بد منها لتعزيز الوجود ، فلماذا لا يحترمون اجتهاد من قرر خوض الانتخابات في ذهابه إلى أن خوضها ضرورة ، ولماذا لا يبقى النقاش في دائرة الرأي والرأي الآخر دون إقحامه في مناطق مفخخة وملغمة يمكن أن تفجر وحدتنا الوطنية ، وتبعثر جهودنا الجمعية ، وتدخلنا في مهاترات لن تخدم إلا أعداءنا ؟؟!!!!
الكل يتغيرون إلا البعض منا
المفارقة الكبرى أن تأتي هذه الدعوات من بعض الإسلاميين وبعض العلمانيين في وقت رأينا فيه حماس الإسلامية تخوض انتخابات المجلس التشريعي في العام 2006 في إطار ( اتفاق أوسلو الخياني !!! ) وعلى أساس قواعد اللعبة التي حددها ، وتحت حراب الاحتلال الإسرائيلي الجاثم على كل شبر من ثرى فلسطين الحبيبة ، وذلك بعدما حرمت الانتخابات التي جرت في العام 1996 ... كما تأتي هذه الدعوات في وقت نرى فيه الحركات الإسلامية تخوض معركة المشاركة والبناء في عالمنا العربي وفي العالم كله غربا وشرقا ، غَيْرَ هيّابين من اقتحام كل مجالات الحياة ومواجهة كل التحديات الداخلية والخارجية أملا في التغيير ... انظروا تصريحات (الرئيس مرسي ) ألإخواني في حديثه عن طبيعة الدولة ( المدنية والعصرية الحديثة والديمقراطية !!! ) ، ولقاءاته مع كل فئات الشعب حتى الفنانين والفنانات الذين ملأوا الأرض فسادا وفجورا ، هذا على مستوى السياسة الداخلية ، أما على مستوى السياسة الخارجية فانظروا تصريحاته حول ضرورة احترام الاتفاقات الدولية منها اتفاق " كامب ديفيد " الذي اعتبره " الأخوان المسلمون " في حينه خيانة عظمى للدين وللأمة وللوطن ، ومحاولة بناء الجسور مع كل دول العالم التي نعرف انحيازها لإسرائيل وحمايتها لكيانها ... الكل يتغيرون إلا بعضا منا هنا في الداخل الفلسطيني رغم أننا كالأيتام على موائد اللئام بعدما تخلى عنا الصديق قبل العدو ، وتركونا نخوض نضالنا المشروع وحيدين إلا من فتات يحسبه الظمآن ماء.
التحدي الكبير
إنها الواقعية الشامخة التي يفتقدها الكثير من دعاة المقاطعة على اختلاف مشاربهم الفكرية وانتماءاتهم الحركية والحزبية ... الواقعية الشامخة التي لا تخاف من خوض التجارب ، والتي تأخذ بعين الاعتبار الواقع المعاش وموازين القوى ، وتحاول استثمار هوامشه في سبيل تحقيق الأهداف الاستراتيجية بعيدا عن ( العنتريات الجدلية !! ) ... نحن الفلسطينيون في الداخل نعيش أوضاعا غاية في التعقيد لا تدع لنا مجالا سوى المشاركة وبكل فعالية في كل مجالات الحياة ، واستغلال كل مؤسسة رسمية كانت أو شعبية يمكن أن تقدم لنا خدمة وأن تحقق لنا إنجازا أو تدفع عنا ضررا أو خطرا مهما كان بسيطا ، شرط ألا تتعارض مع ثوابتنا الدينية والقومية والوطنية فلا مكان مثلا للجيش والأجهزة الأمنية المختلفة والخدمة المدنية بصيغتها الصهيونية ، كأمثلة فقط لا على سبيل الحصر لمؤسسات نرفض المشاركة فيها لأسباب لا تخفى على احد. التحدي الكبير أمامنا كجماهير عربية هو في مدى نجاحنا في تحويل هذه المسارات النضالية المختلفة داخل البرلمان وخارجه ، إلى منظومة نضالية منسجمة ، تشكل إنجازاتها التراكمية معا رافعة النهضة لمجتمعنا الذي يحتاجنا جميعا موحدين ومتفقين غير مختلفين ولا متشاحنين ، وفي تحقيق عملية تشبيك عميقة بين مكونات هذه النضال من جماهير وأحزاب وحركات وسلطات محلية ومنظمات مجتمع أهلي ..
تحقيق الوحدة التكاملية
كم أتمنى لو تنجح الأحزاب والقوائم العربية في تحقيق الوحدة التكاملية التي كانت وما تزال هدفا ساميا من أهدافنا في القائمة الموحدة والعربية للتغيير . مهما كان الوضع في النهاية من حيث الوحدة أو عدمها ، فالقائمة ستمضي قوية واثقة الخطى نحو نصر محقق إن شاء الله ، وتدعو في سبيل ذلك الجماهير العربية إلى تلقين اليمين المتطرف درسا من خلال المشاركة الكثيفة في التصويت في انتخابات 22.1.2013 ، والتي نطمع أن تصل إلى 70% . كما وتدعو الأحزاب العربية إلى الاتفاق على إستراتيجية تحقق ثلاثة أهداف أساسية ما زالت قلب التحدي الذي يواجه الجميع . الأول ، رفع نسبة التصويت في المجتمع العربي إلى أعلى نسبة ممكنة ، وهذا يستدعي تقديم فلسفة انتخابية جديدة مقنعة ومحفزة في نفس الوقت ، وهي مسؤولية الجميع دون استثناء . الثاني ، الوقوف بعناد في مواجهة محاولة الأحزاب الصهيونية اصطياد الأصوات العربية تحت مختلف العناوين ، وكذلك ضد الداعين إلى مقاطعة الانتخابات ، وهذا يستدعي توجها جماعيا من جهة كل الأحزاب العربية يخاطب العقل ويبتعد قدر المستطاع عن العاطفة . أما الهدف الثالث فهو الاتفاق على خطة محكمة لإدارة يوم الانتخابات خصوصا وأنه سيكون من أيام الشتاء الباردة ، من أجل تحقيق أعلى نسبة من التصويت دون نزاع أو صراع لن يصب إلا في صالح خصوم جماهيرنا .
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net