الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 09 / نوفمبر 23:02

الحياة : لعب مدهش ورهيب/بقلم: كميل شحادة

كل العرب
نُشر: 16/11/12 08:04,  حُتلن: 08:48

اروع بحث في الحياة هو البحث عن الحقيقة وهو اسمى غاية " فاذا عُرفت – اي الحقيقة - تعبدها العارف وتملكته" (هرمس المثلث بالحكمة )

الحقيقة بالنسبة للحياة والموت

بالنسبة للجوهر والمظهر ، او للظواهر والانعكاسات والتجليات

بالنسبة للكون ، التاريخ الانسان والطبيعة

بالنسبة لكل شيء

وقد يختلف المنطلق الاسلوب والغرض والاتجاه ، لكن الشوق للمعرفة والكشف والتحقق هو ذاته ، ويختلف في الدرجة وفي الوتيرة والعمق

في مدى الحساسية في القلق والتوتر الكامنين في الشوق

بينما الطباع والصفات الباطنية والظاهرية والخيال والثقافة ، كل ذلك يلعب دوره في تشكيل كل ما سبق وعرفناه قررناه وسلكناه ، وفيما نقصد الى معرفته وتشكيله حاضرا



في الحقيقة لا يُستنفد التفكير والشوق والتأمل والحديث عن الحقيقة

التحدي ماثل في الرغبة في لقائها وفي الكره من لقائها في آن

اما الرغبة فللخلاص من الخوف من المجهول ومن شقاء الماضر ( الماضي الحاضر) المعروف ، واما الخشية والكره من لقاء الحقيقة ، فمن الشعور الساحق بفقدان عالمنا المعروف الذي لا نعرف سواه ونتعلق به بمشاعرنا وذكرياتنا

هذه المعضلة التناقضية تقف في المرصاد لطلاب الحقيقة

فثمن الحصول على الحقيقة هو التخلى عن هذا العالم لا محالة ،عالم الاحلام والاوهام الذي لا بد من مفارقته عمليا وحتميا في يوم من الايام

(التخلي) الذي قد يفهمه البعض ترك فيزيقي وصوري للعالم بالقوة ،غير ان الممكن الوحيد للتخلي هو فيما يتجلى في الوعي عبر التفقه بجدل الاضداد واتقان فن التركيز والتأمل والتجاوز ، ما يحتاج لمرشد متمكن مبدئيا



ممثلون محترفون
ان مزيج المكونات العقلية والنفسية والحسية والروحية عموما يجعل من علاقتنا بأنفسنا وبالواقع علاقة تمثيل ولعب ، ادوات واغراض

نحن ممثلون محترفون جميعا أجدنا هذا الفن عبر التطور الخلاق والمشبوه للحياة

هذا التطور الجدلي الذي جمع بين شتى الاضداد على مسرح واحد ، هو الواقع

الصدق ، الكذب الاسود والكذب الابيض ، التلون والتكيف ،هي من عناصر ضرورات البقاء والقدرة على الاستمرار

يظهر ذلك في السياسة والعمل والتجارة والاعلام

في الفن والدين والفكر والشِعر

في العالم التربوي والثقافي والمعيشي عموما بكل مستوياته ومجالاته

هي اخلاقية التكوين او فلسفة الطبيعة اذا صح

هي حكمة الحياة ، ولاحرج في ذلك كما يبدو

نحن كذلك على هذه الحال ملايين السنين ليس البارحة واليوم فقط بمعدات وخطط وبرامج جديدة متطورة – ومن لا يصدق هذا فاليستفتي نفسه لحظتين -

كثير من ذلك هو غير ارادي لا شعوري لا واع ٍ

كلباس الحواس والقوى العضوية الغير ارادية بيلوجيا وشعوريا للوعي ،فهي أقنعة تلبسنا دون ارادة منا ودون وعي بحكم الولادة ،وبعض ذلك أقنعة نلبسها نحن بمحض اختيارنا وتمييزنا



تمثيل ولعب
هكذا تبدو الحياة تمثيل ولعب جاد هزلي كوميدي عابث بمستويات تختلف فيها الدرجة والعمق والتوتر

الجميع سواسية من ذلك في الجوهر

فلا يعتقد معتقد انه مختلف ، ومن الاله حتى الحجر

فالله هو الفنان الاول والممثل الأول الذي يقف وراء كل انواع اللعب والعبث والجد " يمكر" بالكل من حيث تخفيه في جميع الكائنات والافعال والافكار والرغبات والآمال

وكثيرا ما تُشبه لوحات الله لوحة رسام قذف شاشته البيضاء بشتى الاصباغ والدهون والالوان ، لترى فيها تركيبة من بركان يثور الى جانب مدينة تحتفل بعيد الحب ،الى جانب تسونامي يخلط الاوراق على فجر طالع على قطعان ترعى ، الى جانب حرب طاحنة بين جيشين وشعبين بسبب امرأة ، الى جانب مسابقة ملكات جمال تفوز بها قردة بشرية ،الى جانب لعبة كرة قدم تحولت الى خسارة للجميع بمأساة انهيار مدرجات ، او لفرحة جمعت بين أعراق من البشر حاقدة في سائر الايام على بعضها

