اردت مرة ان ابني كوخا صغيرا كالذي كنت اراه في الرسوم المتحركة. ولما اخترت شجرة المشمش القابعة في زاوية "الحاكورة" لأن أبني تحتها الكوخ, رحت ابحث عن مواد استعملها للبناء, فلم أجد غير الحجارة. فجمعت بعضا منها ورتبتها على شكل دائرة كبيرة.ورغم انه كان يساورني شك ان كان يحق لي حينها ان ادعو تلك الدّائرة"بالكوخ" الا انني دخلت الدائرة وجلست القرفصاء داخلها أتظلل بظل شجرة المشمش العريضة ذات الأوراق الخضراء والمستديرة.
ولا اعتقد ان اختياري لشجرة المشمش لأن تكون "مقرا" للكوخ كان من محض صدفة, فقد قال لي أخي حينها ساخرا "لما لا تختارين شجرة اللّوز اكبر واحسن".لم ترق لي فكرته ليست لانها قيلت في جو ساخر وحسب, ولكن لانني اردت واحببت شجرة المشمش تلك.
طالما احببت الطبيعة فكانت ملاذا امنا بالنسبة لي,و الذي ما زلت الى الان اجد فيه راحتي وسعادتي . ولكنني احببت شجرة المشمش تلك بشكل خاص حتى صارت صديقة لي وحتى صارت صورتي بجانبها أو تحتها أو على جذعها العريض صورة شبه مألوفة.وأما لما أحببتها وما سر تلك العلاقة بيني وبينها فلا ادري. ربما لانني كنت اشعر انها كانت كانت تشبهني او تشبه شيئا ما بداخلي الى حد كبير وكأن جزء من ذاتي تمثل لي على هيئة شجرة.فاوراقها المستديرة الملساء اكاد اراها تبتسم لي فارى فيها وجه جدتي السّمح.وجه جدتي الذي كان يجعلني سعيدة رغما عني ورغما عن كل ما في الدّنيا من هموم . ذلك الوجه الذي رافقني طويلا فصار جزء لا يتجزأ من ذاتي, وسببا من أسباب سعادتي.تلك السعادة التي لا نبحث عنها لكي نجدها, ولكنها وهبت لنا كما وهبنا السمع والبصر.أو تلك السّعادة التي نبحث عنها حقا, ولكنّنا لا نجدها في اموال وقصور.بل قد نجدها في تلك اللّحظة التي تلي الدّموع بعد ان كبتت طويلا, او في ذلك الحضن الذي بحثت عنه طويلا بعد أن كشرت لك كل الوجوه عن أنيابها.هذه السّعادة لا غنى لنا عنها حتى لو ملكنا الدّنيا بأسرها.فكانت أوراق المشمش كلها تتوزع فوق رأسي كوجوه طيبة تحتضنني, فأشعر بلذة دفء رائع يسري داخلي!
موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجي إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع علي العنوان: alarab@alarab.net