الدكتور كمال موعد في مقاله:
كيف تفسرون التهافت الاخلاقي الذي يعيشه مجتمعنا في السنوات الاخيرة ابان كل انتخابات للسلطات المحلية؟
لقد بات "الكرسي" هو تلك الغاية المقدسة حتى ولو كان ثمنها التخلّي عن ادنى حدود اللياقة والاخلاق وحتى ولو كان ثمنها الدّم!
روّاد السياسة المحلية في مجتمعنا العربي لا يختلفون عن روّادها في باقي المجتمعات بل اكاد اجزم انهم اكثر شراسة وخطرا واقل كفاءة
كيف يمكن تفسير تجذر ثقافة الاستقطاب العائلي والحمائلي في بلداتنا العربية وتحويلها الى نهج سائد ومقبول ونحن في القرن الـ21؟
متى كان المرشح لرئاسة سلطة محلية يلجأ الى استئجار مرتزقة تستعمل السلاح وتطلق الاشاعات المُشوهة بحق الخصم لتنزع عنه انسانيته وتهزمه؟!
راجعوا اسماء المرشحين للرئاسة في قرانا العربية لتجدوا أن معظمها تنتسب الى العائلات والحمائل الكبرى وأن من لا ينتسب الى مثلها لا يجروء بتاتا على خوض الانتخابات حتى ولو كان عبقريا او قديسا!
لطالما كانت السياسة في مختلف اصقاع العالم مرتعا للفساد وللمفسدين ومسرحا يعتليه بصورة عامة اناس ليست لهم غاية سوى خدمة مصالحهم المادية والاجتماعية والنفسية وإشباع الأنا الأعلى الطاغي على سلوكهم النرجسي او التعويض عن فشلهم الذريع في حياتهم الشخصية وبحثهم عن منصة تظهرهم بمظهر الانسان الناجح المؤثر.
روّاد السياسة المحلية
من الجلي الواضح ان روّاد السياسة المحلية في مجتمعنا العربي لا يختلفون عن روّادها في باقي المجتمعات بل اكاد اجزم انهم اكثر شراسة وخطرا واقل كفاءة. ولعله من الانصاف أن نستثني بالطبع القلة القليلة النادرة، ولكن للأسف غير المؤثرة، من الاشخاص الذين يدخلون السياسة مخلصين صادقين بغية خدمة بلادهم ومجتمعاتهم ولكنهم ما يلبثون أن يهربوا منها كمن يهرب من النار.
المخلصون الشرفاء
في الواقع نتوق الى تزايد اعداد هؤلاء المخلصين الشرفاء بيد إننا على ما يلوح، سنبقى طويلا نشعر بطعم المرارة وخيبة الأمل. في الحقيقة لقد عانى مجتمعنا العربي منذ قيام الدولة من تهافت اخلاقي واضح عندما ذهب في معظمه ومنح صوته لأحزاب صهيونية متدينة أو علمانية على حد سواء! هنالك من يعطي تبريرات معينة، تفسر وتبرر دعم المجتمع العربي لتلك الاحزاب وتُصورُهُ على أنه تصرف طبيعي في ظل الاوضاع السياسية، الاجتماعية والنفسية التي مر بها ذلك المجتمع في اعقاب النكبة وقيام الدولة وتشتت المجتمع العربي على كافة الاصعدة. لكني لا ادري كيف يمكن لهؤلاء المفسرين والمبرّرين ان يفسروا التهافت الاخلاقي الذي يعيشه مجتمعنا في السنوات الاخيرة ابان كل انتخابات للسلطات المحلية؟ كيف يمكن تفسير تجذر ثقافة الاستقطاب العائلي والحمائلي في بلداتنا العربية وتحويلها الى نهج سائد ومقبول ونحن في القرن الـ21 قرن الثورات المعرفية والتحولات الفكرية والتكنولوجية الجبارة؟؟
حمائلية
راجعوا اسماء المرشحين للرئاسة في قرانا العربية لتجدوا أن معظمها تنتسب الى العائلات والحمائل الكبرى وأن من لا ينتسب الى مثلها لا يجروء بتاتا على خوض الانتخابات حتى ولو كان عبقريا او قديسا! ثم هل يمكن وضع تفسير عقلاني لانتشار ظاهرة استخدام السلاح الناري اكثر من أي وقت مضى لحماية المرشح من جهة ومن جهة اخرى لإرهاب خصومه والفوز عليهم مهما كان الثمن ومهما كان دافعه!
اعمال بربريّة
متى كان المرشح لرئاسة سلطة محلية يلجأ الى استئجار مرتزقة تستعمل السلاح وتطلق الاشاعات المُشوهة بحق الخصم لتنزع عنه انسانيته وتهزمه؟! الم تطالعنا الصحف العربية خلال السنوات القليلة الفائتة بعشرات الاخبار عن حالات اطلاق نار وإلقاء قنابل وإحراق سيارات وممتلكات لمرشحين او لرؤساء على يد خصومهم السياسيين! الم تنتهي تلك الاعمال البربريّة في بعض الحالات بقتل ابرياء! للأسف الشديد دائما كانت تعقد الصفقات بين المرشحين للرئاسة وبين اطراف داعمة وكان وقودها هو المال او الوظائف. لكنها لم تكن تعقد علنا جهارا نهارا وبمنتهى الصفاقة والوقاحة كما تعقد اليوم! هل بات شعار مكيافيللي"الغاية تبرر الوسيلة" هو شعار كل من يطمح ويطمع بكرسي الرئاسة في مجتمعنا العربي! اخشى أن الجواب هو نعم.
الكرسي
لقد بات "الكرسي" هو تلك الغاية المقدسة حتى ولو كان ثمنها التخلّي عن ادنى حدود اللياقة والاخلاق، وحتى ولو كان ثمنها الدّم! اذاً، حريّ بنا كمجتمع، بكل ما نملك من مؤسسات وهيئات وطاقات فردية نزيهة صادقة، ونحن على حافة الهاوية، ان نراجع بصورة قاسية سلوكنا كمجتمع ازاء تهافت الثقافة السياسية لدينا قبل ان نسقط فعلا في الهاوية فتذهب ريحنا.
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net