د.جوني منصور في مقاله:
لن تكون تل ابيب كما كانت بالأمس كما أن غزة ترفض أن تبقى كما يريدها الاسرائيليون
انتهى شهر عسل تل ابيب الذي دام قرابة 64 عاما بمجرد سقوط صاروخ واحد فقط فكان فجر تل ابيب مستيقظا على فجر جديد
الشوارع فرغت وتحولت المطاعم والمقاهي صحراء قاحلة وعشرات العائلات تركت المدينة وغادرتها إلى الشمال
صاروخ واحد قلب حياة تل ابيب وسكانها فما بالكم ايها التل ابيبيون بأطنان الصواريخ والقذائف التي تطلقها طائراتكم الحربية فوق رؤوس الغزيين منذ عشرات السنين؟
أثناء قيام ألوية الجيش الاسرائيلي حديث التأسيس في شهري تشرين أول وتشرين ثان من العام 1948 بإتمام مخطط احتلال الجليل كان التل ابيبيون يرقصون في شوارع مدينتهم ويرتشفون القهوة وكأن شيئا لم يحدث، أو كأن الحياة تسير في رتابتها وغيرهم يقتل ويشرد. هذا ما أفصحت به جريدة دافار في تلك الأيام العصيبة التي مر بها الوطن واصحابه.
المدينة الأكثر تطورا
ومنذ ذاك العام، عام النكبة، والتل ابيبيون يتبجحون بملء افواههم أن مدينتهم محصنة ولا تصلها اي قذيفة. وهذا يذكرنا تماما بغطرسة اللندنيين عشية الحرب العالمية الثانية وخلال الشهور الأولى من اندلاعها أن صواريخ هتلر لن تصل إليهم البتة فكانوا يرقصون ويعربدون في حانات ومقاهي لندن. إلا أن المفاجأة الكبرى لم تتأخر في الوصول إليهم بصواريخ V-2 الالمانية التي قلبت كل معايير ومقاييس الحرب في تلك الفترة. وهنا الصورة مشابهة بالتمام، فتل ابيب كانت منذ 1948 وحتى الاسبوع الماضي من هذا الشهر (شهر تشرين الثاني 2012) تعيش في برجها العاجي، في كونها المدينة العبرية الأولى الأكثر تطورا في منطقة الشرق الأوسط، المدينة التي يسميها بعض من سكانها "تل ابيب البيضاء"، المدينة التي تتحدى مدائن الشرق الأصيلة والأصلية والحقيقية غير المزيفة.
الدفاع عن النفس
انتهى شهر عسل تل ابيب الذي دام قرابة 64 عاما بمجرد سقوط صاروخ واحد فقط. فكان فجر تل ابيب مستيقظا على فجر جديد، وهو اسم الصاروخ الذي اطلقته المقاومة الفلسطينية من غزة دفاعا عن النفس ورفعا للمعنويات، وتغييرا لموازين القوى، وتذكير للعالم أن غزة هنا وان الغزيين هم هنا أيضا. انقلبت حياة التل ابيبيين رأسا على عقب في دقائق قليلة. فرغت الشوارع، وتحولت المطاعم والمقاهي صحراء قاحلة، وعشرات العائلات تركت المدينة وغادرتها إلى الشمال.
رياح التغيير
هل يدرك التل ابيبيون معاني ورسائل الفجر الجديد؟ باعتقادي انهم غارقون في أجواء محكمة الإغلاق يُشرف عليها رجال السياسة في اسرائيل ومن آلة الإعلام المجندة لخدمة المشروع الصهيوني في التوسع وتصفية القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وفي تصوير الاسرائيلي أنهم الأفضل، وان الجيش الاسرائيلي ما زال قادرا على توفير الحماية والاستقرار للمزرعة - اسرائيل. لكن فات هؤلاء أن العالم العربي في تغير، وإن كان ليس على هوانا وكما نريد، إلا أن رياح التغيير تعصف وتضرب، وهي تنطلق في هذه المرة من غزة.
الربيع الجديد
صاروخ واحد قلب حياة تل ابيب وسكانها، فما بالكم ايها التل ابيبيون بأطنان الصواريخ والقذائف التي تطلقها طائراتكم الحربية فوق رؤوس الغزيين منذ عشرات السنين؟ لم تستسلم غزة، ولن تركع ففي اسمها القوة والعزة. لن تكون تل ابيب كما كانت بالأمس، كما أن غزة ترفض أن تبقى كما يريدها الاسرائيليون. هذا هو فعل التغيير والربيع الجديد الذي حل في خريف هذا العام.
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجي إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير علي العنوان:alarab@alarab.net