الدكتور كمال موعد في مقالته:
المعلم الجيّد هو المعلم الذي ينظر لى مستقبل الطالب لا الى ماضيه وينظر اليه على انه مستقبل المجتمع برمته لا مستقبل فرد بعينه
ليس من الضروري بتاتا ان يكون المعلّم عبقريا او ملهما او قديسا حتى يصبح جيّدا وليس مطلوبا منه ان يكون نبيا ولا ساحرا يفك الطلاسم ويشفي من الداء العضال
المعلم الجيّد هو المعلّم الذي يحوّل الحصّة بحرفيّه عالية وبسلاسه الى ورشة عمل يأخذ الجميع فيها دوره كل حسب استطاعته حصة ليس فيها تخويف ولا تهديد ولا ضغط ليس فيها احراج ولا استهزاء ولا تعال ولا عقاب ولا عنجهيّة
كثيرة هي المقالات والدراسات التي تسرد للقارئ كم هي مزرية احوال التعليم العربي وكم انها تحتاج الى علاج مكثّف ودونما ابطاء. وللتعرف على حجم المأساة بإمكانك اخي القارئ دخول أي موقع اخباري عربي محلّي على الشبكة العنكبوتيّة ومطالعة الاخبار والمعطيات التي لن تسرك حول انجازات طلابنا ومدارسنا في امتحانات البجروت، طبعا مع بالغ اعتزازنا بالمدارس التي اوصلت طلابها الى مستويات جيدة بل وممتازة من التحصيل وتقديرنا لكافة الاطراف فيها، بيد انها مع الاسف قليلة العدد. على ضوء كثرة تلك التقارير والمعطيات، فقد كثرت ايضا الاجتهادات والتصوّرات لكيفية الخروج من هذه الازمة الراهنة ولرفع مستويات تحصيل الطلاب ولتبييض ماء الوجه مدرسيا، محليا وقطريا. فريق من الناس رأى ان محور العملية الاصلاحية يجب ان يكون اولياء امور الطلّاب، في حين ذهب فريق اخر الى ضرورة التركيز على مديري المدارس بينما زعم فريق ثالث ان الطّابة في ملعب المعلّم.
ثقافة التعاون والمشاركة والمسؤولية
الحقّ، من وجهة نظري الخاصّة، ان الطّابة في ملعب الاطراف الثلاثة ولضيق المكان سوف اتناول الطرف الاكثر اهميةً وتأثيراً وهو المعلّم. وحتى يكون الرأي واضحا جليا فإنني اقصد المعلم الجيّد تحديدا. ليس من الضروري بتاتا ان يكون المعلّم عبقريا او ملهما او قديسا حتى يصبح جيّدا. ليس مطلوبا منه ان يكون نبيا ولا ساحرا يفك الطلاسم ويشفي من الداء العضال. حتى يكون المعلم جيّدا ويتحول الى كنز لمجتمعه عموما ولطلابه على وجه الخصوص، عليه فقط ان يُقنع طلابه بأنه صادق في رسالته نحوهم وانه موجود معهم من اجلهم هم لا من اجله هو وبأنهم هم الغاية وبان المدرسة هي الوسيلة وليس العكس. عندما يثق الطلاب بمثل هذا المعلم سوف تتغيّر ثقافة المدرسة جذريا. سوف تتأصل فيها ثقافة الحوار بدلا من الفرض والاملاء، ثقافة التعاون والمشاركة والمسؤولية المشتركة، سيتحول المعلم الى مرشد، صديق، رفيق، مستشار، ملجأ، أخ أكبر، أب. المعلم الجيّد هو المعلّم الذي يحوّل الحصّة، بحرفيّه عالية وبسلاسه، الى ورشة عمل يأخذ الجميع فيها دوره كل حسب استطاعته، حصة ليس فيها تخويف ولا تهديد ولا ضغط، ليس فيها احراج ولا استهزاء ولا تعال ولا عقاب ولا عنجهيّة ولا تأنف، حصة فيها مساواة وإنسانية، فيها اطراء وتشجيع لكافة الطلاب على حد سواء وايمان بقدرات الطالب ايا كان. المعلم الجيّد هو المعلم الذي يبعث في نفوس طلابه الشعور بالراحة والأمان والحيوية لا الشعور بالضيق والزّهق والملل.
كنز مكنون يغيّر الواقع
ان المعلم الجيد هو الذي يجعل الطالب ينتظر بفارغ الصبر بداية الحصة لا نهايتها. المعلم الجيد هو المعلّم الذي لا يصادر حق الطالب في الوجود بل يدفعه المعرفة وحب الاستطلاع، يدفعه الى التفكير الحرّ ولا يؤمن بغرس الأفكار، يبيّن له الطريق ولا يلزمه بأفكاره هو، يطلب منه ان يناقشه وان يختلف عنه وان يشق طريقه بذاته لا ان يقلده كالببغاء فلا يجدّد ولا يبدع ويفقد بذلك وجوده كذات. المعلم الجيّد هو المعلم الذي ينظر الى مستقبل الطالب لا الى ماضيه، ينظر اليه على انه مستقبل المجتمع برمته لا مستقبل فرد بعينه. انني على اقتناع تام بأنه عندما يعامل المعلّم طلابه بمثل ما تقدّم سوف يقتنع طلابه بصدقه وبصدق جهوده وبنبل نواياه. عندها فقط سوف يتحوّل الى معلم جيّد، سيتحوّل الى كنز مكنون يغيّر الواقع. عندها فقط سوف تتغيّر تلك التقارير السوداء وتتحوّل الى ورديّة. هل الامر بهذه السهولة؟ قطعا كلا ولكن علينا على الاقل نيل شرف التجربة.
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net