الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 09 / نوفمبر 22:01

بنت أسمها ذات/ بقلم: الناقد الفني صالح ذباح

كل العرب
نُشر: 16/08/13 18:39,  حُتلن: 19:18

صالح ذباح في مقاله:

ينتهي هذا العمل الذي بالبطلة الستينية تنضم الى مظاهرات يناير

بنت اسمها ذات فرصة للملمة الأوراق التاريخية وإعادة معايشتها

كثيرة هي الاعمال التي تناولت فترات من تاريخ مصر لكن الملفت في هذا العمل الفخم بروز الرؤى الملمة لنواحي عدة في حياة المصريين على مدار ستة عقود والدقة الرهيبة في عرض التفاصيل على خلفية مرور الزمن

قد لا يختلف اثنان على أن المسلسل المصري "بنت اسمها ذات"، المأخوذ عن قصة الكاتب صنع الله ابراهيم، قد شكل حالة فريدة خارجة عن دائرة المنافسة الدرامية الموسمية في رمضان، ويمكن القول انه العمل الدرامي الأول الذي استطاع تسجيل تاريخ المحروسة على الشاشة الصغيرة، منذ ولادة بطلته" ذات" يوم ثورة 23 يوليو حتى ثورة يناير، في رمزية وميتافورا شديدة لولادة الدولة المصرية الحديثة من خلال عملية رصد لحياة بطلته، وعرض التغيرات الاجتماعية والسياسية التي حلت بالمجتمع المصري ما بين الثورتين، علما أن الرواية الأصلية تناولت حياة البطلة حتى أواسط الثمانينيات.

تمييز هذا العمل

كثيرة هي الاعمال التي تناولت فترات من تاريخ مصر الحديث (ليالي الحلمية، زيزنيا) ، لكن الملفت في هذا العمل الفخم، والذي قامت بانتاجه شركة (أفلام مصر العالمية – يوسف شاهين ) لجابي خوري ، بروز الرؤى الملمة لنواحي عدة في حياة المصريين على مدار ستة عقود ، والدقة الرهيبة في عرض التفاصيل على خلفية مرور الزمن، ويعود ذلك بالأساس الى مخرجة السبع عشرة حلقة الأوائل من العمل، المبدعة كاملة ابو ذكري التي نجحت في إدخال المقاطع الأرشيفية من الخمسينيات حتى السبعينيات دون إقحام على السياق الدرامي، وسط ذوبان شديد للتاريخ في الدراما، ما جعل من العمل مستندا تأريخيا سيعود إاليه الكثيرون للتأمل والتعلم، ووسط انصهار تام للممثلين في أدوارهم، بطريقة لم نشهدها من قبل مصريا، إذ لن يفوتنا ذكر مفاجأة هذا العمل الفنانة نيللي كريم التي قامت بأداء دور يصعب على أي فنانة أخرى تقديمه بهذه المصداقية والتجسيد الدقيق للمراحل العمرية المختلفة، وكذلك الممثل الظاهرة باسم سمرة تلميذ المخرج يسري نصرالله، والذي يذكرنا بمدرسة أحمد زكي التمثيلية، لتقمصه الشديد لشخصية الموظف البسيط عبد المجيد، بملامحه السمراء التي تقطر مصرية.

ارتقاء اللغة التعبيرية

أسست" ذات" واقعية جديدة على مستوى الحوارات غير المتجملة وغير المتكلفة خصوصا في النصف الأول من المسلسل (السيناريو والحوار لمريم نعوم)، حتى وإن تُرجمت الرؤى الواقعية بأدوات رومانسية ونوستالجيا ملونة "ألمودوفارية" في مشاهد حقبة الستينيات والسبعينيات على وجه التحديد، إلا أن الملاحظ علو وارتقاء اللغة التعبيرية في هذا العمل التلفزيو- سينمائي ،على مستوى التقنيات والمضامين، خاصة في مشاهد أحلام البطلة التي تتسم ب"الفرويدية"، وأبلغها مشهد الحلم الذي يجمع بين حبها القديم الناصري وزوجها الساداتي، يحاولان تحقيق حلمها في تصليح الحمام، في مشهد يجمع بين الرئيسين بهذا المجاز والإبتكار والتضاد، حلقت فيه أبو ذكري في سماء الميتافورا والفانتازيا. أما الحلقات الثلاث عشرة الأخيرة من إخراج المخرج خيري بشارة، جاءت على مستوى أٌقل تعبيريا، وعلى نقيض أبو ذكري التي استعملت االأغاني المرحلية للاستدلال الزمني، وبشكل مفرط أحيانا، خلت حلقات بشارة من الاستعمال المكثف للأغاني والاعمال الفنية كأداة للتأريخ، وجاءت الحوارات السياسية أكثر مباشرة في الطرح، وإيقاع الاخراج بات أكثر ثباتا وبطءًا وجفافا، إلا أن هذا لا يقلل من قدرة بشارة على توصيل المشاهد بواقعية وصدقية شديدة.

تفسير أسباب ثورة يناير

التحولات التي تمر بها ذات من مرحلة الطفولة مرورا بالمراهقة والشباب وصولا الى الكهولة في محيط أسرتها، وعلاقتها بوالديها وزوجها وأبنائها ومحيطها، ترصد الكثير من المستجدات وتغير سلم القيم المجتمعية، والاحباطات الجماعية القاسية، وكأنها تفسر أسباب ثورة يناير. ينتهي هذا العمل الذي بالبطلة الستينية تنضم الى مظاهرات يناير وسط هتاف الجموع : "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، بعد ان اعتقلت ابنتها على خلفية مشاركة في مظاهرات مناوئة لحكومة مبارك بعد تفجيرات كنسية القديسين في الاسكندرية ، طارحا بعد انتهائه تساؤلات كثيرة، حول دور الفن وعلاقته بالثوثيق التاريخي، فحتى ثورة يناير قد يكون هنالك إجماع شعبي مصري على توثيق الاحداث التاريخية الكبرى في مصر، لكن يا ترى، لو تناول عمل درامي أو سينمائي قادم الاحداث الحالية في مصر بعد 30 يونيو هل سينجح بالتوثيق الموضوعي أم أن دخولنا الى عصر المعسكرين في دولنا العربية كفيل بتجنيب التوثيق موضوعيته، بعد أن أصبح لكل معسكر "ناراتيف" خاص به في عصر "الربيع العربي"؟ "بنت اسمها ذات" فرصة للملمة الأوراق التاريخية وإعادة معايشتها على مدار ثلاثين حلقة، لربما يساعدنا على إدراك الى أين نحن مقبلين.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة

.