الشيخ ناصر دراوشة في مقاله:
وقوفنا ضد القنوات المضللة لا يعني وقوفنا مع الانظمة لكننا نرفض التزييف والتدليس وفبركة الاحداث لإجندات خارجية
لا شك في أن أسلوب التحريض والتضليل الذي اعتمده بعض الإعلام العربي في تغطية الأحداث العربية الأخيرة وتحديداً تغطية الأوضاع في سوريا كان كفيلاً بكشف كل عيوب هذا الإعلام وحقيقة الأهداف التي يتوخى تحقيقها
على خلفية الإفتراض بأن تمويل المحطتين وأخواتهما ليس تمويلاً عربياً إراداياً، إنما يتم بقرار أميركي فعلى بعض الدول العربية أن تتبرأ من القنوات "المتأسرلة" التي تبث من أراضيها وأن تتخذ الإجراءات القانونية المطلوبة بحق هذه القنوات لأنها تهدد أمن العالم العربي واسقراره
قرائن الإثبات على اشتراك بعض وسائل الإعلام الناطقة بالعربية في مشروع الفوضى لمصلحة الغرب هي قرائن كثيرة ولعل القرينة الأساسية أن فضائيتين عربيتين معروفتين على الأقل هما "الجزيرة" و"العربية" سبق وأن مارستا تطبيعاً اعلامياً مع العدو الصهيوني بذريعة "الرأي والرأي الآخر" و"أن تعرف أكثر"
لم يعد خافياً أن وسائل اعلام "عربية" تشترك في الهجوم الغربي الذي يستهدف الدول العربية. وما ظهر من خلال تغطية هذه الوسائل الإعلامية للأحداث العربية وللأوضاع في سوريا، يؤكد بأن هناك اعلاماً عربياً يمارس كل صنوف العدوانية ضد دول وشعوب المنطقة التي تتطلع إلى السيادة والحرية والاستقرار. والعدوانية الاعلامية ظهرت بخروج بعض الإعلام "العربي" عن طوره، ضارباً عرض الحائط بكل القواعد والمعايير التي تجعل من الإعلام وسيلة معرفة وتنوير، وأداة تشكيل رأي عام يلتف حول قضايا الحق والحرية والديمقراطية وحقوق الانسان!
إعلام مستعد للمساهمة في خلخلة المجتمعات العربية
وفي ظل قيام وسائل إعلام عربية معروفة، بمخالفة أبسط القوانين والمواثيق والقواعد والأعراف المهنية والأخلاقية من خلال ممارسة التضليل وامتهان الفبركة والتحريض، هناك خشية كبيرة من أن يؤدي هذا التحول عن الوظائف المفترضة، إلى مسار "مافياوي" يصب في خدمة الدول الاستعمارية ومشروعها الرامي إلى جعل المنطقة العربية كناية عن "إمارات شرق أوسطية متفرقة". ما هو ثابت أن بعض الإعلام العربي يمارس دوراً لا يختلف في استهدافاته عن دور الإعلام الاستعماري الاحتلالي. فبعض الاعلام العربي آثر الإنخراط في ما سمي "ثورات عربية"، لكن هذا الإعلام لم ينحز إلى "الثورات" طبقاً لأهدافها وغاياتها، بل بوصفها قنابل تفجير تحدث تشظيات مدمرة في الدول والمجتمعات العربية، وقد ظهر هذا الأمر جلياً من خلال قيام هذا الاعلام المشبوه ببث ونشر الأضاليل والأباطيل، وممارسة التعمية على الحقائق، والتحريض على الفتنة الداخلية، والحض على العنف والنزاعات، ليؤكد من خلال ذلك، بأنه إعلام يتبنى بأمانة سياسات البطش الاستعماري والقهر الاحتلالي ضد القضايا العربية العادلة والمحقة. وبأنه إعلام مستعد للمساهمة في خلخلة المجتمعات العربية من دواخلها، لخلق بيئة مؤاتية تؤدي إلى عودة الاحتلالات الخارجية بأساليب شتى وطرق متعددة.
