الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 13 / نوفمبر 03:02

في رحاب الهجرة/ بقلم: أبو وهيب

كل العرب
نُشر: 03/11/13 18:11,  حُتلن: 18:36

إنّها هجرة رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم مع بعض صحابته الكرام رضوان الله عليهم من مكة المكرّمة إلى المدينة المنوّرة التي سُطّر من خلالها التاريخ والأيّام والشهور فهو الشهر الأوّل من السنة الهجريّة محرّم والشهور الهجريّة اثنا عشرة شهرا ومنها أربعة حرم وهي كالتالي :
محرّم _ صفر _ ربيع الأوّل _ ربيع الثاني _ جمادي الأوّل _ جمادي الثاني _ رجب _ شعبان _ رمضان _ شوّال _ ذو القعدة _ ذو الحجّة ، والأربعة الحرم هي:ذو القعدة _ ذو الحجّة _ محرّم _ رجب ، بقوله تعالى :
(إنّ عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ) صدق الله العظيم ، ويقول عليه الصلاة والسلام:" ألا إنّ الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق صلى الله عليه وسلم.

إنّ أوّل من فرّ مهاجراً مع النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه ، كانت بداية هجرتهم من مكّة المكرّمة إلى غار ثور فرّ إليه الرسول صلى الله عليه وسلم خوفا من كفار قريش ويقع هذا الغار جنوب مكّة المكرّمة، فرّ إليه لتمويه الكفار ، والمدينة تقع شمال مكّة وكانت أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها تأتي إلى الغار بالمأكل والمشرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ووالدها أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه بالخفية .

وكانت أسماء رضي الله عنها تخبئ الطعام تحت طيّات ثوبها لذلك سُمّيت بذات النطاقين، ليتحقّق قول الله تعالى في سورة التوبة : (إلاّ تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إنّ الله معنا فأنزل الله السكينة عليه وأيّده بروح بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا هي السفلى وكلمة الله العليا والله عزيز حكيم ).
قالها أبو بكر الصديق للرسول صلى الله عليه وسلم : لو نظر أحدهم إلى قدميه لرآنا فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : ما بالك بإثنان الله ثالثهما ، بعد هذا الحدث بأيّام قليلة هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم مع بعض صحابته الذين بايعوه على الهجرة إلى المدينة المنوّرة ومنهم: عبد الله بن رواحه وغيرهم من الصحابة الكرام والأجر جنّة الله تعالى، ولمّا خرج من مكة قال مقولته المشهورة صلى الله علي وسلم : " والله إنّك لأحب بلاد الله عليّ ولولا أهلك أخرجوني لما خرجت .

اشتهر عبد الله بن رواحه بمقولته لرسوله صلى الله عليه وسلم " والله لا نقيل ولا نستقيل " ليتحقّق قول الله تعالى : ( الذين آمنوا وهاجروا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله أولئك هم الفائزون يبشّرهم ربّهم برحمة منه ورضوان وجنّة لهم فيها نعيم مقيم ).
وما اقتصرت الهجرة على الرجال فحسب بل على النساء أيضا ، منهنّ أسماء زوجة الزبير رضي الله عنها وأرضاها وكانت حاملا ووضعت مولودها عبد الله بن الزبير على مشارف المدينة المنوّرة في قباء وهو أوّل مولود يولد خلال الهجرة فهو المهاجر الوحيد الذي كان جنينا في بطن أمّه . ولمّا وُلد حملوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مهللين ومكبّرين لرب العالمين ،إنّه عبد الله بن الزبير الذي جاهد في الله حقّ جهاده في أفريقيا والأندلس والقسطنطينيّة كان بطلا من أبطال الفتوحات الإسلاميّة وهو الذي قتل قائد وملك البربر رضي الله عنه وأرضاه هو وجميع الصحابة الكرام.

إنّها مدرسة الهجرة تخرّج منها هؤلاء الأبطال الذين لم يُبدّلوا تبديلا هم المهاجرون والمؤمنون والمجاهدون والمنفقون بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، تركوا البيت والأبناء والزوجة والعشيرة وكل متاع الدنيا للفوز بجنّة الله تعالى ليتحقّق فيهم قول الله تعالى:
(إنّ الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين لم يهاجروا ما لكم من ولايته من شيء حتّى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلاّ على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير ) .
إنّ كل من شهد أنّ لا إله إلاّ الله وأنّ محمد رسول الله وعمل بهما انخلع من الولاء للشيطان والجاهليّة العمياء التي تكللت بعبادة الأصنام والأوثان ، شهدوا وآمنوا بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلّم ، آنذاك منذ بداية الدعوة التي انطلقت من دار بن الأرقم إلى يومنا هذا حتّى أن أصبح المجتمع الجاهلي يخاف ويهاب المجتمع الإسلامي الوليد بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي آخى بين التجمع الإيماني والتجمع الإسلامي .

قالها أهل المدينة بعبارة واحدة ولسان واحد صادق للمهاجرين: لكم مالنا وعليكم ما علينا قاسموهم البيوت والميراث وحتى الزوجات، استنصروهم في الدين فكان بعضهم أولياء بعض، وعن بن عباس رضي الله عنه وأرضاه قال:
بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة يوحى إليه ، وتوفّي وهو بن ثلاثة وستون سنة وقد مكث في الهجرة عشرة سنين ، ولمّا دخل المدينة استقبلوه أهلها بأنشودة : _طلع البدر علينا من ثنيّات الوداع _ ودخل المدينة داعيا الله تعالى :
(اللهم أدخلني مُدخل صدق وأخرجني مَخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا )،صلوات ربي وسلامه عليك يا رسول الله ، إنّها المدينة ، وطيبة ، ويثرب ، ودار السلام ، والرضوان ، والإسلام والرزق والكريم ، والروضة ، والحسنة ، كلها من أسماء المدينة المنوّرة التي آوت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الأخيار رضوان الله عليهم .

وبعد هذه الهجرة تآخى المهاجرين والأنصار فكان لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، أحب الله الأنصار والرسول أيضا صلى الله عليه وسلم أحب الأنصار وكان يدعوا لهم " اللهم ارحم الأنصار وأبناء أبناء الأنصار كانوا أولياء لبعضهم لبعض. بعدها مكث الرسول في المدينة المنوّرة ما يقارب عشرة سنين حتّى أن عدّ العدّة ورجع إلى مكّة فاتحا بإذن الله تعالى ، إنّ حدث الهجرة حدث تاريخي فيه معاني كثيرة فلنجعل من حياتنا كلها هجرة إلى الله تعالى حتّى يدخلنا الله مدخلا نرضاه ويرزقنا الله الرزق الحسن ليكمن فينا قوله سبحانه :
( والذين هاجروا في سبيل الله ثُمّ قُتلوا أو ماتوا ليرزقنّهم الله رزقا حسنا وأنّ الله خير الرازقين *ليدخلنّهم مدخل يرضونه إنّ الله لعليم حليم )،ما هي إلا دروس وعبر من رحاب الهجرة أسوقها إليكم بإيجاز ، نسأل الله أن ينفعنا وإياكم وأن يهدينا جميعا إلى سبيل الرشاد وكل عام وأنتم بخير .

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net


مقالات متعلقة

.