المؤتمر الشعبي للدفاع عن الحريات الذي عقد في ام الفحم نهاية الاسبوع الماضي، جاء بغية اطلاق قيادات الجماهير العربية وكافة الاطر السياسية صيحة مدوية ضد السياسات الحكومية المتعاقبة والتحديات التي تواجه المواطنين العرب والتحريض المنظم بحقهم، لا سيما ضد انصار اليمين المتطرف ورجال الدين اليهود، والذين شرعنوا قضية تصفية احد القادة العرب الناشطين على الساحة السياسية والجماهيرية
ولكن للأسف الشديد المؤتمر فاق كافة التوقعات السلبية ولم يخطر على بال احد ان مؤتمرا يبحث قضية هامة وهي تهديدات قتل واغتيال قيادتنا وجل شعبنا، ويعالج دخول العنصرية منعطفا خطيرا يشهد حضورا ضئيلا بل هزيلا، والانكى من ذلك ان الغائبين من الحضور هم اولئك الاشخاص المصنفون في سلم قائمة الاغتيال لدى عناصر وحاخامات اليمين المتطرف
ان غياب غالبية القادة العرب عن المؤتمر يشير الى الشرذمة التي تعصف بقياداتنا وشعبنا بالداخل، ويكشف النزاعات بين الاحزاب العربية المخفية منها والساطعة في الفلك، اذ ان عدم مشاركة عدد من القيادات السياسية والوطنية في المؤتمر الذي نظم لهم خصيصا، يظهر طغيان المصالح الحزبية والشخصية وعزة النفس على مصالح شعب باكمله، وعلى حياة قيادي عربي، يعيش كبقية زملائه في نفس البوتقة
المؤتمر وان لم يحقق نجاحا او حضورا باهرا يكفي بانه كشف حقيقة يجهلها العديد منا وهي ان الحزب هو " قبيلة العصر الحديث" فالحزب عبارة عن تحزب اشخاص تربطهم العقيدة الواحدة او المصلحة الواحدة، او الرؤية الواحدة، فهو تنظيم يعبر عن مصلحة هذه المجموعه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعليه فان حكم الحزب هو حكم الجزء للكل، اي ان الحزب يمثل جزءا من الشعب، فالاحزاب مهما كانت صفتها لا يمثل اي منها سوى جزء بسيط من الشعب وبما ان الجماهير العربية ليست كلها منتمية الى حزب فان التمثيل الحزبي يفقد محتواه ومصداقيته
ان اصحاب المصالح الواحدة او الرؤية الواحدة او العقيدة الواحدة او الثقافة الواحدة والقضية الواحدة، يكونون الحزب لتحقيق مصالحهم وفرض رؤيتهم او بسط سلطان عقيدتهم على المجتمع ككل وهدفهم الوصول الى السلطة لتفيذ برنامجهم، فالحزب هو الاقلية بالنسبة للشعب والغرض من تكوينه هو خلق أداة لحكم الشعب اي حكم الذين هم خارج الحزب بواسطة الحزب، ومهما تعددت الاحزاب فالنظرية واحدة
بل ان تعدادها يزيد من حدة الصراع على السلطة ويؤدي ذلك الصراع الى تحطيم اي انجاز لصالح الشعب، ويخرب اي مخطط لخدمة المجتمع وان ذلك التحطيم والتخريب هما اللذان يؤديان الى سقوط الحزب ليحل منافسة محله
ان هذا الصراع الحزبي وللأسف الشديد اخذ يستشري في احزابنا العربية التي تحمل ذات القضية، وانتج تنافرا بين القيادات المختلفة، ان ذلك الصراع يدور على حساب مصالح المجتمع العربي بالداخل وقضية الجماهير الاساس التي تذهب ضحية صراع الاحزاب على السلطة والمصالح الشخصية وتصفية بعضها
ان الحزبية لعبة هزيلة خادعة تقوم على شكل صورة للديمقراطية ومحتوى اناني سلطوي اساسه المناورات والمغالطات واللعب السياسي من اجل المصالح الفئوية
ان الحزبية ديكتاتورية صريحة الا ان العالم لم يتجاوزها بعد فهي حقا ديكتاتورية العصر الحديث
ان السلطة الحزبية التي يفترض اصحابها انها لصالح كل الشعب هي في الواقع الامر عدو لجزء اخر من الشعب الذي هو حزب أو أحزاب اخرى معارضة وغير معارضة، كما ان المعارضة ليست رقيبا شعبيا على سلطة الحزب الحاكم بل هي متربصة لصالح نفسها لكي تحل محله في السلطة
ان الحزب يمثل جزءا من الشعب وسيادة الشعب لا تتجزأ والحزب يحكم نيابة عن الشعب والصحيح أن لا نيابة عن الشعب، ان الحزب هو" قبيلة العصر الحديث " وهو بالتالي أقلية اذا ما قورنت بعدد الشعب، فالصراع الحزبي على السلطة أو المصالح الشخصية والتنازع على احتلال عناوين الصحف والشعارات الرنانة
لا فرق بينه اطلاقا وبين الصراع القبلي والطائفي، واذا كان النظام القبلي او الطائفي مرفوضا ومستهجنا سياسيا فيجب ان يرفض ويستهجن النظام الحزبي ايضا فكلاهما يسلك مسلكا واحدا ويؤدي الى نتيجة واحدة
فالتأثير السلبي المدمر الناجم عن الصراع القبلي او الطائفي في المجتمع لا يختلف عن تأثير الصراع الحزبي في شيء
فحبذا لو قامت القيادات العربية والاطر السياسية والاجتماعية والدينية ونحن كابناء شعب واحد يتدارك الوضع وانهاء النزاعات الحزبية التي تهشم كينونتنا ومستقبلنا , والترفع عن المصالح والاهداف الضيقة ومنح جل الاهتمام للحفاظ قضية شعب يعاني منذ 60 عاما من قمع للحرية وتمييز صارخ وسلب للاراضي وهدم للمسكن، وقتل، وطرد وملاحقة لقياداته الوطنية والسياسية وحتى التهديد باغتيالها، فسيناريو النكبة لم ينتهي طالما تفتقر الاحزاب العربية للوحدة والتكاتف، فهل ترضون على انفسكم بأن تكونوا سببا في استمرار النكبة بحق شعبكم