ممارسو التطبيع الإعلامي مع العدو الصهيوني
قرائن الإثبات على اشتراك بعض وسائل الإعلام الناطقة بالعربية في مشروع الفوضى لمصلحة الغرب، هي قرائن كثيرة، ولعل القرينة الأساسية، أن فضائيتين عربيتين معروفتين على الأقل، هما "الجزيرة" و"العربية" سبق وأن مارستا تطبيعاً اعلامياً مع العدو الصهيوني، بذريعة "الرأي والرأي الآخر" و"أن تعرف أكثر". ففي خلال العقدين الماضيين، خرقت "الجزيرة" و "العربية" مبدأ مقاطعة العدو، بإجراء مئات المقابلات والحلقات الحوارية مع قيادات وكُتًاب صهاينة، والآن أطاحتا بميثاق الشرف الاعلامي العربي، لتساهما إسهاماً مباشراً في نشر الفوضى، عبر تشريع حالات التمرد على القانون والتفلت منه. وما يعزز قرينة التطبيع مع العدو الصهيوني، أنه عندما أصبحت التغطية الاعلامية لهذه الوسائل تدور حول أحداث داخلية في بعض البلدان العربية، تم تجاوز "ميثاق الشرف الإعلامي" فتخلت قناة "الجزيرة" عن مبدأ "الرأي والرأي والآخر" وتبنت قناة "العربية" شعار "أن تكذب أكثر"، واشتركتا مع وسائل إعلامية مرئية ومسموعة ومكتوبة ومع مواقع وصفحات الكترونية عديدة، في شن حرب كونية، بغية تحقيق هدفين، الأول هو إسقاط المقاومة ضد الاحتلال، والثاني هو إسقاط مفهوم الدولة في العالم العربي، وهذا ما نص عليه مشروع التقسيم الجديد، الذي أطلقت عليه تسمية "الشرق الأوسط الجديد" وهو وفق النسخة الأميركية، يرمي إلى اقامة ما يقارب المئة دويلة وإمارة طائفية ومذهبية واثنية، على أنقاض 23 دولة عربية، حتى تصبح "إسرائيل" هي القوة العظمى التي تفرض هيمنتها ومشيئتها على كل المنطقة العربية.
تدمير مفهموم الدولة في العلم العربي
أما كيف نجح الإعلام المتورط في التطبيع مع العدو باستمالة الشارع العربي بكل مكوناته، لا سيما نخبه المثقفة؟، فلأنه مارس خديعة كبرى للتعمية على سلوكه التطبيعي، حين وضع نفسه في "بوز المدفع"!. فالكل يتذكر كيف تم الترويج لهذا الإعلام المشبوه في الأوساط الشعبية العربية. فعملية الترويج استدعت قيام الولايات المتحدة الأميركية باستهداف مقار ومراسلي هذا الإعلام في أفغانستان والعراق، وإستدعت أيضاً الإفصاح عن رغبة بوش الابن بقصف مقر "الجزيرة" في قطر! كما لعب هذا الإعلام دوراً في التعمية على أهدافه الحقيقية، حين قام بتغطية أحداث الصراع العربي ـ الصهيوني بصورة شبه منحازة إلى الحق القومي والعربي. لكن هذا الانحياز لم يكن له أدنى تأثير على مجريات الصراع، ولم يكن له أدنى صدى في المحافل الدولية التي تعنى بحقوق الانسان. بل بقي مجرد صيحة في واد!. أما ما يحصل الآن، فهو أن بعض الإعلام، المسمى عربياً، يلعب دوراً مؤثراً، لكن، في تأليب دول العالم، ضد المقاومة وضد سوريا، ولتدمير مفهوم الدولة في العالم العربي قاطبة. والمفاجأة، أن هذا الإعلام يلقى صدى واسعاً، وآذاناً صاغية عند الدول ومنظمات حقوق الانسان، التي لم تنغص "إنسانيتها" أطنان القنابل "الإسرائيلية" والأميركية التي القيت لبنان وغزة والعراق وافغانستان وقتلت آلاف الأطفال والنساء.
لكن، هل تستمر الخديعة؟
لا شك في أن أسلوب التحريض والتضليل الذي اعتمده بعض الإعلام العربي في تغطية الأحداث العربية الأخيرة، وتحديداً تغطية الأوضاع في سوريا، كان كفيلاً بكشف كل عيوب هذا الإعلام، وحقيقة الأهداف التي يتوخى تحقيقها. لكن هذا الانكشاف، لن يفقد هذا الاعلام المضلل القدرة على مواصلة مهمته الفتنوية، لأن ما يتمع به من إمكانيات هائلة، يتيح له الاستمرار في عملية التحريض وبث الإشاعات والأكاذيب، خصوصاً في الموضوع السوري، لكن دون أي جدوى. فالرأي العام بات يدرك أنه وبعد كل انجاز تحققه الدولة السورية، سواء على صعيد ملاحقة المجموعات الارهابية أو على صعيد التقدم الكبير في الإصلاحات، تقوم "الجزيرة" و"العربية" وأخواتهما بحملة هستيرية مجنونة، حيث تُخصص هذه القنوات "عواجلها" لتظاهرات وهمية واحتجاجات افتراضية، وتفتح بثها لشهود زور يتحدثون عن إطلاق رصاص وسقوط قذائف وعن طيران يغير على المدن والبلدات، ثم تقوم بتذييل كل هذه الأخبار، إما باسم "التنسيقيات السورية" المقيمة في استديوهات البث، أو باسم "لجان حقوق الانسان" الدائمة الاقامة في دوائر الغرب الاستعماري الذي يتشدق بحقوق الانسان، وبعد ذلك، تقوم بتصنيع تقارير تُبث على مدار الساعة، وهي تقارير ينفذها فريق متخصص في فبركة وتكبير أحجام بعض التجمعات، كي يصول مقدم التقرير ويجول في وصف "الاحتجاجات" ويندفع أكثر في الهجوم على القوى العسكرية والأمنية من خلال وصف عناصرها الرسمية المولجة بالحفاظ على النظام العام وعلى استقرار البلد، بـ "الشبيحة" وغير ذلك من النعوت.. لدرجة لا يستطيع المرء التمييز بين نبرة ولكنة مقدم التقرير أو المذيع في تلك الفضائيات، و"شاهد العيان" الذي يكذب ويكذ ويكذب حتى يصدقه الناس!!. ما هو صادم للرأي العام العربي، أن العملية البطولية الأخيرة للمقاومة الفلسطينية في "إيلات"، وما سبقها وتلاها من عدوان صهيوني متواصل يستهدف الفلسطينيين، أطفالاً ونساء ومقاومين، لم تتحول إلى "طبق" يتقدم في نشرات أخبار فضائيات التحريض والفتنة على "الطبق السوري". وهذا وحده دليل كاف يدفع إلى الاعتقاد الجازم بأن هناك إعلاماً عربياً "متأسرلاً".
