ليلى بدران في مقالها :
الثورات وُجِدَت لتعيد بناء ما هو مُحَطّم في المجتمع وفي الإنسان
إذا كان المكان يكتسب قيمته من علاقته بالإنسان وهو بعلاقةٍ تبادليّةٍ دائمة معه ويدل في أوّل ما يدل على حضارة هذا الإنسان فإن المسّ به يؤدي إلى مُجمَل تأثيرات سلبيّة على الإنسان
حالة الفوضى التي تسود العالم العربي عامة والأرض السورية خاصة انما أفقدت الفرد حريته وسجنته في قيد حالة من الفوضى غير المُعرّفة والتي انتهكت مجمل الحريات عند الإنسان
بات واضحًا حدّ الشمس الى كون ما كان من ثورات في العالم العربي بمجمله لم تكن سوى زوبعة أتت تخلق فوضى أخرى ربما بشكل اخر مغاير
تعتبر الأرض السورية "الحالة الخاصة" هذه الحالة التي تصمد في وجه ثورة زائِلة زائفة ضمن ما أراه وضمن ما تشير له المعطيات والحقائق الواقعية ولست بصدد ذكرها كون ما أقوله لا يُأطّر بـ مع أو ضد
في البدء كان الحُبُ ثم توالت على الدنيا أشكالها! ما بين حالتين نحيا ، في زمن ثنائي نعيش والمكان مُجتزأ من اخر نبحثُ عن نهاياتٍ ؛ فلا هي تأتي ولا هي تروح والبدايات كلها مبهمة ، فهي لم تكن والوقت نزف والقلب نزف والمدينة نزف، أكتب ما أكتب حين رأيت دمعة مخنوقة في الأحداق عزّ على صاحبها البكاء ، وكنت على عادتي منذ سنوات خلت يهمني أكثر ما يهمني رأي من هم من خارج المضمار السياسي فيه، وعلى وجه الخصوص الزمرة المثقفة المبدعة من كل شعب!
دمعة حزن
السوري هيثم حقي، مخرجٌ ترعرع على العشق لأمه الأولى سوريا وقد عمد على تجسيدها بأفضل الصور وأقواها ؛ في لقاء له مع أحمد علي الزين (وهو قديم نسبيا! إلا أن تلك الدمعة النازفة بصمتها أعادتني لمشاهدة اللقاء مرة بعد الأخرى) وضمن ما يطرحه الزين منذ قيام الثورات في العالم العربي حول ما لهذه الثورات من تأثيرات ومُخَلّفات في عين من يلتقي بهم، أثارتني دمعة تنزف حزنا فيما أتى على ذِكر السوق الأموي في دمشق، والذي دُمّر وحُطًّم فيما يطلق عليه مُسمى "ثورة" ويورد هناك انه حتّى عندما مرّ المغول بالسوق اثروا عدم هدمه وذلك لأنه يثير في نفس حاضره عالمًا كاملًا ، فيما لم تبقِ الثورة على هذا السوق وهدمّت ما به من ملامح جماليّة وحضارية إمتدّت تاريخًا من الزمن!
الثورات العربية
وأذكر ما أذكر تذكيرا بسيطا إلى كون الثورات وُجِدَت لتعيد بناء ما هو مُحَطّم في المجتمع وفي الإنسان ، وإذا كان المكان يكتسب قيمته من علاقته بالإنسان وهو بعلاقةٍ تبادليّةٍ دائمة معه ويدل في أوّل ما يدل على حضارة هذا الإنسان؛ فإن المسّ به يؤدي إلى مُجمَل تأثيرات سلبيّة على الإنسان.
فالمكان دليل وجودنا، وإنما كانت الثورات منذ أن كانت تسعى إلى خلق الإنسان من خلال حثّه على ممارسة فكره وعقيدته لتشكيل كيانه الأوّل؛ الكيان الإنساني القادر على جعله رائدًا قادرًا على الخلق لجعل مجتمعه البشري الإنساني أفضل وأسمى من خلال ممارسة حريته التي هي أساس انسانيته كما يقول جان جاك روسو "إن الانسان عندما يتخلى عن حريته فهو يتخلى عن صفته كإنسان" وهو يرى بضرورة وضع قوانين وحيثيات معينة تمكّن الأفراد بها من ممارسة حريتهم وفقا لها، ودون ذلك يفقد الإنسان حريته وبهذا نرى أن حالة الفوضى التي تسود العالم العربي عامة والأرض السورية خاصة انما أفقدت الفرد حريته وسجنته في قيد حالة من الفوضى غير المُعرّفة والتي ايضا انتهكت مجمل الحريات والأسس عند الإنسان.
