محمد بيطار في مقاله:
شتان ما بين رجولة الجاهلية ورجولة زماننا رجولة الجاهلية مكارم الأخلاق ورجولة زماننا ذكورية مفرغة من معناها
لم يسأل أحدهم كيف تشعر تلك المرأة حيال كذب وخداع وإهمال زوجها لها ولبيته، هل يمكنها أن تشعر بالحد الأدنى من الأمان! أم تشعر تعيسة كون زوجها مصدر قلقها وهمها الأكبر !
أليست الرجولة أن يوفر الرجل الأمن والأمان لأهل بيته! اليست الرجولة أن يصدق الرجل بأقواله وأعماله! أليست الرجولة أن يوفر الرجل احتياجات بيته من المأكل والمشرب والكسوة! وهل ذلك الزوج يستحق لقب الرجولة!
قبل أيام وجدت نفسي اعيد النظر بمصطلح "الرجولة"، هل هو ما كان عليه بالجاهلية؟ أم تغير في زماننا؟ وما تبقى من صفات تحلى بها أسلافنا! وتساءلت عن معنى الرجولة ومعنى المروءة وهل هنالك حاجة لشطب كلمات من قواميسنا؟!
بعد أمسية لحل خلاف بين زوجين، عدت الى بيتي متسائلاً ومذبهلًا مما سمعته أذنتاي وشاهدته عيناي. بدل أن يكون نقاشًا حقيقيًا راقيًا في صلب الخلاف ومسبباته، دار النقاش حول شكليات وقشور زائفة في ظل إزدواجية للمعايير وتفسير ذكوري لمصطلحات "العيب والرجولة".
توفير الأمن والأمان
كانت المرأة "مذنبة" حسب تعبير غالبية الحضور (مجموعة أكثر من 10 رجال)، فهي التي أثبتت للحاضرين عظم كذب ونفاق زوجها، وهذا الأمر بحد ذاته فيه من "الوقاحة" ما يكفي لتجريمها بكل عنف، ولا مبالاة وإهمال الزوج. كيف لا وهي من ضرب "رجولته" بإثبات أكاذيبه! لم يتوقف الحضور عند كذبه وتصرفاته، بل صبّ اهتمامه على "وقاحة" الزوجة و"قلة أدبها"، فتصرفها يخالف الأعراف والعادات العربية.
لم يسأل أحدهم كيف تشعر تلك المرأة حيال كذب وخداع وإهمال زوجها لها ولبيته، هل يمكنها أن تشعر بالحد الأدنى من الأمان! أم تشعر تعيسة كون زوجها مصدر قلقها وهمها الأكبر !
أليست الرجولة أن يوفر الرجل الأمن والأمان لأهل بيته! اليست الرجولة أن يصدق الرجل بأقواله وأعماله! أليست الرجولة أن يوفر الرجل احتياجات بيته من المأكل والمشرب والكسوة! وهل ذلك الزوج يستحق لقب الرجولة!
تساءلت، أين الحقيقة من كل هذا؟ ما شكلها؟ ولماذا يصر الحضور على طردها وكأنها رجس واستقبال الكذب والنفاق على أنه خير وبشرى؟ لأن صاحبة الحق إمرأة؟ وتساءلت أيضاً أي جريمة أعظم تكذيب الكاذب وإظهار الحقيقة أم تغليف الكذب بإغلفة ورقية تافهة؟
كانت الرجولة بالجاهلية تشمل الكثير من المعاني السامية التي تميز بها رجال ذلك الزمان مثل حماية اللاجئ، إغاثة الملهوف، إكرام الضيف، العفو عند المقدرة، كبح الغيظ والصدق في القول والعمل... كان للرجولة معان سامية وراقية جدّا تحلى به العرب بين الأمم والشعوب...
توارثنا مصطلح الرجولة منذ آلاف السنين، لكن هذا الإرث لم يصان بشكل يحافظ على المعنى الأصيل ومع الوقت تبقى القليل من هذا الإرث ليصبح شكليًا صوريًا كبقايا مزارٍ على هامش طريق، بات مصطلح الرجولة يعطي كثيرًا من الذكور ما لا يستحقونه.
كل منا يعرف جارة أو خالة أو عمة، لها من الصبر والتضحية ما لها ، قد تكون أرملة أو مطلقة أو حتى أخت تولت تربية أخوتها. كل واحدة من هؤلاء سطرت مجدًا بحروف من ذهب خالص مصقول بأسمى معاني الصبر والشقاء والتعب بدون كلل. بطلات قصص من هذا النوع صنعن ما لم يصنعه الرجال فكل واحدة منهن أسست أسرة مفخرة بين الشعوب والأمم وعلمت أفرادها حب العلم والخير والناس وأوصلتهم الى بر الأمان، وذلك تحت أقسى الظروف وأقل الحيل.
كل واحدة من بطلات هؤلاء تستحق اللقب "الرجولة" وبإمتياز إلا أنهن لم ولن يحصلن عليه عليه لكونهن نساء فلقب "الرجولة" حكر للرجال فقط...
المروءة فيها من الشموخ والعزة والكرم والكرامة ما كان ل"الرجولة" ذات مرة، وفي ذات الوقت تجمع بين الجنسين، وتُعطى لمن يستحقها فقط دون أفضلية للهوية الجندرية.
شتان ما بين رجولة الجاهلية ورجولة زماننا، رجولة الجاهلية مكارم الأخلاق ورجولة زماننا ذكورية مفرغة من معناها. أرى أن الرجولة بات مصطلحًا باليًا غير منصفًا، وأرى أن المروءة أقوى وأشمخ وأنصف من الرجولة، فلنعزز المروءة ولنمنحها لمن يستحقها من النساء والرجال ولنمحو الرجولة التي فيها خداع وكذب وعدم انصاف....
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net