يوسف ماضي الزايد في مقاله:
جيمعنا مدينون لنمر مرقس، لهُ فضل كبير برفع مستوى الغيرة على شعبنا لدى الشباب هيا نكمل حُلمهُ ونحمل قضيتهُ فهو قدوة الشباب الذي لا يركع للفانتوم والمدفع
هذا القائد إختار التدريس سلاحاً إختار أن يُنتج وينمي جيلا شاباً لا ينتمي الى عرب المباي والأحزاب الصهيونية الأخرى هذا المُدرس الذي قرر أن يكون قدوة لطلابهِ ولشباب القرية
في نهاية هذا الشهر إحتشدت الجماهير في شوارع كفرياسيف، ليس تأهباً لمبارة الكلاسيكو بين برشلونة وريال مدريد، فلقد خيم الحزنُ على الشوارع، حتى أن اللافتات المحشوة بالأرقام كانت تتلوى الى درجة السقوط، كفرياسيف هذا البلد الذي احتضن جزءً من صراعات شعبنا، ودع درعاً، مُطرزة بالأبوة ، مُزركشةً بالوفاء والنضال ضد الغول السلطوي، ليس غريباً ان تشاهد دموعاً في جنازة، أو أن ترى العائلة والأصدقاء يجهشون بالبكاء، أما أن ترى بلداناً تبكي على شخص رحل، هذا أمر نادر الحدوث، هذا أمر يدل على أن هذا الشخص لم يكن كأي فرد في هذا المُجتمع. مشينا يوم الخميس في الجنازة، اصطف أهل القرية بأغلبيتهم على الرصيفين وكأنهم يستقبلون فارساً أو سلطاناً عظيماً، أمٌ تبكي كأنها فقدت رضيعاً لها، وختيارٌ يودع بيده لتسبقهُ دمعتُهُ كأنما فقد أحد أبناءهِ في ريعان شبابهِ، هذا الحال في كفرياسيف، وقف أبناء القرية وكأنهم يودعون أملهم الأخير، كأنهم هم الموتى، هذا المشهد لا يُترجم! والكلمات فرّت هاربة من أمامهِ.
نمر مرقس
نمر مرقس – أنا لن أتحدث عن هذه الشخصية ودورها أو أن أتطرق الى تفاصيلها، أنا لم أقرأ يوماً مقالا لهُ، أو كتابهُ "أقوى من النسيان"، لم أقرأ كمعظم شريحة الشباب في مُجتمعنا، التي لا تعرف من هو الأستاذ نمر مرقس، من هو المناضل نمر مرقس، كان عليهم أن يكونوا في هذه الجنازة، في ذلك الموقف، خلف التابوت المغطى بالعلم الأحمر وبالكوفية الفلسطينية، برائحة المسك المُتدفق من هويتهِ الطبقية والوطنية، كان على شبابنا أن يروا عيون أهلنا في كفرياسف، فكلما نظرت في بؤبؤ أحدهم وجدت نمر مرقس، وجدت حكاية لهُ مع نمر مرقس، وجدته في أفراحهم وأتراحهم، سداً منيعاً بوجه الظلم وحضناً دافئاً لأبناء قريتهِ وشعبهِ.
هل حقا كان في التابوت ؟
هذا السؤال واجهني وأنا أمشي في شوارع القرية، لم يكن وقت للإلتفات الى الناس والى الوجوه التي كان البعض منها مألوف، كنت أصطدم مع هذا السؤال في كُل خطوة، الى أن سمعتُ ابنتهُ أمل مرقس في نهاية الجنازة تقول لأعضاء الشبيبة الشيوعية "انتو الشبيبة أمنا وأبونا ، انتو أملنا اللي جاي" حينها أيقنت أن هذا الذي في التابوت ليس نمر مرقس!، وأن هذا التابوت ليس لنمر مرقس، إنهُ هُنا في أحياء كُفرياسيف، في سهول وهضاب الجليل، في قلوب الشباب، في عيوننا التي تطمح لبناء مُستقبل أفضل، نمر مرقس لم يملك جيشاً أو حرساً جمهوري، أو مواكب تُحيهِ عندما يذهب الى عملهِ في مجلس القرية!، لماذا إذن كل هذه الجماهير شاركت في جنازته؟ شدني السؤال بعد الجنازة الى أن أتوجه الى تنبيش الجوانب لأعرف أكثر وأكثر عن هذا الشخص، فأيقنت أنهُ كان يملك ما لا يملكهُ الكثير، كان يملك قلماً يكتب لفضح وردع الظلم، وفكراً يُعانق الفقراء والمسحوقين!، هذا يعني أنني كنت في جنازة شخص لم يمت، شخص ما زال حي يُرزق !!! ذكر الشاعر سميح القاسم هؤلاء الأشخاص في قصديتهِ - مرثاة من برج الثورة -
لا أحَدْ يَدَّعي موتَكم..لا أحدْ
غيرَ مَن يدَّعي موتَكُم
وَهْوَ في نعشِ أحلامِهِ، من زمانٍ رَقَدْ
إخوتي.. أيُّها الحالمون
حضرةُ الرّوحِ والحُلم لا تنتهي بغيابِ الجَسَدْ.
هل في حياة نمر مرقس ومماتهِ رسالة لنا نحن الشباب ؟
هذا القائد إختار التدريس سلاحاً ، إختار أن يُنتج وينمي جيلا شاباً لا ينتمي الى عرب المباي والأحزاب الصهيونية الأخرى، هذا المُدرس الذي قرر أن يكون قدوة لطلابهِ ولشباب القرية، في أن يسبح ضد التيار، مارداً بوجه السلطة، حتى يكون من أول المُضحيين بحياتهِ من أجل قضيتهِ ويفتح المجال أمام الشباب للعيش الكريم، نعم! جيمعنا مدينون لنمر مرقس، لهُ فضل كبير برفع مستوى الغيرة على شعبنا لدى الشباب. هيا نكمل حُلمهُ ونحمل قضيتهُ، فهو قدوة الشباب الذي لا يركع للفانتوم والمدفع.
من آمن بهذا الدرب وإن مات فسيحيا.
عرابة
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net