تحولت الإستطلاعات الإسرائيلية العاكسة لرغبة غالبية الإسرائيليين في طرد معظم عرب الداخل خارج وطنهم، إلى وجبات إخبارية روتينية يومية
لقد أصبح مذهلاً أن تذاع نتائج هذه الإستطلاعات والتعليقات عليها وكأنها قضايا تتعلق بشؤون المطبخ أو بأمراض طبيعية يعاني منها المجتمع الإسرائيلي وليس لسلوكيات وعقليات
إسرائيل وسفراؤها ومبعوثوها في الخارج موكلون بمتابعة كل تصريح أو كل إشارة الى ما يمكن أن يعتبروه سلوكاً سامياً ضد اليهود، والمراقب الموضوعي يعرف أن ما يجري في الخارج هو في الأساس نقد لنظام الأبارتهايد الإسرائيلي ونظام الإحتلال الكولونيالي الذي يرتكب الجرائم اليومية ويعتدي على البشر والحجر والشجر
وكما هو معروف قلما عرف التاريخ هذا النوع من الجرائم
ومع ذلك لا يترك هؤلاء السفراء أية "حالة لا سامية" أو نقدية لإسرائيل دون أن يجعلوا منها مادة للإحتجاج إما عبر الرسائل لمسؤولي الدول الأوروبية، أو للصحف أو للجمعيات أو غيرها
وهذا ما لا نفعله نحن العرب إلا نادراً
هكذا تواصل إسرائيل عبر مؤسساتها الأمنية والسياسية والإعلامية، الرسمية وغير الرسمية، في إعادة إنتاج الأجواء والتوجهات العنصرية والإقصائية التي سادت عشية عام 48 وتمت ترجمتها بقرار من أعلى المستويات في الحركة الصهيونية والدولة العبرية ضد الشعب الفلسطيني
حكومات الغرب تواصل دعمها المادي والسياسي والمعنوي لدولة الإحتلال في الضفة والقطاع وحين تدعوها بشكل خجول إلى تقديم التسهيلات لفلسطينيين الضفة والقطاع وقبول ما يسمى بخارطة الطريق التي لا تقود إلا إلى إدامة الإحتلال، فهي تُغفل أو تتجاهل أن إسرائيل لن تصبح دولة طبيعية فيما لو انسحبت جزئياً أو كلياً من أراضي عام 67
إن عرب 48 هم خارج السياق بالنسبة لتلك الحكومات
إسرائيل تهيئ نفسها منذ سنوات وبعد انفجار الإنتفاضة الفلسطينية الثانية والهبة الشعبية في الداخل وانهيار الكثير من الأوهام والمراهنات الصهيونية، تهيئ المجتمع الإسرائيلي وما يسمى بالمجتمع الدولي، باستئناف حرب 48، أي باستكمال عملية التطهير العرقي إما فعلياً أو سياسياً
فعبر قبولها بفكرة إعادة إنتشار قواتها في قطاع غزة والضفة والقطاع وقبولها بتسمية البانتوستانات شرق الجدار العنصري بالدولة الفلسطينية، تريد إسرائيل أن تنتزع اعترافاً عالمياً وفلسطينياً وعربياً بيهودية الدولة، بعدد أقل من العرب من حاملي المواطنة الإسرائيلية
يُناقش البعض حول واقعية أو إمكانية تنفيذ ترانسفير للمواطنين العرب
هذا الترانسفير الذي يأخذ تسميات مختلفة، منها التبادل السكاني أو نزع المواطنة من معظم عرب الداخل
ليس بالإمكان تنفيذ جرائم من هذا النوع في ضوء المعطيات الدولية والإقليمية وفي ضوء تمسك الفلسطيني بوطنه حتى الموت
ولكن الخطر الكامن في مواصلة حملة التعبئة الصهيونية الرسمية والشعبية ضد الوجود العربي داخل الخط الأخضر يكمن في نوايا وأهداف المستوى الرسمي المتمثلة في إبتزاز المواطنين العرب عبر التلويح بطردهم إذا ما واصلوا رفع مطالبهم العادلة
أي أن المؤسسة تهدف، وهذا واضح من الملاحقات السياسية ومواصلة هدم البيوت وتدمير الحكم المحلي وسنّ القوانين العنصرية، إلى اختزال مطالبنا بقبول الفتات وتكريس الدونية
وهي تريد أن تعيدنا إلى زمن الحكم العسكري وإلى السنوات الأولى بعد النكبة وعملية التطهير العرقي، بحيث يكون الشاغل الأساسي للمواطن العربي العادي هو النجاة أي البقاء في وطنه بغض النظر عن نوعية هذا البقاء أو هذا الوجود
فالأرض تُسلب، والإقتصاد يدمّر، والبطالة تزداد، والفقر يتفاقم، والتعليم يتراجع، والطائفية تصبح بديلاً عن الوطنية والقومية
أي مجتمع بلا مستقبل، وبلا أمن فردي أو جماعي
المؤسسة تسعى إلى دفع المواطن العادي إلى معاداة قيادته "المتطرفة" ودقّ إسفين بينه وبينها ليقبل في النهاية إما المغادرة أو إعلان الولاء للدولة اليهودية بدون حقوق متساوية
لقد أكـّد البروفسور الإسرائيلي، هلل كوهين، في محاضرة تحدث فيها عن كتابه الأخير عن دور الشاباك، أن هدف ملاحقة عزمي بشارة هو إجبار العرب على تخفيض سقف مطالبهم
والملاحقة المستمرة ضد كوادر وأعضاء التجمع تندرج ضمن هذا الهدف
أيضاً، يكمن الخطر في هذه الحملة والتعبئة الصهيونية في ازدياد العداء في المجتمع الإسرائيلي ضد العرب وأن يتحول هذا العداء إلى عنف واغتيالات وهذا ممكن جداً
وأنا أعتقد أن ما تقوم به المؤسسة الرسمية على المستوى النظري والعملي في حقل العلاقة تجاه المواطنين العرب هو أخطر بكثير من أي عنف جماعي أو فردي
إذن كيف نحول وجبات العنصرية اليومية، أو بالأحرى مخططات الإرهاب والإقصاء إلى صرخة حقيقية محلية ودولية، وإلى برنامج عمل متطور ووعي جماعي حقيقي
على جدول أعمال لجنة المتابعة طرحت مؤخراً قرارات هامة، ولكن يبقى السؤال أمامنا هل نتابعها وهل نقدر على متابعتها!! خاصة وأن بعضنا يواصل اللعب لوحده لتسجيل النقاط لصالحه، مؤجلاً العمل الجماعي الحقيقي أو كارهاً له