سهيل ابراهيم عيساوي في مقاله:
مصطلح إرهابي هو مصطلح فضفاف مثل ذمتنا واسع مثل المحيطات ويتغير وفق قواعد اللعبة
لماذا هي النظرة الدنيوية للإنسان العربي من قبل نفسه ومن قبل الحكام ومن قبل الاخرين وخاصة الغرب؟
هنالك ثورة مضادة وهنالك قوى خارجية تعبث بالأمور حتى غطاء وهمي ومسميات غريبة لأنها تخشى أن يمتد الوعي إلى أراضيها وهنالك تضارب في المصالح بين قوى إقليمية
أين دور القضاء في تقديم كل مجرم للعدالة اين دور النيابة العامة والشرطة في حماية المتظاهرين ام أن دور الأمن فقط في حماية من يتظاهر في ميدان التحرير وبدعوة من الفريق السيسي؟
ما أرخص الدم المصري ...
ما أرخص الدم السوري...
ما أرخص الدم العراقي ...
ما أرخص الدم الصومالي ...
القائمة طويلة ...وقاتمة
كثيرا ما تجول في خاطري وتتجول في شرايين دماغي، بعض الاسئلة التائهة التي قلعت شرش الحياء وتمردت على الصمت الذي يخيم على عالمنا العربي من المحيط الى الخليج، لماذا هي النظرة الدنيوية للإنسان العربي؟ من قبل نفسه ومن قبل الحكام، ومن قبل الاخرين وخاصة الغرب، من قبل وسائل الإعلام العربية والأجنبية، لماذا هذا التفسير الضيق لحقوق الانسان ! لماذا هذا التنكر لأبسط حقوق الانسان، لا نتحدث عن الحق في التمثيل السياسي الشفاف من ترشيح وانتخاب، لا نتحدث عن حرية الصحافة، لا نتحدث عن حرية التعبير، او الحق في التنقل او حرية العمل او الحق في التعليم او حرية العبادة، انما نتحدث عن الحق في العيش بكرامة واحترام الانسان لكونه انسان،عدم اعتقاله تعسفيا وتركه دون محاكمة عادلة يقبع في غياهب السجون، وان قدم للمحاكة تكون صورية، واحيانا لا يعرف مكان احتجازه ولا يرافقه في محاكمته التعسفية أي محام، عندما تقترب الحقوق من فم الاقليات على اختلافها في شرقنا العربي تتغير المفاهيم، كأنهم أغراب.
معنى الحرية
الحرية تعني المساواة امام القانون، ومنح حتى الافضية للأقليات ودعمهم للمحافظة على نسيج الوطن والنسيج الاجتماعي وليس استغلال التفوق العددي لأقصاء الاقليات العرقية او الدينية، وسن قوانين مجحفة بحقهم، ان مفهوم الديمقراطية للأسف ضيق في عالمنا العربي، ودائما نحمل الاستعمار على اشكاله السبب، واذناب الاستعمار والانقلابات العسكرية، والامن القومي، ومكافحة الارهاب، والقضية الفلسطينية، والعقلية العربية، كي نتملص من استحقاقات الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
الديموقراطية
قد يقول قائل إن الديمقراطية فيها مناقب ومثالب نعم وقد تفرز ما لا يرضاه البعض، لكن الديمقراطية هي افضل نظام توصل اليه الانسان، وقد نبت وتطور هذا النظام بمفهومه الاولي منذ اكثر من 2000 سنة في اثينا حين كانت الديمقراطية مباشرة، والاسلام كان الاقرب الى الديمقراطية، فبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، تم اختيار الخلفاء الراشدين من بعده من خلال مجلس استشاري ضم كبار الصحابة ثم تتم البيعة من قبل سائر المسلمين في المسجد، الى ان جاء معاوية بن ابي سفيان وحول الامر الى خلافة بالوراثة محصورة في بني امية، الموضوع شاسع وكبير، لذا أود طرح بعض القضايا التي طفت على السطح في الآونة الاخيرة.
