عفيف شليوط في مقاله:
إن لم يرق للسياسيين الأمر في حوار تلفزيوني ما أو استاء من أقوال خصمه يشتمه أو يلطمه أو يقذفه بالماء أو بما توفر من أدوات على طاولة "المصارعة" آسف طاولة الحوار
عندما يستبد الغضب بالمسؤولين والسياسيين العرب يفقدون صوابهم وعندما يعجزون عن مقارعة خصومهم بالحجة والمنطق يلجأون الى إستعراض عضلاتهم وبلطجيتهم على شاشات الفضائيات بلا خجل
إذا حصل اشتباك في الأيدي أو الأرجل في لقاء تلفزيوني ما فيا لسعادة مقدم البرنامج الذي يحاول منع المتحاورين من الاشتباك وفي داخله يرقص طرباً فنسبة المشاهدة للبرنامج بعد هذا الحادث ستقفز قفزات مثيرة وغير متوقعة وسيعلو شأن هذا المقدم وترتفع أسهمه
عندما يرفض أحدنا رأي الآخر ولا يتقبله، عندما يمتنع أحدنا من سماع رأي لا يتناغم مع رأيه، يحصل ما قد حصل في العديد من البرامج والحوارات التلفزيونية، أن يتحول الحوار الى حوار أحذية، ومسدسات، وإهانات، وضرب واعتداءات. فمن منا لا يذكر الحوار التلفزيوني "الراقي" بين نائب أردني حالي ونائب سابق بدأ بإشهار حذاء، ثم تم تصعيد هذا الحوار "الحضاري" بإشهار مسدس. ومن يتابع البرامج التلفزيونية على الفضائيات العربية، يدرك جيّداً مستوى الإنحطاط لدى بعض المسؤولين والسياسيين العرب، فعندما يستبد بهم الغضب يفقدون صوابهم ، وعندما يعجزون عن مقارعة خصومهم بالحجة والمنطق يلجأون الى إستعراض عضلاتهم وبلطجيتهم على شاشات الفضائيات بلا خجل.
من عنف لفظي الى تهديد بالسلاح
ففي الآونة الأخيرة نتابع بخجل وامتعاض المستوى المتدني للحوارات في البرامج التلفزيونية، التي تفتقد للحوار الفكري، فتتحول هذه الحوارات الى صراعات ونزاعات بين أفراد، الأمر الذي سهّل عملية تحول الحوارات الى شتائم وإهانات، وتزايد وتيرة العنف اللفظي الأمر الذي دفع ببعض المتحاورين الى استخدام كلمات خارجة عن اللياقة، وبعضها تحمل دلالات إساءة وعنف في المفردات والتهديد والوعيد والشتائم والإهانات. وغالباً ما يتحول الحوار بين ضيفين متباينين في آرائهما الى صراخ وشتائم فعنف لفظي، ليتحول فيما بعد الى عنف جسدي بواسطة الضرب والتشابك بالأيدي والتهديد بالسلاح وعلى الهواء مباشرة .
طاولة المصارعة
يبدو أن عصر الفكر والنقاش الفكري حول قضية أو موضوع معين بدأ يتلاشى، ليحل محله الفرد، الأنا، فتنقلب الموازين رأساً على عقب، فلا يعود هنالك قيمة للفكر، أو العقيدة أو المبادىء، ويحل مكان المبدأ سياسة "مصلحتي مع من" الى "الأقوى من يملك النفوذ". لهذا حل العنف في الحوارات التلفزيونية بدلاً من الحوارات الفكرية، لأنه لا فكر لدى هؤلاء المسؤولين والسياسيين العرب الذين أصبحوا مصدر تَنَدُّر الكثيرين، ومصدر للسخرية والضحك، فصورتهم باتت اسوأ مما يمكن أن يتصوره انسان. فإن لم يرق لهم الأمر في حوار تلفزيوني ما أو استاء من أقوال خصمه، يشتمه أو يلطمه، أو يقذفه بالماء أو بما توفر من أدوات على طاولة "المصارعة"، آسف .. طاولة الحوار .
رفع نسبة المشاهدة على سلّم نسبة الأولويات
وإذا حصل اشتباك في الأيدي أو الأرجل في لقاء تلفزيوني ما، فيا لسعادة مقدم البرنامج الذي يحاول منع المتحاورين من الاشتباك وفي داخله يرقص طرباً، فنسبة المشاهدة للبرنامج بعد هذا الحادث لبرنامجه ستقفز قفزات مثيرة وغير متوقعة، وسيعلو شأن هذا المقدم وسترتفع أسهمه وأجره، أما الموقف المسؤول المطلوب من مُعّد البرنامج ومقدمه ومنتجه يسقط في هذه الحالة، أمام اغراء الشهرة والانتشار، رغم أن عرض هذه النماذج بعنفوانها وعدائيتها على الشاشة يعتبر نموذجاً يمكن الاقتداء به، خاصة وأن هذه النماذج وللأسف ممثلي جمهور وإعلاميين ومسؤولين، ونعم المسؤولين.
تهديد حرية التعبير
ألا يدرك هؤلاء أنهم بتصرفاتهم المخجلة هذه، لا يعتدون على الخصم الذي يجلس مقابلهم، إنما يعتدون على الملايين ممن يشاهدون هذه البرامج، ويهينون أنفسهم أولاً وأخيراً. ان السكوت على مثل هذه الحوادث المخجلة يعتبر تهديداً للحريات وعلى رأسها حرية التعبير، وحيازة شخص مسؤول لسلاح داخل مؤسسة إعلامية، ما هي إلا إهانة صارخة أولاً للإعلام والصحافة قبل أن تكون إهانة لحامل السلاح .
ثقافة العربدة والبلطجية
عالج الإعلامي اللبناني طوني خليفة في برنامجه التلفزيوني "للنشر" هذا الموضوع الفاضح الأسبوع الماضي والأسوأ مما يمكن أن يتوقعه إنسان، أن خليفة عاد وأجرى الاتصالات مع أشخاص قاموا بالاعتداء على خصومهم في حوارات تلفزيونية، معظمهم لم يبدوا أسفهم على ما فعلوه، الأمر الذي يشير بأن أمر التعدي على الخصم أصبح نهجاً وأمراً عادياً، وان ثقافتنا هي ثقافة عدم تقبل الرأي الآخر، ثقافة العربدة والبلطجية .
موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع على العنوان:alarab@alarab.net