الخ الخ على ما في كل ذلك وسواه من اختلاط اتجاهات ومعان وحالات

الخليقة هي لعب ابداعي مدهش ورهيب

رهيب لأن العبث عنصر قوي من اخطر العناصر في مركب اللعب الوجودي عموما

ألم يحدث مع فلان وهو يغمس لقمته الاؤولى في صحنه فلم يذقها لأن سكته قلبية سبقت لقمته

ألم يحدث لعلان ان أعد لجثمانه قبرا ، فاختفت جثته في اعماق البحر جراء سقوط الطائرة التي كان يستقلها ، فبقي القبر منتظرا وحيدا فاغرا متعجبا



خيال اكبر
لا شك هناك من هو اقدر مني على الاتيان بأمثلة عن العبث ، كمكوِّن من مكونات الحياة والواقع

لكن اشد انواع العبث هو بالذات ما صدر عن الانسان ،باعتباره واع مميز مدرك لما هو فاعل

انظر مثلا كمية المنطق العلمي المهني المبذول في غاية من الدقة والحساسية في بناء نظام سياسي واقتصادي مدى عشرات السنين ،كيف يهدمه طاغية هنا ،او رئيس دولة ديمقراطية هناك ، في سبيل "مصلحة " دون اكتراث بحياة آلاف وملايين الناس

؟! وكيف يُبَرمج ويُبنى الرئيس بناءا يخدم اغراض فئات معينة من الناس ، ويصبح دمية في يد الاحزاب والفئات التي تختاره رئيسًا

ان الصراع الحقيقي في غمار الصراعات المختلفة هو الذي ينزع بصاحبه للكشف عن حقيقة الوجود في خضم هذا العبث الظاهري مما ندرك وليس ان يصبح رئيسا او مهما

ومن المفارقات المصادِفة الآن انني اكتب هذه الكلمات تحت رصد عبثي ما ، اذ اني اقوم بالكتابة خلسة وانا في عملي فيما يقترب من الاضطرار

القدر العبثي شاء ذلك والقدر العبثي ليس هو كائن واع إرادوي

وهنا بالذات احتاجَ الانسان الى عقيدة ، اسطورة ، دين ، فلسفة ،الى " تيزة " يفسر بها الواقع

الى وجهة نظر ، الى شعوذة

احتاج الى خيال اكبر الى ضمير اشد حساسية الى تفكير اكثر جدية الى يوغا الى تصوف الى ما لا ادري

في كل الاحوال ان الوعي ، طبيعته عمقه تطلعه يلعب الدور الاساس في تشكيل الطريق الذي يسير فيه كل منا

مع ان البعض يعطي نسبة اكبر للظروف والاحوال الخارجية

اجتماعية واقتصادية وجغرافية الخ

لكن التجربة الحياتية تثبت ان الوعي هو الاساس في كل شيء على الاطلاق

وعلى قدر عمق الوعي وشفافيته ويقظته يكون الكائن اكثر حرية

وكلما تفرغ المرء اكثر باطنيا وجوهريا للتأمل في الوجود اكتسب حرية اكبر واعمق ، وبالتالي راحة وهدوء ،لأنه ينتبه الى انه جزء لا يتجزأ من الواحد الكلي

هذا ليس حسب اعتقادي بل تجربتي

فاغمضوا عيونكم وافتحوها على التأمل الهاجس برغبة الكشف عن جوهر الوجود وعن معنى الوجود ، قدر المستطاع حتى يسكت الفكر فجأة ويختفي عن الشاشة لتشاهدوا الحقيقة في كل شيء



رأي واستنتاج
هناك فيما يتخطى الفكر والتفكير أمر آخر مختلف لا يشوهه العبث ولا يخرِّبه القدر

والفكر ليس اصيل في الحياة انه نتاج تطور بيلوجي ونفسي ، نشأ كرد فعل في مرحلة من تطور المخ عبر تكيفه مع ضرورات العيش – هو رأي واستنتاج ايضا لبعض المفكرين العلميين والروحيين - والاصيل هو الروح هو الوعي المحض البسيط الازلي ، مصدر كل شيء مصدر الادراك والشعور في كل المجالات والمستويات

هو لا يحتاج الى دليل واثبات فيزيقي كيماوي ، لا يحتاج الى تحليل " اناليتي كريورولوجي " أو عقيدي عقلانوي

فهو يكشف عن ذاته بذاته فينا ويستدل على ذاته بذاته

انه نور وجود ذاته مجردا بذاته ،وهو هو عبر تضاعيف تكوناته وتكثفاته وتكثراته وتركباته

كنور عادي اختلط في الف لون ولون ،هي منه وبه وفيه ، ولا شيء قائم سواه

 

موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب

لإرسال المواد يرجي إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع علي العنوان: alarab@alarab

net
 

مقالات متعلقة

.