أحداث مصر
عند مقتل عشرات من المتظاهرين المصريين عند قصر الاتحادية بيد العسكر وقوات الامن، وفي حادثة المنصة بالقرب من رابعة العدوية، بغض النظر عن قيام بعض المعتصمين بمحاولة اغلاق شارع معين وان كان حيويا، في النهاية، وقعت مذبحة وقتل ايضا ما يزيد عن مئة وجرح ربما المئات او الاف على يد قوى الامن المصرية وربما ايضا بعض البلطجية والخارجين عن القانون المناوئين لانصار الرئيس المعزول مرسي، نحن امام مشهد دموي واعتداء على ابسط الحقوق وهو الحق في التظاهر السلمي او الاعتصام، وكنا قد ظننا ان هذا الحق اصبح مكفولا بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، لكن يا فرحة ما تمت، حيث تم تشريع القتل ودعمه من قبل القضاء الذي صمت وقوى الجيش والشرطة واجهزة المخابرات ، وطبعا بدعم وصمت القسم الاخر من الشعب الذي دعم الانقلاب أي انقلاب 30-7-2013، وكان من قتل هم شعب اخر او يعيشون في كوكب اخر، هم في النهاية مصريين فقط تختلف معهم سياسيا وربما تتفق معهم في كثير من القضايا الجوهرية ،والغريب في الامر ان الصحافة المصرية الرسمية من صحف وقنوات فضائية تبنت برمتها تقريبا رواية الداخلية ووزيرها محمد ابراهيم، والتي تحمل الضحايا ذنب موتهم وليس غريبا ان يتم رفع دعوة قضائية ضدهم او التشهير بها حتى وهم تحت القبر، الغريب اين اختفت في ليلة وضحاها حرية الصحافة ؟ اين اسس الصحافة ؟ اين الرواية والرواية المضادة، لماذا استمرت القنوات المصرية في البث العادي والغناء وإستضافة الراقصات وعرض المسلسلات التركية والغرامية، والدم المصري ينزف حتى لو كان من قتل بدم بارد من الطرف الاخر سياسيا ولا يتفق مع رأي مالك المحطة، هل تعني حرية الصحافة تجاهل صرخات واهات ودماء شريحة كبيرة من الشعب المصري، اين دور القضاء في تقديم كل مجرم للعدالة؟ ، اين دور النيابة العامة والشرطة في حماية المتظاهرين ام ان دور الامن فقط في حماية من يتظاهر في ميدان التحرير وبدعوة من الفريق السيسي؟
"إرهابي"
مصطلح " إرهابي" هو مصطلح فضفاف مثل ذمتنا واسع مثل المحيطات ويتغير وفق قواعد اللعبة ، باسم هذا المصطلح تم احتلال وتدمير العراق اعظم دولة عربية، بإسم الارهاب تم تمزيق الصومال، وبإسم الارهاب تم تدمير افغانستان وشعبها، وبإسم الارهاب يتم إعتقال وقتل آلاف الابرياء ومنهم اطفال ونساء وشيوخ في كل ارجاء العالم، هل كل من يتظاهر مع الشرعية في مصر هو في خانة الإرهاب؟ لماذا نخلط بين ما يجري حقا في شبه جزيرة سيناء من اعمال ارهابية حقيقية وإعتداء على الجيش المصري وفوضى عارمة وبين ما يجري في القاهرة من حراك شعبي حقيقية واختلاف في المواقف، لماذا نستعمل سلاح نزول الناس في الشوارع من كل الاطراف في مصر لحسم الامور؟ هذا لا يعقل، وهنالك طرق اكثر حضارية تتفق مع اصول اللعبة السياسية هنالك صناديق اقتراع واستفتاء وبرلمان او مجلس شورى ومجلس شعب، لماذا يجمع القادة صلاحيات السلطات الثلاث في ايديهم ويتم الاستبقاء عليها، من أسس النظام الديمقراطي الفصل بين السلطات الثلاث (القضائية ، والتفيذية، والتشريعية )، ولماذا يتدخل العسكر في بلادنا في السياسة!
الإنقلابات العسكرية والفساد
كنا نظن أن عهد الانقلابات العسكرية قد ولى وأن دور العسكر قد إنحسر وخاصة بعد ثورات الربيع العربي ، لكن ظننا خاب ، في سنوات الخمسين والستين من القرن الماضي كان الانقلابات العسكرية تتم بحجة دعم القضية الفلسطينية لتخدير الشعوب وتغييبها، واليوم طبعا ولدت مصطلحات جديدة تتماشى مع العصر، بإسم الامن القومي والقضاء على التطرف والارهاب ، لست ادري هل نراهن على وعي الشعوب ام لا ؟ من يصنع الفساد ؟ من يصمت على الفساد ؟ ومن يدعم الدوس على حقوق المواطن ؟ من يحارب التحول الى الديمقراطية ؟ من يقوم بإلغاء الاخر وشطبه عن الوجود؟ من يقوم بالتضييق على الاقليات العرقية والقومية والدينية والسياسية والفكرية، لماذا نكفر الاخر، لماذا يرضى الكاتب والصحفي أن يستكتب، لماذا يصم أذنه عن صرخات واهات امام مكتبه وجنازة جاره؟ لماذا لا يقدم كل صحفي وكاتب وسياسي وشيخ أي كان للمحاكمة في حال ثبوت تحريضه على القتل والعنف؟ لماذا يموت الحق ببطء في بلادنا، اه ما أصدقك ايها الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور صاحب قصيدة " الناس في بلادي "، وكم اصاب الشاعر الكبير نزار قباني في وصف حالتنا.
