وبينما أشعَّةُ الشَّمس الباسمةُ لا تزال تزحف على الدُّنيا ببطءٍ شديدٍ..
تُنير شيئًا فشيئًا صفاءَ الحياة في الصباح الباكر..
ولا صوتَ إلا صوته وصوت العصافير تُسبِّح اللهَ ربَّ العالمين..
بينما هو كذلك إذا بصوتٍ هامسٍ من نافذة الغرفة:
ـ "مهند" .. "مهند"..
فالتفت مهندٌ.. فإذا شخصٌ يلبس ملابسَ بيضاءَ.. لحيتُه بيضاءُ..
ويظهر على وجهه الجميل طِيبة قلبه الأبيض كذلك.
صورة توضيحية
قال "مهند":
ـ من أنت يا عمَّاه..
قال العم:
ـ لن تستطيعَ أن تعرفَني الآن يا بني الحبيب..
قال "مهند":
ـ ولماذا جئت في هذا الوقت يا عمَّاه؟!.
قال العم الطيب:
ـ جئت أسألك عن أمورٍ تهمُّك وتنفعك..
قال "مهند":
تفضَّلْ يا عَمَّاهُ بالدُّخول واجلس واسترحْ..
قال العمُّ الطَّيِّب:
ـ لا وقتَ للجلوس والراحة يا بُنَيَّ فأنا مشغولٌ جدًّا..
قال "مهند":
ـ إذنْ تفضَّل بالسُّؤال يا عمَّاه
قال العمُّ:
ماذا ستفعل في العام الهجريِّ الجديد.. عام ألف وأربعمائة وأربعة وثلاثين (1434).
قال "مهند":
ـ سأُكمل حفظَ القرآن الكريم إنْ شاءَ اللهُ..
وسأحفظ بعضَ أحاديثِ الرَّسول صلى الله عليه وسلم..
وسأُصالح صاحبًا لي كنتُ خاصمْتُه في العام السابق..
وسأُحرز المركزَ الأوَّل بإذن الله في دراستي هذا العام..
قال العم:
ـ الحمدُ لله يا بني، اطمأننْتُ الآنَ على نفسي.
قال "مهند":
وكيف ذلك يا عمَّاه؟!
قال العم:
ـ إنَّني الآن ضمنت أن أبقَى بملابسي البيضاء وشكلي الجميل، ونفسي المطمئنَّة..
تعجَّب "مهند" وقال:
ـ وما دخلي أنا يا عمَّاه في مصيرك أنتَ؟!.
قال العم مبتسمًا:
ـ يا بُنَيَّ الحبيب.. أنا عملُك الذي ستعمله في هذا العام الجديد.. فإذا عمِلت عملاً صالحاً كنتُ كما تراني الآن.. وإذا عملت عملاً فاسدًا فإنِّي سوف أتغيَّر..
وأصير أسودَ اللون..
سيِّئَ النفس..
كريهَ المنظر..
وإنَّك لن تراني إلا بعد عمرٍ طويلٍ إن شاء الله..
حينما تستعدُّ للقاء الله تعالى ودخول الجنة..
قال "مهند" متلهِّفاً:
ـ سبحان الله يا عماَّه.. وهلْ...
فجأةً ابتسم العم الطيب.. وبدأ في الرجوع حتى لم يعد "مهند" يستطيعُ أن يراه..
في هذه اللحظة..
إذا بمؤذِّن المسجد المجاور يقول بصوتٍ رخيمٍ جميلٍ:
...
حيَّ على الصَّلاة..
حيَّ على الصلاة..
حيَّ على الفلاح..
حيَّ على الفلاح..
الصَّلاةُ خيرٌ من النوم..
الصَّلاة خير من النوم..
...
فاستيقظ "مهند" وهو يفرُك عينيه ويقول:
"الحمدُ لله الذي أحيانا بعد أن أماتنا وإليه النشور"
يا الله..
لقد كان حلمًا جميلاً جميلاً..
توجَّه "مهند" إلى مكان الوضوء ليستعدَّ لصلاةِ الفجر
وكلُّه نشاطٌ وعزيمةٌ..
على أنْ يكونَ هذا العامُ أفضلَ بكثيرٍ من العام السَّابق
ومن كلِّ عامٍ سابقٍ..