زوبعة
وقد بات واضحًا حدّ الشمس الى كون ما كان من ثورات في العالم العربي بمجمله لم تكن سوى زوبعة أتت تخلق فوضى أخرى ربما بشكل اخر مغاير الى حد ما لما كانت عليه سابقا، هذه الثورات لم تُعِد الترتيبات ولم تأتِ بالحريات بل انتزعتها ولكن هذه المرة ضمن إطار ما يسمى الشرعية وأخص بالذكر "الشّرعيّة الدّينيّة" وأوضح ما يمكن أن يكون لنا مثالا كل ما يدور في الفلك المصري من أحداث، اعتمدت دحض الإنسان تحت ضباب الدين.
فنشهد هنا استحكام أفراد بالسلطة وهو أمر يدعونا الى ذكر ابن خلدون الذي يرى بكون الدولة تبنى وفقا لقواعد ونواميس مُعرّفة، فيها تكون عملية موازنة ما بين حاجات الفرد وقدرته على توفير هذه الحاجات ضمن اطار اجتماعي فقدرته المفردة عاجزة عن ذلك وبالمقابل فليس الاجتماع الانساني وحده القادر على تحقيق مبتغى الإنسان، بل على هذا المجتمع الانساني ان يُأطّر بنظام يسمى الدولة لردع الظلم المتأصل في النفس البشرية (فلا بد من وازع يدفع بعضهم عن بعض لما في طباعهم من العدوان والظلم)، ما يمكنه الإشارة الى كون سعي الثورات الى هدم كيان الدولة القائم أشد خطرا على كيان الإنسان فهو بذلك يسمح لظلم الأفراد بالظهور والتطبيق، وليس المقصود هنا بالأفراد كعدد بل هم أيضا الجماعات والفئات التي لا تكون تحت سلطة الدولة ولكنها قادرة على التحكم بمصائر الأفراد لخلل في بناء هذه الدولة، ويكون الخلل أساسا برأيي ثورات لا تنتهج العقيدة أساسا لها فتكون النتيجة الحتمية لذلك الوقوع في أول شرك يدعي كيان الدولة لحاجة الأفراد لهذا الكيان.
حالة خاصة
وتعتبر الأرض السورية "الحالة الخاصة" إذا صحّ التعبير أو جاز، هذه الحالة التي تصمد في وجه ثورة زائِلة زائفة ضمن ما أراه وضمن ما تشير له المعطيات والحقائق الواقعية ولست بصدد ذكرها كون ما أقوله لا يُأطّر بـ مع أو ضد وبهذا لا أُقدّم أدلة لصدق ما أقول! بل هو هاجس الإنسان الذي يسكنني، فعندما نلغي الإنسان لا يحق لنا المطالبة بالأوطان!
الإنسان الحر
الوطن إنسان والحقّ إنسان، كل منهم يكمّل الاخر على شاكلته الي ان يتمازجوا بجدليّة لا تحمل إلا تشكيل الإنسان الحُر في وطن حُر، ولا يقدر أحدهما على تحقيق حريته دون حرية الاخر لذا فمن يعيب وطنه، ومن يضع في يديه أغلال وقيود الأعداء لأن النظام الحاكم لا يسير وفق هواه أو حتّى لكونه يتصف بطابع ليس بديمقراطي؛ فهو بذلك يخون أرضه ووطنه والأجدى الوقوف ضد كل عدو على الأرض أولا وكل أمر اخر يبقى دون ذلك، إلا أن ما حدث وما يحدث من مجريات أخيرة يشير الى عكس ذلك تمامًا، وجُلّ ما يُخشى أن يصير أصحاب الوطن ضد الوطن لرفضهم نظامه ومساندة العدو بذات الحجة.
حقيقة
فلا بد من حقيقة : لا يُزال الظلم بظلمٍ اخر ولا ينكسر القيد بقيدٍ اخر ولا تولد الحياة من الموت والحرية مطلب الشعوب لا تتجسد إلا من خلال اطار مُنظّم ومُعرّف يُبنى على التعاقد. لينتهي نزف ما بين أرض الشام وبلاد النيل.
الجليل
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجي إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير علي العنوان: alarab@alarab.net