الموت في بلاد العرب
في الغرب عندما يموت مواطن عادي وخاصة اذا كانت عملية قتل، تعزف الصحف الرسمية والغير رسمية الموال الطويل ولا يهدئ لها بال الا بإقامة لجان تحقيق رسمية قراراتها ملزمة وتقديم كل اصحاب القرار للمحاكمة العادلة، وعادة يقدم الوزير او صاحب الشأن استقالته استعدادا لمجابهة الجمهور والقضاء، وعندنا في الوطن العربي يموت المئات يوميا حتى لا يتم ذكر اسمهم الصفحات الاولى من الصحف تتجاهلهم يفضلون نشر صورة لراقصة ام مغنية – مع تقديرنا لعملهن – في مصر موت وقتل وإعتداء وإنتهاك لأبسط حقوق الانسان التي سحقت – وفي سوريا مات حتى الان اكثر من 100000 مواطن سوري منذ إندلاع الثورة السورية والتي بدأت سلمية لكنها وللأسف سرعان ما تم عسكرتها بالمقابل الة القتل الرسمية تدك المدن وتهدمها فوق رؤوس من بقي من أهلها إضافة الى تشريد الملايين من السوريين الى الاردن وتركيا ولبنان وداخل سوريا، ماتت الطفولة وتشردت وضاعت سوريا صاحبة التاريخ والمجد فدمشق إحتضت الدولة الاموية مدة 90 عاما من تاريخ أمتنا، والعالم صامت اين التغطية الصادقة والشفافة لكل ما يجري هناك ؟ اين الصحف ؟ أصبح القتل إجترار وهم أقصى ما يقال في بعض وسائل الاعلام قتل 130 واعدم ميدانيا 20 مواطنا، وفي العراق كل يوم تفجير وقتل تارة في أحياء ذات اغلبية شيعية وتارة في مساجد واحياء سنية، ودولة عاجزة عن حماية مواطنيها، وعاجزة عن لجم إرهابها اتجاه مواطنيها وقمعهم وعاجزة عن توفير الدعم والأمن من إرهاب بعض الجماعات المسلحة، أكان لنا عراق ؟ العراق كانت دولة تزخر بالمشاريع والحياة العراق دولة نفطية غنية اين سكانها ؟ اين أمنها اين هيبتها ؟ اين مكانتها، تمزقها الخلافات المذهبية اللعينة، ولعن الله من أيقظها من سباتها، لم يكن من السهل التمييز بين سنة وشيعة فيها، اما اليوم إستقطاب بارز، وخطر تمزق دولة العراق الى دويلات ما زال يلوح بالأفق، صحيح ان العراق قبل سقوط بغداد وصدام كان يعاني السكان من القمع، لكن هل نبدل القمع بقمع افظع وندمر الدولة باسم الحريات ولا ننال غير دكتاتورية وشرذمة وفساد وقمع للحريات واضطهاد للأقليات الدينية والمذهبية وتفجيرات وإرهاب يحصد أرواح الأبرياء.
الخلاصة
كنا نتوهم في ظل ثورات الربيع العربي، أن يحصد المواطن العربي الكثير من الحريات وأولها الحق في العيش الكريم والمحافظة على كرامته وحقوقه الكثيرة مثل حرية العبادة والعمل، والمساواة امام القانون، حرية التعبير عن الرأي وحرية الصحافة، حرية إقامة احزاب وحركات سياسية، المشاركة الحقيقية في ادارة الدولة، ومحاربة الفساد، إضافة الى تحسين ظروف معيشته وأمنه الشخصي، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، لعدة أسباب ربما لأننا لم نصل الى الوعي الكامل لمفهوم ماهية هذه الحقوق وتطبيقها على أرض الواقع، ولان هنالك قوى تحارب هذا التغيير بسب خوفها من فقدان نفوذها وقوتها السياسية والاقتصادية، وهنالك ثورة مضادة، وهنالك قوى خارجية تعبث بالأمور حتى غطاء وهمي ومسميات غريبة، لأنها تخشى أن يمتد الوعي الى أراضيها وهنالك تضارب في المصالح بين قوى إقليمية، لان الفساد يمتد الى جذور عميقة من الصعب اجتثاثه بجرة قلم او بنية صافية، للشر أعوان لا تعرفهم ولا تعرف مكائدهم وخبثهم، بين كل هذا يضيع إنجاز الشباب ورغبتهم بعيشة كريمة، لان الشباب بحكم اطلاعهم على العالم من خلال شاشة الكمبيوتر والشبكة العنكبوتية فالعالم قرية صغيرة، يعرفون أنواع الانظمة والحريات وقوة الشباب، فما أصعب أن يتبدد حلمهم ويموت أمام انظارهم، وعودة الى عنوان المقالة، "ما أرخص الدم العربي" أترك لك اخي القارئ الجواب والإستنتاج والقرار والحكم...
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net