تمويل قطر للجزيرة
عندما يقال بأن هناك مؤامرة وبأن خيوطها وعناصرها قد تكشفت، وأن هناك اعلاماً عربياً "متأسرلاً"، فليس من داع للتشكيك بهذا الأمر. خصوصاً عندما نفترض بأن دولة قطر ليست هي من يمول قناة "الجزيرة" وبأنها لا تستطيع أن تمون على المحطة، كما صرح سابقاً مسؤول قطري كبير. وعندما نفترض أيضاً، أن المملكة السعودية ليست هي من يمول قناة "العربية" وليست راضية عن سلوكها، حتى من دون أن يصرح أي مسؤول سعودي بذلك. وهذا افتراض يدفع الى الإعتقاد بأن من يقرر سياسات "الجزيرة" و"العربية"، ليست الدول العربية التي ينطلق منها بث هاتين الفضائيتين، بل جهات تستطيع تأمين التمويل اللازم للمحطتين من خلال شيكات تُصرف حكماً من بنوك عربية!. والجهات المُقررة في هذه الحالة، إما أن تكون اللوبيات اليهودية المنتشرة في طول العالم وعرضه، وإما الولايات المتحدة الأميركية، وتحديداً القيادة المركزية الوسطى الأميركية التي تتولى تنفيذ العمليات الأمنية والعسكرية في المنطقة.
صحوة شعبية عربية
وعلى خلفية الإفتراض بأن تمويل المحطتين وأخواتهما، ليس تمويلاً عربياً إراداياً، إنما يتم بقرار أميركي، فعلى بعض الدول العربية أن تتبرأ من القنوات "المتأسرلة" التي تبث من أراضيها، وأن تتخذ الإجراءات القانونية المطلوبة بحق هذه القنوات، لأنها تهدد أمن العالم العربي واسقراره. وإذ نأخد "الجزيرة" و "العربية" نموذجاً للإعلام العربي المضلل والمخادع والمتآمر ضد قضايا العرب، فإن هذا النموذج ينسحب على عشرات، لا بل مئات وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، فضلاً عن مواقع وصفحات الكترونية، وكل هذه الوسائل تُقر ميزانياتها في واشنطن، بوصفها أدوات تحريض تحض على الفتنة في الدواخل العربية لمصلحة مشاريع الهيمنة الاستعمارية على شعوبنا ومقدراتنا وثرواتنا. وعليه، لا بد من صحوة شعبية عربية عارمة على امتداد الساحات العربية، لمواجهة حركات "المافيا" الجديدة المتمثلة بالاعلام العربي "المتأسرل" الذي يعمل على تفتيت المجتعات العربية وانهاكها بأزمات داخلية تفضي الى تقسيم قسمة "سايكس ـ بيكو" بغية القضاء على حضارة بلادنا وتاريخها وعلى مستقبل شعوبنا وحقها في الحرية والتقدم والازدهار. الإعلام المافيوي "المتأسرل" وبعد أن استنفد كل أشكال "السلمية" التي باسمها ارتكبت الجرائم ومورست الفوضى، لجأ الآن إلى الإستنجاد بالدول من أجل التدخل عسكرياً ضد سوريا. وذلك بموازاة اعلان من يسمون انفسهم "معارضين سلميين" بالانتقال إلى السلاح. وهو الأمر الذي كان قائماً من دون اعلان؟؟!. ملاحظة: ان وقوفنا ضد القنوات المضللة لا يعني وقوفنا مع الانظمة لكننا نرفض التزييف والتدليس وفبركة الاحداث لإجندات خارجية.
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجي إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير علي العنوان: alarab@alarab.net